30-يونيو-2022

وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة التربية الجزائرية إدخال إصلاحات جديدة في المناهج التعليمية والشعب الدراسية بداية الموسم الدراسي المقبل، بهدف "إصلاح اختلالات وأخطاء سابقة"، وكذا الرقي بمستوى التعليم في البلد، وسط ترقب من المهتمين بالشأن التربوي بموعد الانطلاق في هذه الخطوة لمعالجة الاختلالات التي أدخلت "عمدًا" إلى المدرسة الجزائرية، وبالخصوص في عهد الوزيرة السابقة نورية بن غبريت المتهمة بأنها كانت تنفذ أجندة لإفراغ  المدرسة من هويتها الجزائرية.

رغم مرور أكثر من عامين على رحيل وزيرة التربية نورية بن غبريت، تظل وعود الحكومة بإزالة "الأخطاء السابقة" في حق المدرسة الجزائرية مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي

وتطلع المدافعون عن المدرسة الجزائرية وتطويرها إلى أن تقوم الحكومة بعد حراك 19 شباط/فيفري 2019 بإصلاحات عميقة في المنهاج التربوي تحدث القطيعة مع الكوارث التعليمية التي أحدثتها بن غبريت، ولجنة علي بن زاغو لإصلاح المنظومة التربوية، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن رغم وعود الوزارة المتكررة بالقيام بالإصلاحات اللازمة.

بداية

في اليوم الأخير من شهر أيار/ماي المنصرم، شارك وزير التربية عبد الحكيم بلعابد في اجتماع افتراضي لبلدان المنطقة العربية وغرب آسيا، تحضيرا لقمة "تحول التربية" الذي ستنظمها اليونسكو لاحقًا حول "الجهود الإقليمية والدولية الساعية إلى تحسين مستوى التربية في مختلف دول العالم"، والتي كشف خلالها عن إصلاحات مرتقبة في المنهاج التربوي الجزائري.

وقال بلعابد إنه مواصلة للإصلاحات تقرر "ترقية التربية البدنية في الطور الابتدائي واستحداث شعبة الفنون في الطور الثانوي، والتي ستدخل حيز التنفيذ ابتداء من العام الدراسي القادم".

وثمن رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الصادق دزيري في حديثه مع "الترا جزائر" القرار المتعلق باستحداث أستاذ للتربية البدنية في الطور الابتدائي، بالنظر إلى أهميّة ترقية النشاطات اللاصفية في تخفيف ضغط الدروس على التلاميذ وفي تنمية مواهبهم، مضيفا أن ذلك سيساعد في التقليل من الثقل الملقى على أساتذة ومعلمي الطور الابتدائي.

غير أن دزيري يعتقد أن استحداث شعبة للفنون في الطور الثانوي ليست أولوية حاليًا بالنسبة للمدرسة الجزائرية التي تعاني عدة مشاكل، وتحتاج إلى إصلاحات عميقة وواسعة، معتبرًا أن اللجوء إلى هذا القرار جاء تحت تأثير ضغوط خارجية من قبل منظمة اليونيسكو.

إصلاح عميق

ويطالب دزيري الحكومة بالقيام بإصلاح حقيقي للمنظومة التربوية، وذلك بالتركيز أولًا على التخصّصات العلمية، بإعادة الاعتبار للتعليم التقني، ويدعو إلى ضرورة الذهاب على البكالوريا المهنية التي لا تزال غائبة عن المنهاج التعليمي الجزائري.

وكشف رئيس المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية بوجمعة شيهوب لـ"الترا جزائر" أن نقابته التقت وزير التربية في شهر شباط/فيفري الماضي لبحث ملف الإصلاحات التربوية، والذي وعد آنذاك بالقيام بإصلاحات جذرية في الطور الثانوي، مع مراجعة في الطورين المتوسط والابتدائي.

وأشار شيهوب إلى أن الإصلاح يجب أن يكون عميقًا في الطور الثانوي بالنظر إلى أن مناهجه وكتبه المدرسية لم تتغير منذ 2005 ، أي منذ صدور أولى الكتب التي تلت إصلاحات التربية التي قادتها لجنة علي بن زاغو، والتي وجهّت لها عدة انتقادات.

وفي  تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نصب وزير التربية المجلس الوطني للبرامج، وهو هيئة وطنية مختصّة في تقديم أراء واقتراحات حول كل المسائل المرتبطة بالمناهج التربوية، والمعنية بتقديم الإصلاحات الضرورية

ويقدم المجلس الذي يرأسه لوصيف عبد الله وهو إطار مكون بالوزارة الإصلاحات التي يشتغل على اقتراحها إلى وزير التربية، والتي تتعلق بالبرامج والمناهج والمواقيت والوسائل التعليمية والتصميم العام للتعليم وصياغة الأهداف العامة للتعليم انطلاقا من غايات التربية.

وسبق لوزير التربية أن تحدث في أكثر من مرة عن "إيلاء الحكومة أهمية للتخصصات العلمية والتقنية والتكنولوجية وتعليم الرياضيات والمعلوماتية"، مشيرا إلى فتح مدرسة وطنية عليا للذكاء الاصطناعي ومدرسة وطنية عليا للرياضيات.

تنظيف تركة

رغم مرور أكثر من عامين على رحيل وزيرة التربية نورية بن غبريت، تظل وعود الحكومة بإزالة "الأخطاء السابقة" في حق المدرسة الجزائرية مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، وفق ما يؤكد لـ"الترا جزائر" الأستاذ صادق دزيري، مبينا أن  الأجندة التي أتت بها الوزيرة السابقة لازالت تنفذ ميدانيا.

وأضاف دزيري إلى أن الكتاب المدرسي الذي صدر في وقت بن غبريت لا يزال ساري المفعول حتى اليوم، بالرغم من الأخطاء الفادحة التي حملها وأصبحت معلومة لدى العام والخاص.

ويعتبر بوجمعة شيهوب أن التخلّص من إصلاحات الجيل الثاني التي حرصت بن غبريت على تنفيذها يعد أمرًا ضروريًا، إذا كانت الوزارة بحق تريد إصلاحًا جذريًا في البرامج التربوية، بالنظر إلى ما حملته تلك المناهج من اعتداء على مواد الهوية الوطنية.

ويعتقد شيهوب أن إعادة الاعتبار لمواد الهوية ممثلة في اللغة العربية والتاريخ والتربية الإسلامية أولوية في أي تغيير لمناهج التعليم، بالنظر إلى أن الإصلاحات التغريبية الحالية حذفت دروسًا ونصوصًا في اللغة العربية والتربية الإسلامية كانت تساهم في الرقي بالأخلاق وزرع القيم وسط التلاميذ لتحسين أدائهم السلوكي داخل الأسرة والمجتمع،  معتبرًا أن "ما نعيشه اليوم من جنوح نحو الجريمة لدى الشباب كان منتظر بالنظر إلى الاعتداءات التي تعرض إليها البرنامج التعليمي المصدر إلينا تحت غطاء إصلاح المنظومة التربوية".

وتدعو المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية  إلى التعجيل بمراجعة البرامج والمناهج بما يحفظ ويعزز الثوابت الوطنية، مع وجوب إعادة النظر في برامج وكتب الجيل الثاني وحذف كل ما يمس بالثوابت الوطنية، مع رفع الحجم الساعي والمعاملات لمواد الهوية في كل الأطوار والمستويات، وعلى رأسها مادة التربية الإسلامية التي يجب أن تسند مهمة تدريسها إلى أستاذ متخصص في الطور المتوسط.

يعتبر بوجمعة شيهوب أن التخلص من إصلاحات الجيل الثاني التي حرصت بن غبريت على تنفيذها يعد أمرًا ضروريًا

ومن الإصلاحات التي يراها رجال قطاع التربية مستعجلة هي إدراج تعليم اللغة الإنجليزية في الابتدائي بدل الفرنسية، والتي تكتم وزير التربية في آخر تصريح له بشأنها على تاريخ الاستجابة لهذا المطلب الذي يرتبط تنفيذه بتوفير الطاقم التعليمي الكامل واللازمة لتدريسه في مختلف المناطق لكي تنجح العملية بشكل حقيقي وجاد، ولا يتم تكرار تجارب سابقة، بحسب ما قال دزيري لـ"الترا جزائر".