انتعشت في السنوات الأخيرة في الجزائر الرحلات السياحية نحو الحمّامات المعدنية بعدما قلت في العقود الثلاثة الماضية جراء الوضع الأمني الذي عاشته الجزائر في التسعينات، بالنظر إلى أن أغلب هذه الحمّامات تقع خارج المدن، وهو ما جعل الإعلانات التي تنشرها وكالات الأسفار على مواقع التواصل الاجتماعي عديدة، لتسلط الضوء بذلك على أحد القطاعات الاقتصادية غير المستغلة في الجزائر، والتي تحتاج اليوم إلى مزيد من الاهتمام، وبالخصوص بعد زيادة الطلب على زيارة هذه الحمّامات.
مع محاولة الحكومة تطوير قطاع السياحة وجعل البلاد وجهة لأكثر من 10 ملايين سائح بحلول عام 2023، أصبح تنويع المنتوج السياحي الجزائري ضرورة لابد منها
ومع محاولة الحكومة تطوير قطاع السياحة وجعل البلاد وجهة لأكثر من 10 ملايين سائح بحلول عام 2023، أصبح تنويع المنتوج السياحي الجزائري ضرورة لابد منها، والتي من بينها السياحة الحموية التي جعلت عدة بلدان تركز عليها وتجعلها ضمن باقتها السياحية المعروضة للزوار من الداخل والخارج.
إمكانات كبيرة
لا تتوفر إحصاءات دقيقة لعدد الحمامات المعدنية في الجزائر، بالنظر إلى أن بعضها معروف على نطاق ضيق في بعض القرى والمداشر، فيما يبقى البعض الآخر ربما غير مستغل أو معروف في بلد بحجم قارة، إلا أن أخر تصريح رسمي صادر عن مدير الحمامات المعدنية والنشاطات الحموية بوزارة السياحة والصناعة التقليدية، محمد كريم شيخي أشار إلى وجود إستراتيجية وطنية للتكفل بـ 1880 منبعاً حيوياً، بغرض إبراز "المؤهلات التي تحوزها الجزائر والتي يمكن أن تجعل منها وجهة سياحية علاجية بامتياز".
ويعني هذا أن عدد المنابع الحموية التي ستشملها الاستراتيجية الحكومية يبلغ لوحده 1880، ما يدل أن العدد الموجود بالجزائر أكثر من هذا الرقم.
غير أن المعلومات المنشورة على موقع وزارة السياحة بعيدة كل البعد عن هذا الرقم، حيث تشير إلى أن دراسة تحيين الحصيلة الحموية المنجزة سنة 2015، عبر كل التراب الوطني، بينت وجود 282 منبع حموي على شكل منابع طبيعية أو أنقاب، وهو ما يستدعي ضرورة القيام بدراسة إحصائية دقيقة لضبط الإمكانات الحقيقية للجزائر في هذا المجال.
تزايد الإقبال
عبر مجموعة " لمتنا في تحويستنا" في فيسبوك، التي يتم فيها تنظيم رحلات سياحية خارج الوكالات السياحية، بدأ الناشطون في هذا المجال في تنظيم رحلات إلى الأماكن الحموية مثل حمام ملوان بالبليدة وحمام قرقور بالبليدة، وذلك قبل بدء موسم الذروة لهذا النوع من السياحة الذي ينطلق نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر إلى نهاية آذار مارس، وفق ما قاله مدير وكالة أوسكار للسياحة والأسفار وسيم آيت قاسي لـ"الترا جزائر".
وأشار وسيم إلى أن السياحة الحموية بدأت تعرف إقبالا كبيرا في السنوات التي جاءت بعد فترة جائحة كورونا التي ساهمت في توجه الجزائريين إلى السياحة الداخلية، وأعادوا خلالها اكتشاف بلادهم، ومنها الحمامات المعدنية.
وأشار آيت قاسي إلى أن وكالاته تنظم عديد الرحلات في هذا المجال، منها تلك التي نظمتها العام الماضي إلى حمام ريغة بعين الدفلى، وبأسعار تنافسية تتراوح بين 3 إلى 5 ألاف دينار، تتضمن النقل والمبيت وخدمات أخرى، والتي تخص ليلة واحدة للرحلات القريبة، ولثلاثة أيام للولايات البعيدة كالشرقية أو الغربية أو الجنوبية.
وبين صاحب وكالة أوسكار أن السياحة الحموية يقبل عليها أكثر العائلات بهدف العلاج أحياني، وكذا من يتعدى عمرهم 35 أو 40 سنة، خاصة لما تكون هذه المراكز الحموية المعدنية تتوفر على مختصين وأطباء، وهو جانب صارت تركز عليه هذه المراكز في السنوات الأخيرة مقارنة بالسابق عندما كانت أغلب الحمامات غير مستغلة ومتروكة على حالتها الطبيعية بلا تهيئة مراكز خدمات من فنادق ومطاعم.
مضاعفة الجهد
لا ينكر وسيم أن الاستثمار في الحمامات المعدنية من قبل من يسيرونها قد ازداد في الفترة الأخيرة، مشيرا على سبيل المثال إلى أن المستثمر الذي يستغل حمام ريغة قد باشر أشغال توسعة تتعلق ببناء فندق هذه السنة، وهو ما لم يكن في السنة التي سبقتها، إلا أنه لاحظ في الوقت ذاته أن هذه الاستثمارات ما تزال محتشمة في مناطق أخرى بالرغم من الإمكانات التي تتوفر عليها الجزائر في هذا المجال.
وحسب وزارة السياحة، فإن الاستثمار في المجال الحموي يتطلب الحصول على امتياز استعمال واستغلال المياه الحموية أو مياه البجر (لفائدة مراكز المعالجة بمياه البحر)، والذي يخضع لأحكام المرسوم التنفيذي 69-07، المؤرخ في 19 فيفري 2007، المعدل والمتمم بالمرسوم التنفيذي 19-150 المؤرخ في 29 ابريل 2019، المحدد لشروط وكيفيات الحصول على حق امتياز استعمال واستغلال المياه الحموية.
ويتم إيداع ملف طلب حق الامتياز، على مستوى مديرية السياحة والصناعة التقليدية للولاية المعنية، بعد موافقة الوالي المسؤول إقليميا، يدرس هذا الملف من قبل اللجنة التقنية للمياه الحموية، والتي في حالة موافقتها يتم منح حق الامتياز عن طريق قرار يسلم من طرف الوالي المسؤول إقليميا.
ويكون قرار منح حق الامتياز مرفقا بدفتر الشروط المحدد لجميع الحقوق والواجبات المتعلقة بالنشاط الحموي والتي يلتزم صاحب الامتياز بالعمل بها.
وقال مدير الحمامات المعدنية والنشاطات الحموية بوزارة السياحة والصناعة التقليدية، محمد كريم شيخي إنه قد تم "وضع استراتيجية وطنية تسمح بالتكفل الجيد بالمنابع الحموية ودعم الاستثمار في هذا المجال"، الذي يبقى "محلّ اهتمام الكثير من المواطنين من مختلف الأعمار".
لا أحد ينكر أهمية السياحة الحموية في تنوع الخدمات السياحية ومساهمتها في مداخيل البلاد في عدة دول كتركيا على سبيل المثال، إلا أن الاستفادة من هذه الثروة المهدورة في الجزائر يتطلب اليوم الجدية في تنفيذ مخطط تطوير السياحة الحموية واقعيا وعدم بقائه حبرا على ورق يتم ترديد مضامينه في الملتقيات فقط بدون أن يجسد ميدانيا.