لم يكن يتوقع عصام كردالي (42 سنة) أن يبلغ سعر خروف العيد متوسط الحجم هذه السنة 85 ألف دينار على الأقل، أي 627 دولار، هو ما وقف عليه رفقة مواطنين آخرين بنقطة بيع الأضاحي "ألفيار" ببلدية بئر توتة، جنوب العاصمة.
فيدرالية مربي المواشي: موالون مزيّفون ألهبوا أسعار الأضاحي مستغلين بطاقة الفلاح للاستفادة من الأعلاف وبيعها بأثمان خيالية
يقول عصام، موظف بلدي، إنّ الأضاحي المعروضة للبيع بأسعار تتراوح بين 45 ألف دينار (332 دولار) و65 ألف دينار (480 دولار)، فهي صغيرة جدًا، وقد لا تفي حتى بغرض نحرها في مناسبة عيد الأضحى المبارك، أو على الأقل لا تساوي ذلك الثمن المرتفع.
وفي حديث لـ"الترا جزائر" مع عصام بنقطة بيع الأضاحي، أكّد أنّ "الأسعار عرفت زيادة غير منتظرة هذه السنة"، لافتًا إلى أنّ "الأسباب تبقى مجهولة وكلّ موالٍ وبائع يقدم مبرراته."
وبلغة الغاضب، يردف محدثنا، وهو أب لطفلين، أنّه "ككل سنة نسمع عن إجراءات وقرارات حكومية تخص الأسعار. هذا غير معقول المواطن صاحب الدخل المحدود لن يتمكن من شراء أضحية العيد هذا العام."
عصام واحدٌ من بين آلاف المواطنين، الذين يريدون شراء أضحية العيد بسعر مقبول، ويتساءلون عن فحوى تصريح وزير الفلاحة الأخير، حينما ردّ على سؤال نائب برلماني حول التهاب أسعار الأضاحي وعجز المواطن البسيط عن شراء الخروف بالقول أن "مصالحنا تتحكم في أسعار المواشي المتواجدة على مستوى مؤسسة "الفيار" الحكومية."
وأوضح عبد الحفيظ هني على هامش جلسة مناقشة قانون حماية الغابات، بتاريخ 18 حزيران/جوان، أن أسعار الأضاحي المطبقة في السوق، "حرة ويصعب التحكم فيها، خاصة في ظل وجود وسطاء يتخللون عملية البيع بين الموال والمواطن"، وهي ظاهرة مستمرة منذ زمن، حسبه، دون أن يقدم حلولًا ملموسة.
لكن الوزير عاد ليوضح أن مصالح الفلاحة رخصت لـ850 سوق جوارية على المستوى الوطني لبيع الماشية، كما ضبطت أسعار الأعلاف بـ3200 دينار للقنطار أي 24 دولار.
وفاجأ الوزير النواب بالقول إن "عدة مواقع عبر الوطن تبيع الخروف بسعر لا يتجاوز 30 ألف دينار (221 دولار)، وهنا يردّ عصام بالقول: "إنتهى زمن الخروف بـ30 ألف دينار منذ 10 سنوات في الجزائر، والأضحية اليوم لمن استطاع إليه سبيلا.."
تعددت الأسباب والارتفاع واحد
ويحصي عضو المكتب الوطني لفيدرالية مربي المواشي، محمد بوكرابيلة، في تصريح لـ"الترا جزائر" 7 أسباب وراء التهاب أسعار الأضاحي هذه السنة والتي تجاوزت مبلغ 60 ألف دينار جزائري للخروف متوسط الحجم أي 395 دولار، مشيرًا إلى أنّ "غياب الموال أي مربي الخروف، عن الأسواق يعدّث أحد العوامل التي تجعل الوسيط أو المضارب الوحيد المتحكم في السعر."
ويقول بوكرابيلة أن التأخر في تحديد نقاط البيع في المدن الكبرى ونقص التجهيزات والتهيئة في هذه الأماكن سواء الماء أو الأمن جعل الممول يعزف عن التنقل إلى المدن الكبرى لبيع ماشيته بنفسه، الأمر الذي استغله المضاربون المتنقلون إلى مكان تواجد الموالين لشراء الخرفان وإعادة بيعها بالسعر الذي يرونه مناسبًا، فعلى سبيل المثال يشترى الوسيط خروف بـ50 ألف دينار (302 دولار) ليقوم بعدها ببيعه بـ80 ألف دينار (505 دولار) أو أكثر.
ويرفض محدّثنا تحميل الموال مسؤولية ارتفاع الأسعار، "فلو تم توفير نقاط بيع بداية من شهر أيار/ماي الماضي، وتأمين المكان وضمان المياه لكان الوضع أحسن اليوم"، وفقه.
ومن بين أسباب ارتفاع الأسعار، يكمل عضو المكتب الوطني لفيدرالية مربي المواشي، "غلاء الأعلاف التي كان سعرها في السنوات السابقة يعادل 1500 دينار (11 دولار) للقنطار والشعير 1600 دينار (11.6 دولار) للقنطار، لترتفع اليوم إلى 6 آلاف و8 آلاف دينار على التوالي أي من 44 إلى 59 دولار، وهو ما رفع أسعار الخرفان بـ20 ألف دينار على الأقل أي 147 دولار."
وأضاف بوكرابيلة أن "الفوضى التي شهدتها سوق الأعلاف جعلت الأسعار تقفز إلى حدود جنونية لتصل 90 ألف دينار (659 دولار) لخروف مقبول الحجم."
بوكرابيلة لـ"الترا جزائر": الجفاف وتراجع المحصول الفلاحي من بين أبرز أسباب غلاء الأضاحي هذه السنة
ومن بين أسباب ارتفاع أسعار الماشية أيضا، بحسب محدثّ "الترا جزائر" من سماهم بـ"الموالين المزيفين أو أولئك الذين يملكون بطاقة مهنية يستغلونها في شراء الأعلاف المدعمة ليقوموا بإعادة بيعها".
كما أرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى الخسائر التي تكبّدها الموالون طيلة السنة الفلاحية والتي تعود في الأساس إلى غلاء الأعلاف البسيطة والمركبة التي تدخل في تغذية وتسمين الأغنام التي تجاوزت أسعارها 7 ألاف دينار للقنطار الواحد أي 57.1 دولار، زيادة على الجفاف وتراجع محصول الموسم الفلاحي.
بيع الأضاحي بالتقسيط
وبسب هذا الارتفاع الباهض، لجأت العديد من المؤسسات العمومية والخاصة مؤخرًا إلى التعاقد عبر خدماتها الاجتماعية مع مؤسسات عمومية لبيع المواشي بالتقسيط من خلال توقيع اتفاقيات مع موالين وملاكي مزراع خاصة. ويعود سبب لجوء الموظفين والعمال وحتى المواطنين البسطاء لمثل هذه الصيغة إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 80 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية.
وفي هذا الإطار، يقول الأمين الوطني المكلف بالتنظيم بالنقابة الوطنية لعمال التربية، قويدر يحياوي، في إفادة لـ "الترا جزائر" أن شراء كبش العيد بالتقسيط صيغة جديدة اعتمدتها مديريات التربية في بعض الولايات السنة الماضية وحتى هذه السنة من أجل تمكين موظف التربية من شراء الأضحية، وهي صيغة غير مُعمّمة، إذ تتكفل مديرية الخدمات الاجتماعية، يقول المتحدث، في الولايات المعنية بعقد اتفاقيات مع موالين لشراء الأضحية بالتقسيط لعمال التربية.
واعتبر يحياوي أن مثل هذه الصيغة في الشراء تمكن عددًا كبيرًا من العمال من الاستفادة من الأضحية خاصة وأن أسعارها تشهد ارتفاعًا كل سنة، إذ يقوم الموظف، حسب يحياوي، بدفع نصف أو ثلث سعر الأضحية وبعدها يتم اقتطاع الأقساط الأخرى من راتبه لمدة تترواح بين 3 أو 4 أشهر حسب الاتفاق المبرم.
ووقف "الترا جزائر" على بعض العروض لبيع كبش العيد بالتقسيط يروج لها موالون وأصحاب مزراع وحتى وسطاء عبر نقاط البيع المخصصة لبيع الماشية بالعاصمة وولايات أخرى.
لجوء الموظفين والعمال والمواطنين البسطاء لصيغة شراء الأضحية بالتقسيط سببه ارتفاع الأسعار بنسبة 80 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية
ويقدم هؤلاء عرضًا خاصًا لذوي الدخل الضعيف الراغبين في شراء أضحية بالتقسيط على غرار ما تعرضه بعض نقاط البيع في سوق الأربعاء، بولاية البليدة، وكذلك سيدي عبد الله بالعاصمة.
كما يعرض بعض التجار أضحية بالتقسيط وفق شروط، منها دفع 30 بالمائة من سعر الأضحية وتقديم صكوك موقعة يُضاف لها استمارة من مصالح البلدية، ويتم الاتفاق مع الزبون على دفع باقي المبلغ في مدة لا تتجاوز 4 أشهر.
مقترحات لعيد 2024
قدمت الفيدرالية الوطنية لمربي المواشي مقترحات لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية لضبط أسعار الماشية ورفع نسبة الإنتاج، حتى لا يتكرر سيناريو ارتفاع الأسعار السنة المقبلة على الأقل.
وتتضمن المقترحات التي اطلع عليها "الترا جزائر" استيراد الأعلاف الأقل تكلفة من الشعير، ودعم الموالين الفعليين من خلال السماح لهم بحفر الآبار والاستثمار في مجال إنتاج الأعلاف والذرة.
كما تضمنت المقترحات أيضا وضع مخطط وطني يُحدد حاجيات كل منطقة مثل السهوب، التي تحتاج لدعم في الأعلاف بنسبة 70 بالمائة على خلاف المناطق الرعوية التي تعادل النسبة أقل من 20 بالمائة.
إضافة إلى تطهير قائمة الموالين من السماسرة والوسطاء، ووضع حد لتجاوزاتهم وجعل البيع مباشر من الموال إلى المواطن، مع التحضير لضبط السوق منذ اليوم للسنة المقبلة، واستباق الأمور، وعدم انتظار آخر لحظة لضبط الإعدادات.
وفي النهاية يظل التحكم في أسعار الأضاحي هاجسًا يطارد القائمين على وزارة الفلاحة كل سنة مع اقتراب عيد الأضحى، حيث ما فتئت الأسعار تزداد موسمًا بعد الآخر، لتصل في كل مرة رقمًا قياسيًا جنونيًا غير مسبوق، رغم الوعود والتعهدات، فهل سيستوعب المسؤولون الدرس هذه المرة، ويضعون حدًا للمضاربة؟