21-نوفمبر-2022
ارتفاع احتياطي الصرف في الجزائر مرتبط بأسعار المحروقات (الصورة: فلسطين اليوم)

(الصورة: فلسطين اليوم)

عاد ملف استدراج أموال السوق الموازية للقطاع الرسمي مجددًا إلى الواجهة في الجزائر، عبر مشروع قانون المالية لسنة 2023 الموجود اليوم على طاولة البرلمان.

كثير من التجار الجزائريين لا يصرّحون بممتلكاتهم ويتجنبون إيداع مدخراتهم في البنوك

ويحتوي النص الجديد على جملة من الإجراءات تقوم على إلزامية الصك والوسائل الكتابية للتعاملات التي تفوق 100 مليون سنتيم ( 1 مليون دينار/ 7113 دولار ) في بعض القطاعات، ومنح تسهيلات في مجال الدفع عبر البطاقة الإلكترونية وتخفيف الرسوم للتعاملات الرقمية.

وتحاول السلطات عبر هذه الخطوة استعادة 90 مليار دولار، وهو حجم الأموال النائمة في السوق السوداء للقطاع الرسمي، ويتعلق الأمر بإحصائيات سبق وأن قدرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قبل 15 شهرًا.

ويأتي ذلك بالتزامن مع عزوف التجار عن التصريح بممتلكاتهم وإيداع مدخراتهم في البنوك، مع العلم أن السلطات تسعى منذ سنوات عبر جملة من القرارات والبرامج والاصلاحات وانتهاج سياسة الترغيب والترهيب مع هؤلاء المتعاملين، لاستعادة الأموال الموجودة في الاقتصاد التحتي أو السوق الموازية، إلا أن جميع خططها السابقة كان مصيرها الفشل، بما فيها إلزامية الصك والفوترة، والإعفاء على مستوى البنوك من السؤال "من أين لك هذا؟"، وحتى تخفيف الأعباء والرسوم.

 فما هي السبل التي ستنتهجها الحكومة هذه المرة، مقارنة مع تلك المعتمدة خلال السنوات الماضية لإقناع تجار السوق الموازية بإيداع مدخراتهم في السوق الرسمية؟

إجراءات جديدة خلال 2023

ويرى الخبير الاقتصادي حمزة بوغادي في إفادة لـ"الترا الجزائر"، أن القرارات المتضمنة في مشروع قانون المالية لسنة 2023 ما هي إلا تحيين للإجراءات السابقة، التي اتخذتها السلطات المالية والنقدية للبلاد على مر السنوات،ولكنها لم تنفذ وبقيت بعيدة عن التجسيد، مضيفا: "تسعى الحكومة اليوم إلى إعادة هيكلة السوق الموزاية  وإدراجها في السوق الرسمية، وهو تقريبا مجرد تحيين للخطوات السابقة، على غرار تفعيل دور البورصة وإشراك المواطن وانخراطه في العملية الاستثمارية، وإعفاء استيراد البطاقات الإلكترونية من الرسوم الجمركية أو الضرائب التي تدرج في تكلفة الدفع الالكتروني وتوسيع مجالات استخدام الصيرفة الإسلامية بالبنوك".

ووفقًا لما يتضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2023، سيتم توسيع تعاملات الصك والوسائل الكتابية بدل الأموال المباشرة، حيث ينص القانون في الشقّ المتعلّق بالشمول المالي والجبائي، "يُفترض مواءمة الأسقف المتعلقة بالقيام بممارسة حق الخصم الجبائي للأعباء وتسديد الضرائب من خلال إلزامية التسديد بوسائل الدفع الكتابية عن طريق القنوات البنكية وذلك بتحديد سقف قدره مليون دينار".

وأردف حمزة بوغادي: "مثل هذه القرارات من شأنها تشجيع المضي قدمًا في مسار تفعيل الدفع الإلكتروني والدفع عبر الصك كآلية للقضاء على الممارسات التي تتم عبر السوق الموازية".

وكحلٍ لمعضلة سوق ساحة بور سعيد وسط العاصمة للعملة الصعبة، يقترح بوغادي إطلاق سندات حكومية، تكون كملاد استثماري آمن للكثير من أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يملكون الشجاعة الاستثمارية أو لاعتبارات عقائدية يرفضون التعامل مع البنوك الكلاسكية، خوفا من الفوائد الربوية، متحدثًا أيضًا عن الكثير من الاجراءات التي يمكن انتهاجها لامتصاص هذه الكتل النقدية الكبيرة في السوق الموازية، عبر إدخال محسنات على منتجات وعروض الصيرفة الإسلامية، التي لا تزال تعتبر إلى اليوم مكلفة وباهظة الثمن مقارنة بالقروض الكلاسكية.

لماذا فشلت الإجراءات السابقة؟

ويعلق الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي على فشل المحاولات السابقة للسلطات الجزائرية في التخلص من السوق السوداء بأن متعاملي هذه السوق لا يثقون في الدولة، ويفضلون إبقاء أموالهم مكدسة ببيوتهم، ويرون أنها هناك ستكون في مأمن من الضرائب والرسوم والسؤال "من أين لك هذا؟"

ويضيف سلامي: "صحيح الدولة اتخذت اجراءات لامتصاص الأموال الموجودة في السوق الموازية، وهذا حتى قبل إعداد قانون المالية لسنة 2023، عبر سياسة الشمول المالي، لكن للأسف كل هذه الإجراءات لم تأت بالنتائج المرجوة".

محدث "الترا جزائر" يؤكّد أن الرئيس عبد المجيد تبون سبق وأن أمر خلال اجتماع مجلس الوزراء بإعداد بطاقية وطنية لاحصاء كل ناشط خارج السوق الرسمية، وسيشمل هذا الاجراء حتى السوق الموازية للعملة الصعبة، إذ أنه من غير المعقول الإبقاء على هذه السوق خارج الرقابة، مع العلم أن حجم الأموال الموجودة فيها تساوي الكتلة النقدية المدرجة في السوق النظامية، وهو أمر يضر بالاقتصاد الوطني.

وقد جاء قانون المالية لسنة 2023 باجراءات جديدة وشجاعة لاستقطاب هذه الأموال، رغم أن هذه الاجراءات تحتوي، وفق ذات الخبير، على بعض السلبيات على غرار السماح للمتعاملين الاقتصاديين باستعمال الدفع عن طريق النقد للتعاملات التي تقل عن مليون دينار.

ويجزم سلامي أن الإجراء الأكثر اهمية لحل مشكل الاقتصاد التحتي، هو إقرار رقابة فعلية على السوق الموازية وتطبيق القانون وانتهاج سياسة الردع، فمن غير المعقول اعتماد التحفيز وإهمال الردع.

 ويطالب الخبير بمواصلة الاصلاح البنكي وتوسيع مجالات استعمال الرقمنة، فلا حديث عن استثمار حقيقي في ظل وجود مناخ يميزه الضبابية وعدم المساواة وغياب الشفافية والوضوح.

عراقيل جديدة

ويتحدّث الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني البروفيسور عبد القادر بريش في تصريح لـ"الترا جزائر" عن بعض العراقيل التي يمكن أن تقف في وجه الإجراءات الجديدة لاسترجاع أموال السوق الموازية، على غرار التهرب الضريبي خاصة في ظل وجود أشخاص من مصلحتهم بقاء معاملات "كيس النقود" لعدم تسديد الضرائب.

ويحذر بريش أيضًا من القيود البيروقراطية الممارسة في البنوك التي تجعل الأشخاص ينفرون من التعامل معها، خاصة وأن التجار اعتادوا على السرعة في تبادل المبالغ، ويرون أن اللجوء إلى البنك يعطل مصالحهم، ويضيف المتحدث: "الكرة في مرمى البنوك اليوم، لإنجاح اجراءات الدولة في استقطاب هذه الأموال من خلال اعطاء مرونة لتعاملاتها".

حاولت الحكومة الجزائر في وقت سابق وضع حد للسوق السوداء وامتصاص الكتل النقدية النائمة

وفي النهاية تبقى خطوات الحكومة اليوم من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2023 تنتظر التجسيد، عبر التطبيق الميداني للبرامج وليس مجرد نسخ النصوص وبقائها مجرد حبر على ورق، وهو ما حدث في الماضي حينما حاولت الحكومة وضع حد للسوق السوداء وامتصاص الكتل النقدية النائمة خارج القطاع الرسمي.