10-مايو-2022
جان دافيدز. دي هيم رسام

لكل قضية مرّت على جلسات المحاكم زوايا ظِلّ يصعُب على القضاء الجزائري أن يتعامل معها باللّين أو حتى بالبحث عن جواب لسؤال عن "نية" المتّهم، أحد هذه الزوايا هي الدّفاع من أجل حقوق اجتماعية توارثها البعض من خلال ممارسات يومية أصبحت مع مرور الوقت مصنّفة في خانة " العادات"، مثل الدفاع عن الضعفاء أو بعبارة أخرى التدخّل ضدّ الظّلم والحقرة.

كثيرون يدفعون الثّمن غاليًا إما بسبب تماثل المصالح مع مجموعتهم التي دافعوا عنها، أو بسبب تعارض مصالح المجموعة نفسها مع مجموعة أخرى أقوى

"كلّ يرى بعينه" كما قالت أستاذة القانون المحامية فريدة بن عبد الرحمن في حديث جمعنا بها، إذ يعترف القانون بالأدلة وبالملموس وبالشُّهود وبالأوراق والوثائق ولا يتعامل بــ "التدخّل ضدّ الحقرة أو رفع مظلمة".

وأضافت المتحدّثة أنه "صحيح هناك وازع اجتماعي تمّ برمجتنا عليه في محيط اجتماعي، وصحيحٌ أن هناك قيم أخلاقية ندافع عنها لكنّها في المقابل تتسبّب في دخول البعض السُّجون، حقيقة لا مفرّ منها".  

تطول محاكمة هؤلاء، بالفعل، وهي ما يسمى بالتعامل بـ "روح القانون" أو ما يمكن للمحامي أن يثبته لإنقاذ موكّله الذي كان ردّ فعله "رفع مظلمة" أو الدفاع عن ظلم وقع في الشّارع.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، وقفت محدّثتنا يومًا أمام جريمة قتل، راح ضحيتها ثلاثة أشخاص، واتهم فيها شخص أعتقد في البداية أنه بريء لأنه دافع عن جاره، بعدما تدخل لإنقاذه، لكن من سوء الحظّ فالقانون يتعامل مع الشهادات والشواهد أيضًا.

الأخلاق كلمة فضفاضة وواسعة وهلامية، إذ تتسرّب بين الأيدي مثلها مثل الرّمل لا يمكن إمساكها، هي مرتبطة بالقيم التي يعتقدها البعض، ويؤمن بالتعايش بها، في مقابل ذلك يختلف حولها البعض، كما لا يتفق عليها المجتمع حتى وإن كان في بيئة واحدة وفي حيّ واحد حتى.

الدفاع عن الظلم قيمة أخلاقية إيجابية لكنّها في الوقت نفسه، تُدخِل صاحبها دوامة الرّفض من محيطه حتى إن كان في العائلة، والحي والمدينة والمجتمع، وربما توصله حدّ السجن، كما سبق وأن أشرنا إليه.

لكن رغم ذلك، لا بدّ من النّظر في بعض المواقف الأخلاقية التي تنتج مظالِم لأصحابها رغم أنهم وقفوا مع المظلومين، -حسبهم-، وبشكل أوضح نقدم مثالًا بسيطًا عن ذلك: "أن تدافع عن زملاء المهنة أمام الإدارة، أمر جيد ينتشي له الزملاء ويفرحون بخطوتك، بل ويشجِّعونك على المواصلة، والمُضِيّ قُدُما في مواقفك، لكن في المقابل من ذلك فإن هذا التشجيع ليس معناه أنهم سيقفون معك ضدّ المسؤول الأول أو المدير في حالة ما تعرّضت لانتقاده ورفضه وتهديداته لصالح الكادر البشري الذي يشتغل معك".  

معادلة غير عادلة، أو بالأحرى هي صحيحة ظاهريًا، فمن يرضى بأن يتمّ الاستغناء عنه في العمل فقط ليدافع عن آخرين عندما يتعرّضون فيه للظلم؟ بالرغم من أن الكثيرين يفرحون بموقف بطولي يقفه أحد العمال لإنصاف زملائه في قضية ما، لكن في المقابل هذا لا يعني أن الحفاظ على الخيط الأخلاقي الرابط فيما بين الطرفين سيشتدّ عُوده بل بالعكس هم أوّل من يقطعوه عندما تتضارب مصلحتهم مع مواقفه "البطولية".

كثيرون يدفعون الثّمن غاليًا إما بسبب تماثل المصالح مع مجموعتهم التي دافعوا عنها، أو بسبب تعارض مصالح المجموعة نفسها مع مجموعة أخرى أقوى.

هذا في حالة الأفراد والجماعات الضيِّقة، أمّا في حالات الكيانات المدنية والسياسية وحتى الدول فدائمًا من يحافظ على الالتزام بالخطّ الأخلاقي والمبادئ يربح الدعم الأخلاقي أمام الزمرة أو الجناح الذي ينتمي إليه، ويفوز بالتقدير، لكنه سيخسر العوائد التي تُديرها تلك المصالح، وربما سينفضّ الكثيرون من حوله يومًا ما والتاريخ يعطي أمثلة على الكثير من هذه الحالات.

عندما يسلك البعض طريقهم بقيمهم الأخلاقية وينصرون قضية ما أو يقِفون حيالها موقِفًا أخلاقِيًا في صفّ جهة أو جانب "مظلُوم"، بالضرورة سينتصرون للقيمة الأخلاقية ولذواتهم، ولكن مع الوقت ينهزمون ذهنيًا لأنّ المظلومين-الضعفاء سينحازون لمصلحتهم إن اكتشفوا أنها مهدّدة، ولن يختاروا التّضحية إلى جانب من سبق أن دافع لأجل نصرة قضيتهم، خصوصًا إن انحصرت في لقمة العيش أو الرّزق.

عندما يسلك البعض طريقهم بقيمهم الأخلاقية وينصرون قضية ما أو يقِفون حيالها موقِفًا أخلاقِيًا في صفّ جهة أو جانب "مظلُوم"، بالضرورة سينتصرون للقيمة الأخلاقية ولذواتهم

 وكمثال على ذلك، قضية شي غيفارا الذي قُضِي عليه بسبب وشاية المزارعين الذين كان يدافع عنهم، لكن مصلحتهم الضيقة تضاربت مع مواقفه البطولية، فأبلغوا عنه ليتم بعد ذلك الإمساك به، لقد باعوه رغم أنه دافع عنهم بعد أن تعارضت مصلحتهم مع نضالاته لأجلهم.