31-مارس-2023
أطفال مسلسل الدامة (فيسبوك/الترا جزائر)

أطفال مسلسل الدامة (فيسبوك/الترا جزائر)

تباينت وجهات النظر بشأن مشاركة الأطفال في الأعمال الدرامية التي تعرضها القنوات الجزائرية خلال شهر رمضان، خاصّة في مسلسلات تتعلق بالجريمة والمخدرات وحياة السجون، بين مشيد بأداء هؤلاء الأطفال، وبين من ينتقد توظيفهم و"استغلالهم" في أعمال تعالج مواضيع العنف.

في مسلسل "الدامة" تألّق ثلّة من الأطفال في تأدية أدوارهم أبرزهم الطفل عمار قرمود الذي لفت الأنظار منذ الحلقة الأولى

صورة الأطفال كانت حاضرة بشكلٍ كبيرٍ في عدد من المسلسلات الدرامية الرمضانية الجزائرية ولعلّ أبرزها مسلسلي "الاختيار الأول" الذي تعرضه قناة الشروق (خاصّة)، و"الدامة" للمخرج يحيى مزاحم ويعرض على التلفزيون الجزائري العمومي، وهما عملان منحا مساحة مهمّة للأطفال في سيناريو الأحداث مع اختلاف في طريقة إشراكهم في صنع الأحداث.

هذان العملان، حسب متابعين، يقرآن مزقًا من الواقع الجزائري  بكل تفاصيله وتناقضاته، ويعالج فنيًا ظواهر مجتمعية موجودة في الشارع الجزائري وإن رأى البعض إقحام بعض المشاهد المبتذلة في بعض الأحيان، بالرغم من أنّ محور القصص يدور حول الصراع بين الخير والشر، بين الطيبة والأنانية، بين اليأس والأمل.

جاءت مشاركة الأطفال في أحداث العملين المذكورين "الدامة" و"الاختيار الأول" على وجهين؛ فبقدر الإقناع والبراعة التي أظهرها  بعض الممثلين الأطفال في أداء أدوارهم عبر الحلقات التي مرّت، يذهب متابعون إلى أنها قدّمت صورة "قاتمة" عن المجتمع الجزائري من خلال تصوير مشاهد استغلال الأطفال والقصر في تجارة المخدّرات، وتصويرهم كـ"منحرفين" و"مجرمين"، بغض النظر عن سيطرة صور العنف اللفظي والجسدي على قصّة العملين.

في مسلسل "الدامة" تألّق ثلّة من الأطفال في تأدية أدوارهم ويتقدّمهم الطفل عمار قرمود الذي لفت الأنظار منذ الحلقة الأولى، بأدائه وحضوره أمام الكاميرا، تقمّص هذه الطفل وهو ابن عائلة فقيرة شخصية "رؤوف" الذي احتك بـ"رضا" تاجر ممنوعات من حيّه وصار أحد المروّجين لها، وبعد وفاة والده، اضطرت والدته لتعمل منظفة في إحدى المدارس، وهو ما لم يتقبّله، فارتكب جريمة قتل راح ضحيتها أحد زملائه بالمدرسة، الأخير عيّره بوالدته المنظفة، فضربه بعنف وأدّى ذلك إلى وفاته، لينتهي به الأمر في سجن الأحداث.

إسلام بعزيز أو "بلال" دوره في مسلسل "الدامة" هو شقيق "رؤوف" وجد نفسه في بيئة تسيطر عليها عصابات الأحياء و بائعو المخدّرات والمهلوسات، فاستدرجه "رضا" ليبيع الممنوعات في الحي، إلى جانب مشاركة فتاتين (طفلتين) في المسلسل وهما إيناس إيزري وميساء لعروسي، وأطفال آخرين ظهروا كـ"كومبارس" في المسلسل.

وبالنسبة لمسلسل "الاختيار الأوّل" للمخرج محمد علي الزواغي، يبدو توظيف الأطفال في المشاهد الدرامية على صور كثيرة في شاكلة الطفل أيوب (شاوش محمد أمير ) الذي يعيش في حي قصديري، ويتعرّض للاختطاف من طرف إحدى العصابات، ومراهقات ضائعات بين منصات التواصل تيك توك، انستغرام والدراسة، وأطفال يتامى.. وغيرها من الصور التي تقحمهم في أحداث مليئة بالعنف، التهديد والتخويف والجريمة.

صور الأطفال في الأعمال الدرامية، لقيت تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل، بين مشيد ومعجب بالأداء واتقان الدور وتقمص الشخصية، وبين منتقد ومستهجن لطريقة توظيفهم في السيناريو والإخراج دون مراعاة لسنّهم وما قد يؤثر على سلوكهم ودراستهم.
 

هنا، عبّرت الممثلة المسرحية جورية بهلول عن مدى إعجابها بالأدوار التي قدمها الأطفال في بعض المسلسلات الدرامية وعلقت على حسابها بفايسبوك: "المؤسف حقًا أن تمثيل الأطفال الصغار في الدراما الجزائرية أصبح يفوق بكثير تمثيل من يقولون نحن ممثلون، في أغلب الأعمال تميزوا حقًا، التلقائيه تلعب دورًا كبيرًا، أظن أن هذا العام عام الأطفال النجوم".

وفي السياق كتب المهتم بالشأن الفني خالد بن طوبال، تعليقًا قصيرًا حول ظهور الطفل عمار قرمود في مسلسل "الدامة"، وأرفق ذلك بمشهدين من العمل: " أداء جميل جداً، مسلسل الدامة للمخرج يحيى مزاحم".

ومن بين المعلقين على منشوره الفنان المسرحي عمريش أيوب الذي كتب:" أطفال في مثل هذه السنّ يجب مرافقتهم ودعمهم بسيكولوجيا وتشجيعهم على الدراسة وحمايتهم من مرض الغرور خاصّة الغرور الذي حطّم الكثير وقلب حياتهم إلى جحيم لغياب التكفل النفسي لهؤلاء والتّخلّي عنهم مباشرة بعد الانتهاء من التصوير.
 

بانر

ويضيف كاتب التعليق: "وجب تدخّل الطبّ النفسي لحماية الأطفال من بناء أحلام لأنفسهم، على أساس أنّهم أصبحوا مشاهيرًا ويبدأون في تخيّل أنفسهم قد كبروا وأصبحوا نجومًا وقد يرسمون في خيالاتهم نماذج لنجوم يتشبّهون بها فيسقطون بعدها في الخيبة لبعد الفوارق.. يجب رعاية هؤلاء الموهوبين والتكفل بهم من جميع الجوانب حتى يحصلون على نموّ طبيعي وبشكل عادي حماية لهم وتطويرا تدريجي لقدراتهم ومواهبهم".

ومن الأصوات المستهجنة لكيفية ظهور الأطفال في الأعمال الدرامية، كتب خالد علباني حول الممثلين الأطفال في رمضان 2023 في منشور عنونه بـ"بين الدراما والواقع" يقول فيه إن استخدام أطفال قصّر وإدماجهم في مشاهد الدرامية بشكل مبالغ فيه من زاوية السّياق التّقليدي هو انتحار بالفكرة، وانتحار بالعملية الدرامية أساسًا، على حدّ تعبيره.
 

وأضاف: "محاولة نقل الواقع في كل مرة باستخدام سجائر التدخين ومعاني الممنوعات ولغة التّخويف والتّهديد على جدران الشّارع، وكأنّه اعتراف بأنّه هذا هو الواقع وفقط، فيه إذكاء وفرض لوجة نظرة السيناريست و/أو المخرجين على حساب وجهات النّظر الشّارع الحقيقي الذي يرسمه بعين الكاميرا ".

وتابع قوله: "وكما يقول بعض المسرحين "مهمة الدراما تمنحنا تجربة نعيشها دون أن ندفع الثمن فنتجنبها في الواقع".. وهذا على الأرجح هو ما غاب عن أغلب الأعمال الرمضانية، فلا أعتقد شخصيًا أن هذا المنتَج الدرامي مسموح بالمشاهدة لفئة أقل من 15 سنة ! وهذا يكفي أن يكفي أن يخبرنا على أن هذا المسلسلات تهديد لوعي وخيال كل طفل".

من جهته، علق عبيدي جمال على حسابه بموقع فيسبوك، على صورتين الأولى من فيلم "معركة الجزائر" (1966) للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو والثانية لـمسلسل "الدامة" قائلًا: "شتان بين الصورتين والفيلمين والحقبتين ورسالة كل فلم !ونحن في شهر رمضان".

وأضاف: "إلام تروّجون بربكم في هذا الشهر الفضيل بمسلسلاتكم التي اقتحم فيها الأطفال، خاصة "الضامّة" و"البطحة"؟! وأنا أرى أحداثها مستوحاة من موجة الدراما المصرية في زمن انحطاطها والمعبرة عما يدور في أحيائها الشعبية ينقصها فقط : رأصني يا جدع" !!!."
 

لا يتعلق تمثيل الأطفال بمسلسلي "الدامة" و"الاختيار الأول" فقط، ومدى الضجة التي أحدثوها في هذين العملين، ولكن المساحة الممنوحة لهم في القصة وتألقهم بشكلٍ لافت في إتقان أدوارهم الدرامية تارة والكوميدية تارة أخرى، غطّى على مشاركة أطفال آخرين في أعمال أخرى على سبيل المثال في مسلسل "البطحة" لوليد بوشباح، "بنت البلاد" لسامي فعور، ممّا جعل تفاعل نشطاء مواقع التواصل أكثر مع "الدامة" و"الاختيار الأول".

يتساءل متابعون عن صمت منظمات حماية الطفولة إزاء كيفية إشراكهم في صنع قصص هذه المسلسلات وطريقة تقديمهم للجمهور 

ورغم الجدل الذي يثار حول مشاركة الأطفال في الأعمال الرمضانية، يتساءل متابعون عن صمت منظمات حماية الطفولة إزاء كيفية إشراكهم في صنع قصص هذه المسلسلات وطريقة تقديمهم للجمهور التي قوبلت باستهجان من قبل نشطاء على منصات التواصل، ولماذا لم تحدد القنوات العارضة لهذه الأعمال السن الأدنى للمشاهد، بعيدًا عن المحاكمات التجزيئية والأخلاقية للأعمال الفنية، ومصادرة حرية المخرجين في رؤيتهم وتصورهم الإخراجي.