يشرح الثلاثيني كمال - س وهو صراف للعملة الصعبة بالسوق الموازية "السكوار"، وتحديدًا بساحة بور سعيد بالجزائر العاصمة، أسباب ارتفاع أسعار "الدوفيز" خلال الأسبوع الأخير لشهر أوت/ آب ومطلع أيلول/سبتمبر حيث تم تداول 100 أورو بـ 22 ألف و600 دينار و100 دولار أمريكي بـ 21 ألف دينار في الفاتح من الشهر الجاري.
تفكر الحكومة في محاصرة هذه السوق والقضاء عليها نهائيًا بعد فتح مكاتب صرف العملة الأجنبية تمنح امتيازات وهامش ربح
وأرجع محدث "الترا جزائر" ذلك إلى تضاعف الطلب نتيجة تأجيل عدد كبير من الجزائريين لعطلتهم السنوية إلى شهر سبتمبر/ أيلول، وكذا عودة موسم العمرة، ولا يبدي كمال أيّ مخاوف من غلق هذه السوق التي يقول أنه يسترزق منها منذ سنوات وفي كل مرة يتم تداول إشاعات بأنه سيتم القضاء عليها إلا أن ذلك لا يتحقق, حيث تبقى هذه الخطوة مجرد تأويلات وتصريحات تنشرها الصحافة ولا ترى طريقًا للتنفيذ.
تحول "السكوار" وغيره من النقاط الموازية لبيع العملة الصعبة عبر الوطن، مع مرور السنوات، إلى أحد أكبر المشاكل الاقتصادية التي تؤرق السلطات، نتيجة ازدواجية المعطيات الاقتصادية والمؤشرات النقدية بين السوق الرسمية، حسث أن سعر العملة الأجنبية أكبر 35 % من قيمة العملة في البنوك الجزائرية.فما هي الخطوات التي ستقرها الحكومة لإدماج هذه السوق مستقبلًا في القنوات المالية الرسمية؟
أسباب الارتفاع
يُرجع الخبير الاقتصادي مراد كواشي في إفادة لـ "الترا جزائر" سبب ارتفاع أسعار العملة الصعبة على مستوى السوق الموازية لـ "الدوفيز"، سواءً بساحة بور سعيد بالعاصمة والمعروفة في أوساط الجزائريين بتسمية "السكوار"، أو غيرها من النقاط المنتشرة عبر معظم ولايات الوطن على غرار سطيف وورقلة ووهران وعنابة، والتي تضم أكبر الحصص المتداولة للعملة، إلى الإقبال الشديد للمواطنين على اقتنائها في هذه الفترة بالذات من السنة والتي تتقاطع مع العطلة الصيفية وعودة موسم العمرة.
يوضح كواشي الأسباب بشكل أكثر تفصيلًا، قائلًا إن مئات آلاف الجزائريين يتهافتون على السوق السوداء، لاقتناء العملة والتوجه لقضاء عطلة الصيف في الخارج حتى خلال شهر سبتمبر/ أيلول، حيث يقصد هؤلاء عدة وجهات على غرار تونس ودول أخرى، كتركيا ومصر إضافة إلى فرنسا وإسبانيا وماليزيا وأندونسيا والمالديف وزنجبار، وغيرها من المناطق السياحية في العالم، مع نقل مبالغ معتبرة من الأورو، لتغطية نفقات العطلة، خاصة وأن حجم المنحة السياحية في الجزائر منخفض ولا تتجاوز قيمتها 100 أورو لكل مواطن، مرة واحدة في السنة، وهو لا يغطي حتى تكلفة سيارة أجرة ومبيت ليلة واحدة بالفندق في دولة أجنبية.
كما يربط الخبير بين انطلاق موسم العمرة بداية من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، تزامنا مع ذكرى المولد النبوي الشريف وارتفاع أسعار "الدوفيز"، إذ سيؤثر ذلك بشكل أكبر على زيادة الطلب على العملة للجزائريين المتجهين إلى البقاع المقدسة خلال الأيام المقبلة، مع العلم أن كل معتمر ينقل معه ما لا يقل عن 500 دولار على الأقل، ويخلص المتحدث للقول بأن زيادة الطلب يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الأسعار.
أما بالنسبة لكيفيات وطرق احتواء السوق السوداء للعملة الصعبة، فيرى كواشي أن الأمر صعب جدًا، حيث تحولت "السكوار" على مر عقود من الزمن إلى أكبر عائق يواجه الاقتصاد الوطني منذ الاستقلال، لاسيما وأن هذه السوق تضم مبالغ طائلة سبق وأن تم تقديرها بـ 90 مليار دولار، حيث يشمل الإحصاء جميع النقاط السوداء لبيع العملة.
ويرى المتحدث أنه ينبغي اليوم إيجاد حل سريع ٍلاحتواء هذه السوق وامتصاص المبالغ المتواجدة فيها، وذلك من خلال تحويل تلك الأموال للسوق الرسمية، عبر منح أصحابها تشجيعات وضمانات لإيداع أموالهم في البنوك، على غرار إقرار حوافز بنكية وجبائية لأصحاب رؤوس الأموال.
ملاذ آمن
من جهته يعتبر الخبير الاقتصادي كمال ديب في إفادة لـ"الترا جزائر" أن تراجع القدرة الشرائية محليًا دفع بالعديد من المواطنين إلى إدخار المبالغ التي يوفرونها بالعملة الصعبة بدل العملة المحلية، كملاذ آمن يمنع انخفاضها عند الحاجة إلى إعادة صرفها من جديد، فالجزائريون حسبه لا يدخرون المال اليوم بالدينار، وإنما ب"الدوفيز" الذي تسبب كثرة الطلب عليه في إلهاب سعره.
كما يقول المتحدّث أن انتهاء فترة العطلة الصيفية، وعودة المغتربين إلى ديارهم، تسبب في إنقاص تشبع السوق الوطنية بالعملة الصعبة، فالمغتربون اليوم يتخلصون مما بقي لديهم من الدينار، ويعاودون اقتناء الأورو، ناهيك عن قلة الوافدين للجزائر أصلًا خلال هذه الفترة، وهو ما يجعل الطلب على العملة الصعبة بالسوق الموازية يفوق العرض.
كما أرجع الخبير الاقتصادي سبب ارتفاع أسعار العملة إلى الحذر الذي يشوب التعاملات في الأسواق الخاصة بالسلع والخدمات وتوقف العجلة الإنتاجية خلال فترة العطل، والتضخم المستورد من الخارج، وهو ما يقود دائما إلى وجود من يلجأ إلى اقتناء العملة الصعبة للحفاظ على القدرة الشرائية كملاذ امن.
أما في سياق الحلول المتاحة، فيرى المتحدث أنه لا بديل عن خلق نشاط إنتاجي، وقوة تصديرية معتبرة، وتطوير القطاع السياحي، ورقمنة وتحديث الجهاز المصرفي الذي لا يزال معطلا، حيث أن الفراغ الذي تركته البنوك ملأته السوق السوداء خلال عقود من الزمن، وهو أحد الأسباب حسبه، التي قد تعوق التحاق الجزائر بتكتل "بريكس".
الملف على طاولة الحكومة
ولم تغفل الحكومة ضرورة معالجة ملف السوق الموازية للعملة الصعبة وأهمية إزاحتها والقضاء عليها بشكل نهائي للتخلص من ازدواجية الاقتصاد.
وأدرجت السلطات ذلك ضمن مخطط عملها الذي عرضه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن شهر سبتمبر/ أيلول 2021 أمام البرلمان بغرفتيه، إلا أنه اليوم وبعد مرور سنتين من عرض المخطط، وتزامنا واقتراب موعد عرض بيان السياسة العامة لتقييم أداء الجهاز التنفيذي، لا تزال سوق العملة الصعبة تراوح
نفسها رغم إقرار قانون نقدي ومصرفي جديد، صدر في الجريدة الرسمية شهر جوان / حزيران المنصرم.
وفي السياق يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني هشام صفر في إفادة لـ"الترا جزائر" أن عدة لقاءات جمعتهم كلجنة مالية بوزير المالية لعزيز فايد، والتي تم خلالها طرح ملف السوق الموازية للعملة الصعبة، المتوارث في الجزائر عن فترة التسعينات، أي خلال الأزمة الأمنية التي تغذت فيها هذه السوق بمبالغ طائلة، لا تزال معروضة للبيع والشراء إلى اليوم، وقدم في السياق الوزير رؤية لاقتلاع هذه السوق على مراحل، أي بشكل تدريجي.
وأوضح فايد في رد على أسئلة النواب _ يقول هشام صفر _ إن القضاء على هذه السوق قد انطلق بالفعل عبر خطوات ملموسة أولها إصدار قانون نقدي ومصرفي جديد يمنح جملة من التسهيلات والامتيازات لتعاملات السوق المالية النظامية.
ويتيح القانون الجديد عدة خيارات في العروض البنكية كتلك الكلاسيكية أو الصيرفة الإسلامية المطابقة للشريعة، حيث سيتم اعتماد بنوك إسلامية بنسبة مائة بالمائة لأول مرة، وسيساهم ذلك في جذب زبائن السوق السوداء للسوق الرسمية حسب الوزير.
يتم التحضير حاليًا لإصدار النصوص التطبيقية الخاصة بالقانون النقدي والمصرفي
كما يتم التحضير حاليًا لإصدار النصوص التطبيقية الخاصة بالقانون النقدي والمصرفي على غرار تلك المؤطرة لكيفيات فتح مكاتب صرف والامتيازات الممنوحة على هذا المستوى وهامش الربح، إذ سيتوجه، حسبما يقوله الوزير على لسان النائب صفر، المواطن تدريجيًا للسوق النظامية بدل السوق السوداء، في حين سيتم بعدها محاصرة هذه السوق والقضاء نهائيًا عليها كمرحلة ثالثة، وهذا بعد إضعافها، وهو ما سيتيح التخلص منها دون أضرار أو مقاومة، يختم هشام صفر حديثه.