09-أبريل-2021

الجزائر وقّعت مذكرة تفاههم مع موريتانيا (فيسبوك/الترا جزائر)

 

يعرف التعاون الجزائري الموريتاني في المدّة الأخيرة انتعاشًا غير مسبوق، حتى وإن كان بعيدًا عن الإمكانات المتاحة للبلدين لتطوير شراكتهما، غير أنّه قد يكون بداية لشراكة تعد بالكثير لمصلحة البلدين الجارين اللذين تواجههما تحدّيات داخلية وخارجية كثيرة سيصب التعاون الثنائي بين الطرفين في حلّها والتقليل من صعوبتهما، خاصّة الجزائر التي وضعت الشراكة الأفريقية ضمن أهدافها، حسب ما تقول الحكومة.

تأمل الجزائر وموريتانيا بأن تسهم هذه المذكرة في مضاعفة الجهود وتوحيد المواقف لمواجهة الأخطار المشتركة

ورغم عضويتهما المشتركة في عديد التنظيمات الإقليمية كالاتحاد المغاربي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي ومجموعة (5 + 5)، إلا أن التعاون بين البلدين الشقيقين ظلّ بعيدًا عما يجب أن يكون، غير أنّ السياسة الجديدة في الجزائر الباحثة عن أسواق إقليمية وقارية بعثت هذا التعاون في الفترة الأخيرة، وهو ما يُنبئ بتعاون  قد يكون مثمرًا للطرفين.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر توطّد علاقتها بموريتانيا

أحسن الفترات

 لم يبحث وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والموريتانيين في الخارج، إسماعيل ولد الشيخ أحمد كثيرًا في المصطلحات الدبلوماسية لوصف الحالة التي تعيشها العلاقات الجزائرية الموريتانية، عند تصريحه للصحافة عقب استقباله من طرف الرئيس عبد المجيد تبون، ليقول إنّ هذه العلاقات تمرّ بـ "أحسن الفترات".

 وسلم ولد الشيخ أحمد رسالة  للرئيس تبون من نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وأشاد ولد الشيخ أحمد بالتبادل الكبير الذي تشهده العلاقات الثنائية في المجالات الثقافية والتجارية والأمنية والتعليمية، منها التوقيع الخميس الماضي على مذكرة تفاهم لإنشاء اللجنة الثنائية الحدودية الجزائرية-الموريتانية بين وزيري داخلتي البلدين.

وثمّن ولد الشيخ أحمد دعم الجزائر لموريتانيا لمواجهة جائحة كورونا، بإرسال فريق طبي إلى نواكشوط  للمساعدة في التصدي للوباء.

وشهد البَلدان العام الماضي زيارات متوالية لمسؤولي الطرفين، خاصّة من الجانب الجزائري الذي افتتح عام 2020، بزيارة وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم إلى نواكشوط في 10 آذار/مارس، والذي عاد إلى هناك في حزيران/جوان الماضي، رفقة وفدٍ وزاري ضمّ وزراء المالية والتجارة والصحّة والمدير العام للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.

وركزت الجزائر في خطواتها على دعم علاقات التضامن مع موريتانيا، ففي تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي زار المدير العام للوكالة الجزائرية للتعاون من أجل التضمن والتنمية محمد شفيق مصباح نواكشوط، لترسل الجزائر بعدها في الرابع من يناير جانفي الماضي وفدًا طبيًّا يتكون من 17 طبيبًا وتقنيًا ساميًا، يقودهما وزير الصحة والوزير المكلف بإصلاح المستشفيات وخبراء من اللجنة العلمية لرصد ومتابعة كرورنا، إضافة إلى إرسال 20 طنًا من المساعدات والمستلزمات والأجهزة الطبية.

رهان الحدود

ولعلّ أهمّ خطوة نفذها البلدان هي توقيعهما الخميس الماضي بنواكشوط على مذكّرة تفاهم لإنشاء اللجنة الثنائية الحدودية الجزائرية-الموريتانية، والتي يُنتظر منها أن تساهم في ترقية المناطق الحدودية المشتركة، وتكثيف الحوار الدائم مع وضع آليات دائمة للتعاون والتشاور حول تنمية وتأمين هذه المناطق.

وبما أن البلدين يقعان في منطقة تجاورها الأخطر الأمنية من  كل جانب، تأمل الجزائر وموريتانيا بأن تسهم هذه المذكرة في مضاعفة الجهود وتوحيد المواقف لمواجهة الأخطار المشتركة، وحماية الحدود من الجرائم العابرة للأوطان، وتعزيز التعاون الثنائي المكرّس في الاتفاق الخاص بإنشاء لجنة مشتركة كبرى جزائرية موريتانية للتعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والتقني، والذي وقع سنة 1989 بنواكشوط، وبقي تنفيذه لسنوات دون الآمال التي علقت عليه بالنظر إلى انشغال كل بلد بمشاكله السياسية الداخلية، وغياب الإرادة الحقيقية في تطوير التعاون الثنائي.

وحسب ما صرح به مسؤولو البلدين، فإنّ هذه المذكرة ينتظر أن تفضي إلى إنشاء اللجنة الثنائية الحدودية التي تشمل مناطق اختصاص تتمثل في ولاية تيرس زمور الموريتانية وولاية تندوف الجزائرية.

وتضطلع اللجنة التي تجتمع مرّة واحدة في السنة بأحد البلدين، بمهام تعزيز فرص الاستثمار وإقامة مشاريع شراكة في القطاعات ذات الأولوية على مستوى المناطق الحدودية المشتركة وترقية وتكثيف التبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية والرياضية، وفكّ العزلة عن ساكنة المناطق الحدودية، وتنظيم وتسهيل تنقل الأشخاص والممتلكات وترقية التعاون الجمركي وتطوير المعبرين الحدوديين وتشجيع التعاون اللامركزي.

دون المأمول

تصدم أرقام التعاون الاقتصادي الموريتاني الجزائري الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تنويع الاقتصاد باستهداف الأسواق الأفريقية، فالتصدير نحو نواكشوط يظلّ محدودًا عند ملايين الدولارات فقط، رغم الفرص الكثيرة المتاحة سواءً جغرافيًا أو دبلوماسيًا.

ورغم أن الجزائر هي ثاني ممون أفريقي لموريتانيا، حيث تستأثر الجزائر بـ 20 بالمائة من حصة الواردات الموريتانية من السوق الأفريقية، إلا أن قيمتها المالية تبقى هزيلة، حيث لم  تتعدّ في أعلى معدل لها حاجز 53 مليون دولار، والذي كان عام 2017، وهو الرقم الذي انخفض في السنوات التي تلت ذلك.

ولكن ما قد يبعث على التفاؤل هو أنّ الحكومة تبدو مدركة لحقيقة التنافس الإقليمي، وواقع التعاون البلدين، لذلك تسير بخطوات تدريجية، ووضعت الوصول إلى تصدير ما قيمته 50 مليون دولار خلال هذا العام ضمن طموحاتها المعقولة، وذلك بالرغم من تسجيل ارتفاع لقيمة الصادرات إلى نواكشوط بـنسبة 100 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من 2020، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019 ، لكن هذا الارتفاع لم يزد في الحقيقة عن تسعة ملايين دولار.

وتأمل الجزائر بأن يُساهم دخول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية حيز التنفيذ بداية هذا العام، إضافة إلى التقدّم الذي سجل في إنجاز الطريق العابر العابر للصحراء  لذي سيدخل حيز الخدمة جوان المقبل وكذا ميناء الحمدانية بتيبازة التي تنوي إنجازه في أن يساهم في الرفع من حجم دخول المنتجات الجزائرية للسوق الإفريقية، وموريتانيا واحدة منها، حيث لا يزال المجال اليوم محصورا على سلع معينة كالمنتجات الغذائية الزراعية والمواد البلاستيكية والاسمنت ومواد التغليف والنظافة، في حين تطمح الجزائر إلى دخول سوق الأدوية الموريتاني إضافة إلى مجالات الاتصالات والطاقة وغيرها. 

ويعوّل البلدان على أن يسهم إنجاز الطريق الرابط بين تندوف والزويرات في دفع عجلة التبادل التجاري بشكل معتبر، لأن المركز الحدودي الشهيد مصطفى بن بولعيد رغم أهميّته يبقى لا يحقق الأهداف المسطرة.

إذا كان الطموح الذي تبنيه الجزائر على تعاونها مع موريتانيا مشروعًا إلا أن تحقيقه يبقى مرتبطًا بتحرير الاقتصاد الجزائري والتخلّص من الممارسات البيروقراطية

وإذا كان الطموح الذي تبنيه الجزائر على تعاونها مع موريتانيا وغيرها من الدول الأفريقية مشروعًا وممكنًا، بالنظر إلى موقعها الجغرافيا وعلاقاتها المتينة مع دول القارة السمراء، إلا أن تحقيقه يبقى مرتبطًا بتحرير الاقتصاد الجزائري والتخلّص من الممارسات البيروقراطية، التي تكبّل ولوج المنتوج الوطني إلى الأسواق الأجنبية، وكذا إرفاق هذه الخطوات بإجراءات تُنهي العادات البالية التي لازالت موجودة في البنوك الجزائرية، إضافة إلى ضرورة المصالح الاقتصادية عن الجوانب السياسية حتّى وإنّ كان تحقيق ذلك صعبًا، بما أن الدبلوماسية مبنية على البرغماتية وتحقيق المصلحة الوطنية مهما كان مجالها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المؤسسة العسكرية تفصل في مسألة مشاركة الجيش خارج الحدود

شنقريحة يدعم دسترة تدخل الجيش خارج الحدود