13-مايو-2023

صورة أرشيفية (Getty)

يطرح كثير من المؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعض الاقتراحات والأفكار في جني المال وتطوير المشاريع دون الحاجة إلى مواصلة الدراسة، ويستشهدون في كثير من الأحيان بتجاربهم الشخصية أو تجارب في محيطهم لإقناع متابعيهم.

تقول السيدة مريم إن ابنها بات يَستصغر مسار والديه التعليمي رغم اشتغالهما في السلك الطبي وحالهما ميسور، لكن ابنهما بات أكثر انشغالًا بالبحث عن فرص للبيع والشراء على الإنترنت

إلى هنا، أصبحت شريحة واسعة من التلاميذ في مختلف الأطوار تهتم بالبحث عن مصادر دخل جديدة انطلاقًا من محتويات عثروا عليها في السوشيل ميديا، وبات انفتاحهم واسعًا على خطط حياتية جديدة تشمل الترتيب لاستقلايتهم ماليًا إلى جانب مواصلة دراستهم.

في هذا السياق، يَعترف وليد وهو مسير مطعم واقع في الضاحية باب الزوار شرقي العاصمة، أنه تلقى طلبات توظيف كثيرة من طرف تلاميذ في الطور الثانوي، وقال في حديث لـ "التر جزائر"، إنه على عكس السنوات الماضية؛ كان الطالب الجامعي هو من يبحث عن فرص للشغل، وتحديدًا خلال العطلة الصيفية، بينما اليوم،  باتت شريحة من التلاميذ في الطور الثانوي يرغبون في العمل أيضًا.

وزاد المتحدّث، أن هؤلاء المراهقين يُفتّشون عن توقيت العمل خلال أيّام نهاية الأسبوع، أو في الفترة المسائية أي بعد الحصص الدراسية أو العمل بتوقيت جزئي.

يُشغّل وليد في مطعمه بعض الطلبة الجامعيين بالتوقيت الجزئي، ويتفهّم وضع هؤلاء الطلبة الجامعيين، نظرًا إلى وجود بعض أوقات الفراغ التي تسمح للطالب الجامعي بالعمل، من أجل تغطية المصاريف الدراسية أو الحاجيات الأساسية، لكن ما يثير قلق وانشغال مسيّر المطعم هو تزايد عدد تلاميذ الطور الثانوي والمراهقين في البحث عن الشغل في عزّ الموسم الدراسي بدل التركيز على الدراسة فقط.

الثقافة المالية وسط التلاميذ               

في ظلّ إدمان شرائح واسعة من التلاميذ على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّ تأثيرات جديدة بدت تُسهم في بناء تصوّرات مُستحدثة وتشكيل علاقات اجتماعية جديدة، وينعكس إدمان هؤلاء التلاميذ والمراهقين على منصّات السوشيل ميديا عن عدم الرضا بالمستوى المعيشي، وبالتالي البحث عن بدائل أخرى يكون مصدرها تلقّي محتويات من بعض المؤثّرين والمؤثرات، ينقلون تجاربهم وينشرون مواضيع حول الثقافة المالية.

في هذ الصدد، تشتكي السيدة مريم من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على تمدرس ابنها الذي يدرس بالسنة الأولى ثانوي، حيث قالت إنها اكتشفت أن ابنها يتابع محتوى يَنقل دورسًا في الثقافة المالية أو الوعي المالي، ويطرح المحتوى جملة من الاقتراحات حول كيفية جني المال وإدارته، ويَقترح طريقًا سهلًا وسريعًا لربح المال والغنى دون الحاجة إلى الدراسة أو إنهاء المسار التعليمي والأكاديمي.

وتقول السيدة إن ابنها بات يَستصغر مسار والديه التعليمي والتوظيفي، رغم أنها يشتغلان في السلك الطبي وميسوري الحال، وتضيف محدثة "التر جزائر" أن ولدها بات أكثر انشغالًا بالبحث رفقة زملاء له عن فرص البيع والشراء على الإنترنت، وفقد التركيز في المدرسة، وقد أخبرتها إدارة الثانوية عن تسجيل بعض غيابات ابنها.

تأثير خطير

من جهتها، تقول السيدة سارة، وهي مستشارة نفسانية على مستوى مدرسة تعليمية خاصّة، إنّها وقفت على تأثير محتوى وسائط الرقمنة على التلاميذ، وأشارت أن الانفتاح الرقمي بات يلعب دورًا كبيرًا في التأثير على التلاميذ، وتحديد أهدافهم وتَعيين ما هي أولوياتهم، بعيدا عن الطرق التقليدية والمتمثلة في المدرسة والمحيط العائلي.

وأضافت محدث "التر جزائر" أن رسالة ومضمون بعضمن يمارسون ما يمسي بـ "المؤثرين" الذين ينشطون على منصة تيك توك خصوصًا، يكرسون مفاهيم أن المسار التعليمي والوظيفي والحصول على الدراسات العليا، ليس نهجًا سليمًا من أجل الحصول على السعادة وتحقيق الثروة.

وقالت إن محتوى بعض الفيديوهات يرسخ في أذهان التلاميذ وعقول المراهقين، ويُثبت فكرة أن الحياة العملية التي تبدأ في السن المراهقة من أنجع السبل لنيل السعادة أو الحصول على الثروة.

تضيف المتحدثة أن ما يقوم به المؤثّر على مواقع التواصل الاجتماعي، ما هو إلا استنساخ لبعض الكتب المنتشرة حول الثقافة المالية أو المعرفة المالية، على غرار كتاب "الأب الغني والأب الفقير" و"أغنى رجل في بابل" و"عقل المليونير"، وكتابي "قواعد الثراء والمال"، و"إتقان اللعبةـ" وغيرها من الكتب الأكثر مبيعًا.

وأبرزت السيدة سارة أن ما يطرحه المؤثّرون في مجال التنمية المالية، هو من أجل الشهرة والاكتساب المادي، دون امتلاك الأهلية والكفاءة في التدريس. وزادت أن محتوى إدارة المال واكتسابه هو تخصص يستوجب مراعاة جملة من الشروط الأخلاقية ومراعاة البيئة الاجتماعية والنظم السياسية والاقتصادية، وليس تقديم كليشيهات أو نشر معلومات شملتها كتب مغلوطة تفتقد إلى المصداقية والشفافية.

وتابعت أنها بحكم استشراف الظاهرة ودق ناقوس الخطر، اطلعت وتدارست بعض الكتب الأكثر مبيعًا وتابعت بعض المحتويات الرقمية حول تنمية الثقافة المالية، ووقفت على العديد من الإرشادات المضلّلة والتوجيهات الخاطئة والتصوّرات البعيدة عن الواقع والحقيقة.

حصص تدريبية بأموال كبيرة

والملاحظ أن بعض المؤثّرين وبعد تحقيق الشهرة، يدعون المتتبعين إلى الاشتراك والانضمام إلى حصص تدريبية قصد الحصول على المزيد من الدروس المهنية والتدريبية سواءً كانت دروسًا افتراضية أو حصصًا تعليمية مباشرة، على غرار كيف تفتح صفحة فيسبوك؟ إنشاء مواقع تجارة إلكترونية، تعلم طرق التسويق والإعلان، كيف تزيد أرباحك؟ وغيرها من المحتويات.

 وتختلف التكلفة المالية من 80 ألف دينار جزائري إلى 100 ألف دينار جزائري للدورة الواحدة، تُدَرَسُ فيها تقنيات التجارة الإلكترونية، بينما تلك الدورات تقدّم مجانًا على بعض المواقع أو متوفرة على الكتب الإلكترونية، والكثير ممن شارك في تلك الدورات أقرّ أنها حصصٌ ذات مضمونٍ سطحيّ وفارغ التأثير والمحتوى ويحتوي دروسًا مكرّرة، بينما الخطر الحقيقي هو التأثير في المراهقين والتلاميذ في الصف الابتدائي والثانوي ممن لا يستوعبون مستويات الخطاب ويسارعون في تجاوز المحطات والعتبات، وتكون النتيجة الخلط في الأولويات وتحديد الأهداف.

بات بمقدور كل شخصٍ القيام بتأطير وتوجيه التلاميذ والمراهقين والرأي العام دون القدرة على فهم مستويات التمييز والتأثير السلبي لبعض المحتويات
 

على العموم، ومع التطوّر التكنولوجي، بات بمقدور كل شخصٍ القيام بتأطير وتوجيه التلاميذ والمراهقين والرأي العام دون القدرة على فهم مستويات التمييز والتأثير السلبي لبعض المحتويات، وهو ما يُعتبر تجاوزًا للضوابط الأخلاقية والعلمية والتوعوية.