20-نوفمبر-2022
مصنع سيارة كيا في الجزائر (الصورة: البلاد)

مصنع سيارة كيا في الجزائر (الصورة: البلاد)

بجانب محطة الحافلات بخروبة وسط الجزائر العاصمة، تقع بناية زجاجية ضخمة، تبدو مهجورة وموحشة، الواجهة الزجاجية يَعلُوها الغبار بينما تظهر الحظيرة التابعة لها خالية من السيارات، أما البناية فتتوسطها لافتة إشهارية باللغة الفرنسية تُذكّر المارة أنها كانت في السابق أحد أهم الوكالات التجارية لبيع السيارات التابعة لمجمع عشايبو.

تباع أكثر من نصف مليون سيارة جديدة في الأسواق الجزائرية سنويًا

هنا، يروي وليد الذي كان يشتغل سابقًا مندوب مبيعات في المجمع معاناته بعد غلق مؤسسات وكيل السيارات، حيث يذكر وليد في حديث لـ "التر جزائر" أن وكالة خروبة كانت قطبًا تجاريًا ومن بين أهم وكالات بيع السيارات بالجزائر.

يستطرد المتحدث، أن مجمع عشايبو سابقًا كان يمثل عديد من العلامات التجارية للسيارات، حيث كان يُشغل حوالي 150 موظفًا بشكل مباشر وغير مباشر، ناهييك عن الحركة والنشاط التجاري المرتبط بالمجمع.

غلق وكلات البيع والخدمات 

من جهتهم، يعترف عديد من التجار ينشطون في المنطقة الصناعية قايدي الواقعة ببلدية باب الزوار، أنه في السابق كانت هناك نقاط بيع السيارات والخدمات قرب المنطقة الصناعية، انعكس حيث انعكس وكالات بيع السيارات بشكلٍ إيجابي على النشاط التجاري، وشهدت المنطقة المعزولة حركية تجارية لمرافقة نشاط بيع السيارات الذي يجلب الزبائن من مختلف أمكان الوطن.

بعد تجميد نشاط الوكالات، يقول بعض التجار ممن تواصلت معهم "التر جزائر"، إن عددًا من المقاهي والمطاعم ومحلات الخدمات والبقالات أغلقت أبوابها بعدما غاب الزبائن، وباتت المنطقة معزولة من المارة، بل تحوّلت إلى بؤرة يستجمع فيها كثير من المدمنين لابتعادهم عن أين الناس، خصوصًا أن غياب تلك الوكالات تسبب في تراجع فرصة العمل والنشاط التجاري والاقتصادي بالمنطقة التي أسهمت في نشاطها وكالات بيع السيارات.

في السياق ذاته، يقول حسين، وكيل سابق لبيع السيارات متعدّدة العلامات بمدينة رغاية، إنّ أهمية نشاط تصنيع السيارات واستيرادها تكمن في أنها تصنع أنشطة مكملة لهما، موضّحًا أنه وكالته لبيع السيارات كانت توظف أكثر من 10 موظفين بشكل مباشر من أبناء المنطقة، وبصفة دائمة ومن مختلف التخصصات.

يستطرد حسين أنه كان يدفع الضرائب سنويًا واشتراكات العمال والتأمين، موضحًا في حديث إلى "الترا جزائر" أنه عكس ما يعتقده كثيرون حول أن نشاط بيع وتصنيع السيارات مرتبط بالربح والجشع، فإنه في مقابل ذلك يخلق مناصب عمل ويُنشط قطاعات اقتصادية هامة.

يسهم قطاع بيع السيارات، حسب حسين،  بشكل فعال في نشاط تطوير البنية التحتية الصناعية والخدماتية، وينشط الصناعات المغذية ومكونات السيارات وقطاع الغيار، ويساهم النشاط التجاري في امتصاص هائل للبطالة وتوفير مناصب عمل، ومقاولات خدمات الفحص والخبرة.

وكشف محدثنا أن نشاط بيع وتصنيع السيارات يشبه قطاع الأشغال العمومية الذي يحرك قطاعات مرتبطة بالبناء، فوجود سوق السيارات يعني توظيف شباب مُكون في مجال الميكانيك، وإلكترونيك، وحرفي دهان السيارات، ومندوب مبيعات، ومتصرف إداري، ويحتاج النشاط إلى توظيف أعوان الحماية والوقاية، علاوة على تنشيط سوق العقارات من كراء للمواقف السيارات وواجهات تجارية كبيرة التي تسمح بتوظيف العمال أكثر وخلق حركية في بعض المناطق المعزولة، فضلًا المساهمة في دفع الضرائب والمستحقات الاجتماعية، وارتفاع حجم الرأس المال في مجال التأمينات.

وعلى ضوء ذلك، استحسن المتحدث صدور دفتر الشروط للتصنيع السيارات ووكالات البيع بشكل منتظم وشفاف يقضي على المضاربة والاحتكار ويصنع المنافسة وتوفير منتوج بموصفات عالمية.

ردود فعل

وفي السياق ردود الفعل على صدور دفتر شروط وكلاء ومصنعي السيارات، قال زبدي مصطفـى، رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك "على العموم دفتر الشروط جيد من ناحية ضمان حقوق المستهلك"، مشيرًا إلى نقطتين في مجال حماية المستهلك تتمثل في ضمان 5 سنوات أو 100 ألف كلم، وسيارة بديلة في حالة عطب لم يتجاوز 48 ساعة.

من جانبه قال جلال بوسمينة، المحلل الاقتصادي إن دفتر الشروط لاستيراد وتصنيع السيارات "مبدئيًا جيد"، وأوضح على حسابه بموقع فسبيوك أنه تم مراعاة نسبة الإدماج، بالإضافة إلى مراعاة الخدمات التي يقدمها الوكلاء قي مجال التوظيف في الاختصاص.

ويتوقع المحلل الاقتصادي أن بلوغ نسبة 30 % بعد السنة الخامسة ممكن تحقيقه بل يمكن تجازوه، مستطردًا أنه يجب وضع استراتيجية مدروسة وعدم تكرار أخطاء الماضي، على حدّ قوله.

من جانبه، أبدى سليمان ناصر المحلل الاقتصادي تحفظه على بعض النقاط التي تضمنها دفتر الشروط لتصنيع السيارات، خصوصًا فيما تعلق بنسبة الإدماج، إذ أوضح التباين الموجود بين مختلف دفاتر الشروط السابقة، وأشار أن دفتر الشروط لسنة 2017 جعل نسبة الإدماج تصل إلى 15 % بعد ثلاث سنوات.

أما دفتر الشروط لسنة 2020،حسب ناصر، فقد كان يشترط على المصنع بأن يبدأ التصنيع بنسبة إدماج لا تقل عن 30 %، بينما دفتر الشروط الجديد خفف من تلك النسب وجعلها على مراحل أي 10 % ثم 20 في المائة السنة الثلاثة و30 في المائة في السنة الخامسة، داعيًا إلى دراسة السوق الوطنية بشكل جيد، تفادًيا لإصدار دفتر شروط رابع بعد وقت قريب. حسب تعبيره.

يسهم سوق السيارات في الجزائر في توظيف خريجي الجامعات ومعاهد التكوين وامتصاص جزء هامٍ من الأموال المتداولة خارج الاقتصاد الرسمي

وعلى العموم، يُقدر سوق السيارات في الجزائر بأكثر من 500 ألف سيارة جديدة تباع سنويًا، ونظرًا إلى أهمية هذا السوق من الناحية تشغيل وتوظيف خريجي الجامعات ومعاهد التكوين،وامتصاص جزء هامٍ من الأموال المتداولة خارج الاقتصاد الرسمي، بات من الضروري ضبط السوق السيارات ومنع النشاط الاحتكاري والمضاربة وتوفير الضمانة للمستهلك، من أجل أن يكون قطاع صناعة السيارات ونشاط الوكلاء قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وليس نشاط تجاري ريعي.