21-سبتمبر-2022
جريدة الوطن

(تصوير: بلال بن سالم/GETTY)

ماذا تريد السّلطة من الإعلام في الجزائر؟ هل يمكن أن نشهد صحافة جديدة على المقاس تتجه نحو إبعاد الأصوات المختلفة والتضييق عليها؟ وهل التعامل مع الإعلام في الجزائر وتنظيم القطاع بات صعبًا الآن في ظل تمييع كبير للمعلومات؟ وبروز العشرات من المؤسسات الإعلامية التي تنتظر قرارات الاعتماد من الهيئات الرسمية.

الأكاديمي وليد بوناب: حالة السكون التي يشهدها الإعلام الجزائري هي تحصيل حاصل لمخلفات الأزمة السياسية سنة 2019

عند انتخاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر 2019، تعهّد بأن يضمن حقوق الصحافيين ووعد بحرية التعبير، ولمح إلى تباشير واسعة في حقّ الصحافة الإلكترونية خاصّة وتقنين الإعلام الشبكي، ما منح الكثير من الأمل للعديد من المؤسّسات التي طفت إلى سطح المشهد الإعلامي كمؤسسات إعلامية إلكترونية.

تغريد خارج السِّرب

غير أنه مع مرور الزمن تراجعت الحريات الإعلامية، إذ لخّص بعض الصحفيين المشهد في عبارة سواءً في الخفاء أوفي العلن بأنّ "الأخبار واحدة والمحامل متعدِّدة"، أو المعلومة هي نفسها التي تنشر سواءً أكانت في وكالة الأنباء الجزائرية الرّسمية أو التلفزيون العمومي أو القنوات الخاصة أو المواقع الإلكترونية.

من خلال هذا المؤشّر يعتقد ممارسون للمهنة في الجزائر أنّ الوضع الإعلامي يعرف تغيرات متحرّكة يمكن أن تذهب للسّرعة القصوى خصوصًا مع التّحذيرات التي تصل الجسم الإعلامي من صحافيين ومطرقة ديون الإشهار، فضلًا عن تحذير المسؤولين من إطلاع الصحف عن مستجدّات التغييرات التي يقوم بها الرئيس تبون، وغيرها من المحاذير التي تحاول شيئًا فشيئًا تقييد الصحف أو بالأحرى كبح الحرفة من التحليق خارج السرب وتجميد العقل من التّفكير خارج الصندوق.

الدّيون: ماذا بعد؟

الوضع متأزم في المجال الإعلامي، من بوابة سيطرة المال العام على المشهد من حيث الإعلانات المنشورة في عدد من الجرائد التي لازالت تطبع آلاف النسخ، غير أن  المطبعة العمومية تدين المليارات من الدينارات لأغلب الصحف.

الحديث عن الإشهار، بات يصيب الجسم الإعلامي بالتوجس والخوف، إذ ذكر الكاتب الصحفي نجيب بلحيمر في إفادة له حول الموضوع أن الديون بلغت 220 مليون دينار جزائري، أي ما يعادل أزيد من مليون يورو، فيما "تفيد معلومات من شركة الطباعة بالجزائر أن 94 بالمائة من الجرائد تسحب ألفي نسخة فقط وهو ما لا يسمح للشركة بتحقيق أرباح".

ما الأسباب التي "تجعل الشركة تتحمل الخسارة من أجل جرائد لا يقرأها أحد، مع العلم أن هذه الجرائد تستفيد أيضًا من المال العام على شكل إشهار؟" إذ يعتقد بلحيمر أن "تلك الديون هي ما تدفعه السلطة من المال العام للإبقاء على وسائل الدعاية التي تخدمها".

من خلال هذا الطرح، وكثير سواه، فإن أصوات أخرى تنظر للصحف "الميتة" من حيث النشر والتوزيع مجرد وسائل تدفع بها السلطة على تبييض صورتها، وتعدد المنابر من شأنه أن يعطي صورة بتنوع المشهد الإعلامي شكلًا فقط، بينما يغفل البعض أو يتجاهلون أدوار وساسل الإعلام مهما تعددت واجهاتها وتنوعت مضامينها.

تراجع الحريات

بالحديث عن أدوار الإعلام، يبدو أن تراجع الحريات في الجزائر واضح منذ بدء الإعداد لقوانين الصحافة الإلكترونية،رغم أن المهمة ليست سهلة خصوصا أمام تشظي للمهنة خلال العقدين الأخيرين وتركتها الثقيلة، إذ ورثت المنظومة الإعلامية جسدًا متهالكًا، على حدّ تعبير المتخصص في الإعلام والمجتمع بجامعة قسنطينة وليد بوناب ( يعدّ أطروحة دكتوراه حول المهنة والممارسة الميدانية لوسائل الإعلام الشبكي)، مشيرا في تصريح لـ" الترا جزائر" أن "حالة السكون التي يشهدها الإعلام الجزائري من حيث المضامين المتكررة تحصيل حاصل لتبعات مخلفات الأزمة السياسية التي شهدتها الجزائر  في العام 2019".

وأضاف الأستاذ بوناب أنه من خلال تصريحات العشرات من الصحافيين في شتى المنابر الإعلامية بشقيها العمومي والخاص، لا يوجد "رضى وظيفي" عما تقدمه هذه الوسائل" مشيرًا إلى وضع المعتاد على نقل ونشر المعلومة كما جاءت، وهو ما تسببه الرتابة المهنية.

كما ذكر بأنّ ما تشهده المؤسسات الإعلامية هو حالة طبيعية لما بعد الحَرَاك الشّعبي، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ الكثيرون وصلوا إلى طريق إعلامي مسدود ثمّ فقدوا منفذ الرزق، بعد إغلاق عشرات المؤسسات أبوابها، فيما وجد البعض موجة جديدة في التوظيف في المؤسسات الإعلامية التي يطلق عليها البعض بـ"مؤسسات تضمن الاستقرار، وليس مطاردة حلم التعبير الحرّ والتحري و التطرق للمواضيع الحساسة".

صوت واحد

المشهد الإعلامي في الجزائر بات باهتًا ضبابيًا يشوبه بعض التعديلات التي تطرأ كلّ مرة في قالب استشارات أو اقتراحات للإعلام، ثم بيانات شكلًا بينما المضمون يتعلق بتعليمات فوقية، ضاعت الصحافة كمهنة بين القانون والواقع وبين صحافة المكتب التي تتلقى البيانات وصارت المعلومة متاحة من حيث نوعها فقط، والاهتمام بالتغطيات الرسمية، في غياب صحافة الميدان والاكتفاء بالمصادر الرّسمية سواء بيانًا رسميًا أو بيانًا للحكومة أو بيان مجلس الوزراء، أو بيانات الوزارات، وغير ها من البيانات الرسمية التي تنهل منها وسائل الإعلام.

عشرات الصحفيين سواء من الجيل القديم أو الجيل الجديد، يتحدثون عن الحرفية الغائبة، إذ مازالت تحدِث لغطًا كبيرًا بين أسماء صحفية لامعة منذ زمن الأحادية إلى غاية زمن التعددية وفترة الأزمة الأمنية إلى غاية فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وما أعقبها من حراك شعبي إلى غاية الإعلان عن اعتماد دستور جديد في نهاية العام 2021.

الحرفية في الإعلام

في هذا الموضوع، يتشبّث كلّ جيل بكرّاساته الميدانية، فيما ينقسم الصّنفان على توصيف الإرث الإعلامي من صحافة تعدّدية ومنابر مستقلة ومحامل إلكترونية، سببه الوضع السياسي العام، فمنهم من يرى في الآخر قد استولى على المشهد في أشكاله الحديثة مع التطور التكنولوجي وانغماسه في المعلومة السّطحية بينما الآخر يرى في المهنة هي "متاعب" التّحقيق والتحري والاستقصاء وتطويع القلم.

الثابت في الإعلام، تعدد المنابر والمواقع الإلكترونية في الجزائر التي فاقت الـ 164 موقعًا، غير أن المعلومة صارت واحدة. في انتظار التأسيس للقوانين الناظمة لهذا القطاع الفتي.

بعيدًا عن الإمكانيات المتاحة وظروف هذه المؤسسات الجديدة يلفت الإعلامي سمير علاونة من الموقع الإلكتروني "الجزائر أنفو" (سبق له أن اشتغل في عدّة منابر إعلامية) أن "هناك استسلامًا للمصدر لصعوبة الوصول إلى المصادر ما أنتج "صحافة كسولة" تنشر الخبر كما نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.

وعطفًا على ذلك يعتقد الصحفي علاونة في تصريح لـ"الترا جزائر" يوجد هناك أي تطوير للمعلومات، أو "بالأحرى تقدم كما هي مادة خام، دون القيام بأي تطوير ودون أيّة إضاءة، من خبراء أو محللين مختصين في مجال موضوع المادة الإعلامية".

الصحفي سمير علاونة: الشفافية هي أهم معطى يؤهّل إلى ممارسة الحرية الإعلامية

في إطار متّصل نبّه المتحدث إلى الأدوار الحيوية التي يؤديها الإعلام، موضّحًا أن الشّفافية هي أهمّ معطى يؤهّل ممارسة الحرية الإعلامية، مشيرًا إلى أن الوسيلة الإعلامية تنهض بتسليط الضَّوء على أهمّ القضايا التي ينبغي للدّولة مُعالجتها وتُشارِك المواطنين في تقديم مقترحات للخيارات السياسية، وبذلك تعمّ الرّقابة والمساءلة للقائمين على المسؤوليات في شتّى الوظائف.