03-أبريل-2020

عدد الإصابات المؤكدة بالفيروس يقترب من 1000 حالة في الجزائر (تصوير: محمد قادري/Getty)

حين اندلع العنف والإرهاب في الجزائر، مطلع تسعينات القرن العشرين، كان قتل شخص أو شخصين مثيرًا للسّخط والاستنكار الشّعبيّين. فقد كانت النفس عزيزة. وكان من قتلها كمن قتل النّاس جميعًا. ومضت الأيّام وتوغّلت الجماعات المسلّحة في القتل الأعمى، فذهبت هيبة إزهاق  النّفس، حتّى صار الجزائريّون، بعد تراكم من أخبار الموت، لا يُثارون إلا إذا تجاوز عدد القتلى خمسين قتيلًا.

هل يعود هذا الاستهتار الشّبابيّ بالإجراءات الوقائيّة إلى كونها أمليت من طرف السّلطة الحاكمة المرفوضة 

إذا قسنا ذلك الزّمن على زمن كورونا اليوم، فسنجد الفرق شاسعًا بين تفاعل الجزائريّين مع أول حالة تمّ الإعلان عنها في الأسبوع الثالث من شهر شباط/فبراير الفائت، وكانت لمواطن إيطاليّ دخل التّراب الوطنيّ، وتفاعلهم في السّاعات الأخيرة، حيث يوشك عددٌ الحالات المصابة على أن يبلغ الألف ويوشك عدد الحالات المتوفّاة على أن يبلغ المائة.

اقرأ/ي أيضًا: الحراك في زمن كورونا.. أو حين يستجيب لسلطة المعرفة

وربّما كانت المقارنة التّي يجرونها بين عدد "المُكَورَنين" بينهم وعددهم في دول أخرى، حيث بلغ عشرات الآلاف في إيطاليا وفرنسا وأميركا وإيران، هي سبب برودتهم في التّفاعل مع ما يتمّ إعلانه من طرف السّلطات التّي قررت أخيرًا أن تكون شفّافة، فتخصِّص الخامسة مساءً موعدًا يوميًّا لمصارحة الجزائريّين بالجديد عن ضحايا الفيروس المستجدّ.

لقد اعتقدت السّلطات، أنّ هذا الإجراء من شأنه أن يخلق حالة من الخوف في الأوساط الشّعبيّة، فيحملها على إدراك خطورة الوضع ومواجهته بالتزام البيوت الذّي يبقى في صدارة الإجراءات الوقائيّة النّاجعة. غير أنّ الذّي يحدث هو أنّ قطاعًا واسعًا من الجزائريّين ينتظرون نشرة الخامسة ليعرفوا الأرقام الجديدة، ثمّ يخرجون من البيوت إلى السّاحات وجنبات الشّوارع وعتبات العمارات ليتناقشوا حولها، متسبّبين في ارتفاعها من يوم إلى آخر.

إنّ هذا السّلوك الشّعبيّ القائم على الاستهتار بفيروس أرعب الكوكب كلَّه، يضعنا أمام جملة من الأسئلة علينا مواجهتها بروح مسؤولة وعقل باحث، ليس فقط لتجنّب المخاطر الحالية، بل لتجاوز مخاطر مستقبليّة قادمة أيضًا. إذ هل يمكن أن نذهب إلى جمهورية جديدة كما يتغنّى بذلك الجميع، سواءً كانوا مقتنعين بذلك فعلًا أم غير مقتنعين في الأعماق،  بشعب يستهزئ بالأوبئة؟

كان الأمر سيكون متفهَّمًا، بل كان سيكون مدعاةً للإعجاب لو قام تفاعل كثير من الجزائريّين مع كورونا على تحدّيه بإنتاج تعابير فنّيّة، بالموازاة مع اتخاذ الإجراءات الوقائيّة اللّازمة، مثلما رأينا ذلك في مشاهد غربيّة كثيرة، لكن أن يقوم تفاعلهم على إنكار وجود الفيروس أصلًا أو التقليل من أهميّة الإجراءات المتّفق عالميًا على نجاعتها، فالأمر يدعو فعلًا إلى تشغيل آلة الأسئلة.

ما معنى أن يستجيب الأطفال والعجائز والشّيوخ لدعوة التزام البيوت، إذ يندر أن تجد واحدًا من هذه الشّرائح الثلاث خارجها، وهي مشمولة بقلّة التعليم، في مقابل استهتار فئة الشّباب المشمولة بالتّعليم؟

هل يعود هذا الاستهتار الشّبابيّ بالإجراءات الوقائيّة إلى كونها أمليت من طرف السّلطة الحاكمة المرفوضة من طرف هؤلاء الشّباب، فكان كسرها موقفًا سياسيًّا من السّلطة الحاكمة؟ هل بلغت معارضة الشّاب الجزائريّ للنّظام السّياسيّ إلى درجة رفض إجراءات وتدابير تحفظه من الموت، قبل أن تحفظ النّظام؟

أم أنّ طبيعة البيت الجزائريّ معماريًّا، إذ لا تختلف السّكنات الاجتماعيّة الممنوحة من طرف الحكومة عن علب الطّماطم، واجتماعيًّا إذ تقوم العلاقة داخل البيت الجزائريّ على صراع الأجيال، أدّت بالشابّ إلى أن يُفضّل الشّارع، مع كلّ ما يترتّب عن ذلك من مخاطر صحيّة، على أن يبقى في البيت الضّاغط والمضغوط؟

لماذا لم تعمل الحكومة على وضع آليات ناجعة، تعفي المواطن من الخروج بحثًا عن الطعام والمؤونة؟ علمًا أن زمن الوباء يخلق حالة شعبيّة عامّة تقوم على الخوف من النّدرة، بما يخلق حالة من التّدافع. فما معنى أن تدعو النّاس إلى التحلّي بالحجر الصّحّيّ وأنت تدفعهم إلى أن يتدافعوا على السّميد؟

لماذا لم تعمل الحكومة على وضع آليات ناجعة، تعفي المواطن من الخروج بحثًا عن الطعام والمؤونة؟

لقد عرّى كورونا كثيرًا من عيوب وثقوب السّلطة والشّعب معًا. وهما إن لم يستغلّا الفرصة لمراجعتها ووضع الواقي من الصّدمات لها، فسوف يدخلان جمهوريّة ثانية بعيوب وثقوب أخطر من تلك التي كانت تنخر جسد وروح الجمهوريّة الأولى. فهل سننجو من فيروس كورونا وفيروس الإهمال والارتجال؟