06-سبتمبر-2023
احتجاجات حاملي شهادة الدكتوراه في الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

احتجاجات حاملي شهادة الدكتوراه في الجزائر (فيسبوك/الترا جزائر)

ما يحدث في الجامعة، هو نتيجة حتمية لمخطّطات البحث العلمي والتكوين الجامعي والإصلاحات الناجمة عن تراكمات عالقة لفترة طويلة، فهل خطّطت الوزارة لتخريج دكاترة لإنتاج البحث العلمي والمعرفة، علاوة على استثمارهم في مناصب التدريس؟ أم تحاول أن تملأ فراغات بيداغوجية بعيدًا عن رؤية واضحة؟

الأستاذ عبد الحليم بولوفة لـ "الترا جزائر": التكوين في مصاف المناصب المفتوحة للالتحاق بسلك الدكتوراه لا ينسجم مع احتياجات الجامعة

رغم المخططات المتتالية منذ عقود والأغلفة المالية المرصودة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر، يتحدّث العارفون بخبايا المنظومة الجامعية عن عدم وجود سياسة أكاديمية ترفع من قيم العلم والتعلم والبحث في شتى المجالات والتخصصات، حيث تمثل -حسبهم- سلسلة انفرطت حباتها، عكس ما كان ينبغي لها في أن تكون متناسقة مع منظومة اجتماعية ويُفترض فيها أن تلبي حاجات اقتصادية والمساهمة في التنمية.

في هذا الإطار، يرى الأستاذ في الاقتصاد كريم بن بختي أن هناك خللًا واضحًا بينما تحتضنه الجامعة من عدد الطلبة الجامعيين الجدد كل سنة باستقطابها للآلاف من المتحصّلين على شهادة الباكالوريا والمتخرّجين، مع فتح مسابقات الماستر والدكتوراه في علاقة مع المخرجات الأكاديمية؛ من بحوث علمية وإنتاجٍ فكريٍّ تصنعه الجامعة، والتكفل بالحاصلين على الشهادات العليا على مستوى سوق العمل. 

وأضاف الأستاذ بختي في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن دور الجامعة يتمثل في التكوين، ولكن مع مرور السنوات والفترات والتحولات الاقتصادية باتت الجامعة اليوم من أهم حلقات الإنتاج المعرفي والتقني والاقتصادي، وأصبحت على المحك، ينتظر منها أن تكون جسرًا بين التكوين وصناعة الكفاءات والمشاركة في الدورة الاقتصادية والتنمية. 

المقاييس الأكاديمية

من جهتهم، يقترح ناشطون جامعيون من دكاترة بطالين وأساتذة تشكيل خلية حوار ومتابعة لاتخاذ قرارات الغاية منها امتصاص الغضب الحاصل بين النخبة الجامعية، خاصّة ما تعلّق بطرق التوظيف.

إلى هنا، تكشف بعض الأصوات الجامعية أن معضلة الأساتذة تتمثّل في طريقة التوظيف وسدّ الاختلالاتالموجودة في الجامعة، إذ "ليس كل حاصل على دكتوراه وجب توجيهه لتدريس مقاييس أكاديمية"، وهو ما يطرح مقترح توظيف بعض الكفاءات في المراكز الاقتصادية البحثية، وفتح الآفاق نحو ما يسمى باستشراف القرارات وتقليص فجوات الصدمات الاجتماعية والاقتصادية. 

قبل سنوات، أثير جدل واسع وسط الأكاديميين حول إقرار التقاعد الإجباري بالنسبة للأساتذة الذين بلغوا سنًا متقدمًا وتعويضهم بأساتذة جدد؛ كأحد حلول معضلة الدكاترة البطالين، دون التخلي عن تلك الخبرات وتجارب السنوات، وتخصيص وضعية تقنية خاصة بالمتقاعدين لحاجة الجامعة الجزائرية لذوي الخبرات الطويلة والمتميزة. 

الخبرة والتوظيف

وفقًا لما سبق ذكره، فإن استبدال نظام العمل بالساعات الإضافية التي تصل في بعض الأحيان إلى بروز ما يسمى بـ "الأساتذة المؤقتين"، أمر وجب الانتباه له، خصوصًا وأن المؤقت سيصبح دائمًا، بحسب متابعين لشأن التكوين الجامعي، بل ووصل عدد الدكاترة الذين يشتغلون بهذا النظام إلى مستويات تضرّ بمصلحة التعليم الجامعي، حيث ترك آلاف الأستاذة رهينة "ظهور" منصب أو رصد أغلفة مالية لاستقطاب مناصب، والانكفاء على تسوية وضعياتهم ما يحتم ضرورة التوظيف المباشر.

لكن المثير في الموضوع، أن الجامعات قدمت الأولوية في التوظيف لفئة ذوي الخبرة ممن سبق لهم ممارسةالتدريس بصفة "أستاذ مؤقت"، بل كان التنقيط بناء على هذه الجزئية لقبول التوظيف، ما عطّل ملفات العشرات في الحصول على نقطة المرور للحصول على وظيفة وعدم استجابتهم لهذا المعيار.

في المقابل فإن هذا الشرط، يحتوي على إيجابيات كثيرة، فالكوادر العلمية المتمرسة تقدم الخبرة والتجربة، وستؤثر بالإيجاب على التكوين الجامعي، لكن نظرًا لما هو موجود في الساحة، تقترح الأستاذة سهيلة طبي من جامعة قسنطينة أن يتم تعويض الخبرة في التدريس بالتكوين البيداغوجي وتحت إشراف أستاذة من صنف بروفيسور حتى يتم المرور بهم إلى بر الأمان في التدريس الجامعي. 

وأضافت الأستاذة طبي لـ "الترا جزائر"، أنه يمكن إعفاء الأساتذة الموظفين من بعض المقاييس والمواد وتسليمها لأساتذة جدد خاصّة منها ما تعلق بالمنهجية وطرق البحث العلمي، حتى يتم الانتقال في مجال التكوين بأكثر سلاسة.

التدريس والبحث

في خضم الحلول المقترحة وتقليص نسبة البطالة، سيتم توزيع الدكاترة بحسب تخصصاتهم على مراكز البحث الجامعية أو توظيفهم في مؤسسات إدارية واقتصادية واجتماعية في إطار الاتفاقيات التي تبرمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع المؤسسات الوطنية المختلفة.

هذا الأمر يرفضه كثيرون على اعتبار أن التوظيف المباشر حقّ مشروع دستوريًا، ويتنافى مع قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أمر بتسوية ملف الدكاترة البطالين بما ينصّ عليه القانون. 

من الحلول المقترحة، في إطار ما أطلق عليه إصلاح المنظومة الجامعية، إعادة النظر في خريطة التكوين الجامعي، إذ يقول الأستاذ عبد الحميد بولوفة من جامعة علوم التكنولوجيا بـباب الزوار بالعاصمة الجزائرية، إن التكوين في مصاف المناصب المفتوحة للالتحاق بسلك الدكتوراه لا ينسجم مع احتياجات الجامعة، معتبرًا ذلك خللًا وجب تداركه.

ووفق هذا الخلل في ميزان التكوين والمتخرجين من الدكتوراه كل سنة كحاملي أعلى شهادة جامعية، ووضعهم في خانة البطالين، قال بولوفة لـ "الترا جزائر"،إن ذلك أثر سلبًا وارتفع عدد المتخرجين بشهادة الدكتوراه ويستحقّون التوظيف المباشر، تبعًا للقانون في مقابل عدد المناصب الشحّيحة التي تعرضها الجامعات كل عام. 

يعترف البعض أن إنتاج المعرفة ظلّ حبيس الجامعات وجدران المخابر

في مقابل ذلك، فإن قطاعات البحث العلمي لازالت شبه معطلة، إذ يعترف البعض أن إنتاج المعرفة ظلّ حبيس الجامعات وجدران المخابر التي لازالت بعيدة كل البعد عن احتياجات عجلة الاقتصاد الجزائري وتفكيك الأزمات الاجتماعية، واستشرافها.