27-ديسمبر-2023
1

(الصورة: فيسبوك)

منذ سنوات لم ير الجزائريون سياحًا أجانب يتوافدون على البلاد، عبر الرحلات المنظمة،والزيارات الحرة،والدراجات النارية، مثلما عاينوه خلال العام 2023، الذي شكل استثناء بُعثت فيه السياحة النائمة من بياتها الشتوي الممتد على مدار ثلاثة عقود.

صحيح أن المداخيل التي يوفرها هذا "العصب الحضاري" لخزائن البلاد من العملة الصعبة ليست كبيرة في الوقت الراهن لكنها مرشحة للتعاظم كما كرة الثلج،

 صحيح أن المداخيل التي يوفرها هذا "العصب الحضاري" لخزائن البلاد من العملة الصعبة ليست كبيرة في الوقت الراهن، لكنها مرشحة للتعاظم كما كرة الثلج، قياسًا بما تجنيه وجهات تقليدية وناشئة، من مداخيل سنوية تفوق عائدات البلاد النفطية، ولا عجب، إذا ما علمنا أن عدد السياح الدائمين في العالم بلغ 960 مليون سائح، نهاية العام 2022، بعد أن كان 1.4مليار سائح، قبل جائحة كورونا.أما المدخول العام من صناعة السياحة عبر العالم فهو رقم خيالي يفوق الألف مليار دولار سنويا.

ارتفاع بمليون سائح أجنبي في عام

خلال ندوة صحفية، شهر آب/أوت المنصرم، كشف مختار ديدوش وزير السياحة والصناعات التقليدية، عن نمو محسوس في عدد السياح الأجانبالذين زاروا البلاد في الفترة الممتدة بين شهري كانون الثاني/جانفي وآب/أوت 2023، والذي ارتقى إلى 1.6 مليون سائح، فيما فصّل الوزير الأول السابق أيمن عبد الرحمان، الموضوع، غداة إشرافه على افتتاح الصالون الدولي للسياحة، شهر أيلول/سبتمبر الفارط، بإعلانه عن نقلية نوعية في القطاع، قدرت كما صرح " بزيادة مليون سائح أجنبي سنة 2023، بعدما أستقر العام 2022 في حدود 600.000 سائح أجنبي فقط"

 وصحيح أن جزءً من هؤلاء الأجانب هم جزائريون يقيمون في الخارج أو من ذوي الجنسية المزدوجة،غير أن ذلك لا يبدو معيبا، باعتبار أن المواطنين بالخارج والعائدين لقضاء عطلهم بالبلد الأم هو مؤشر حسابي معتمد من منظمة السياحة العالمية.

صورة برّاقة في سوق عذراء

انطوى الرقم الوزاري على نسبة كبيرة لأجانب من جنسيات أوروبية وأسيوية وأميركية، اكتشفوا البلد القارة جرّاء وسائل دعائية طارئة هي الوثائقيات التلفزيونية الكبرى مثل " الجزائر من عل" للمخرج الفرنسي يان أرتوس برترتران،أو الكليبات المصورة مثل الذي أنتجه الديجي سنايك بمسمى" ديسكو مغرب"،أو من خلال محتويات مؤثرين أوروبيين مثل بان نيكو، وجزائريين مشاهير كخبيب كواس.

في هذا الصدد أكد صالح المخدوم، نائب رئيس الاتحاد العربي للسياحة خلال جولة استكشافية للجزائر شهر أيار/ماي المنصرم، بأن دور صانعي المحتوى الرقمي الجزائريين عبر الإنستغرام، وفيسبوك، وتيك توك، كان عاملا حاسما لتبيان الصورة السياحية المعتمة لعملاق سياحي نائم.

وطبيعي أن تخلق تلك الصورة الطارئة سوقا جديدة بميلاد الطلبات المتزايدة من جنسيات أجنبية من أجل التعرف على بلد يملك كل مقومات الإقلاع، مع ما يفرضه ذلك من إجراءات إدارية معقدة للحصول على واحدة من أصعب التأشيرات في العالم،وكان مسار المحاربين الشاق للحصول على "صك الدخول" يدفع بالآلاف من الأجانب الراغبين في زيارة البلاد إلى رمي المنشفة في منتصف الطريق، وتبديل الوجهة نحو بلدان مجاورة لا تفرض التأشيرة أصلا على الرعايا الأوروبيين، ولا تفرض مبدأ المعاملة بالمثل في تقاليدها الدبلوماسية.

قرارات تبون لإصلاح القطاع المغبون

لأسباب تتعلق بالرؤية الاستراتيجية الخاصةالتي تبنتها السلطات الجزائرية لمرحلة ما بعد 2019، وأقرتها استراتيجية السياحة لأفاق 2030،قرر الرئيس عبد المجيد تبون، إحداث ثورة في مجال التأشيرات، بناء على تقارير شخصّت المصاعب التي تؤرق كاهل السياح الأجانب الراغبين في زيارة البلد، من جهة، واستجابة لمشروعه الخاص بتقديم واجهة أمامية برّاقة عن مشروعه الجزائر الجديدة، ذلك أن السياحة هي أكثر المنتجات تعبيرا عن إشعاع البلد وقوته الناعمة الجالبة لاستثمارات في قطاعات أخرى، كما لو أنها القاطرة الأمامية التي تجر عربات التنمية.

نصت الإجراءات الجديدة المسماة " تأشيرة التسوية"، التي أعلنت عنها وزارة الداخلية والجماعات المحلية، نهاية ديسمبر 2022، على إعفاء السياح الأجانب الراغبين في زيارة الصحراء الجزائرية من إيداع ملفات الحصول على التأشيرة العادية على مستوى التمثيليات القنصلية و السفارات الجزائرية، فاعتمدت صيغة التأشيرة الإلكترونية المسلمة في مطارات الوصول، وشمل القرار 24 ولاية جزائرية جنوبية، صار بإمكان الوافدين إليها تسلم تلك التأشيرات لحظة النزول شريطة التسجيل في قوائم وكالات سياحية جزائرية معتمدة بالتنسيق المسبق مع نظيراتها الأجنبية.

الفيزا: من جدار صد إلى جسر عبور

شرع في تطبيق القرار كبروفة أولية حينما أعيد فتح الخط الجوي المباشر بين مطار شارل ديغول،وجانت، في رحلة فتحت الباب لعودة السياح الفرنسيين، الذين كانوا توطئةلتوافد قوافل أخرى، بعد انقطاع دام اثنتي عشرة سنة، بسبب حادثة اغتيال المغامر الفرنسي هيرفي غوردال بمنطقة القبائل الكبرى على يد جماعة إرهابية.

السياحة هي أكثر المنتجات تعبيرا عن إشعاع البلد وقوته الناعمة الجالبة لاستثمارات في قطاعات أخرى، كما لو أنها القاطرة الأمامية التي تجر عربات التنمية

يقول عبد الوهاب بولفخاذ رئيس الفدرالية الوطنية للفنادق، لالترا الجزائر: " ساهمت التسهيلات التي أقرتها السلطات الجزائرية في رفع حجر العثرة الذي أعاق حذاء السياحة الجزائرية لسنوات طوال، عبر تمكينهم من التأشيرات بطريقة سلسة،والنتيجة المباشرة هي عودة آلاف السياح الجائلين عبر الجنوب الجزائري الكبير من تمنراست إلى غرداية وعين صالح وتاغيت وتيميمون وبسكرة و وادي سوف.

هناك بوادر طيبة للغاية خاصة وأن البلاد تنعم بالأمن والاستقرار وتتوفر على مقومات أثرية وطبيعية متنوعة، ناهيك على أن حظيرة الفنادق الوطنية باتت الآن تحصي 1600 فندقا، تتوفر فيها تلك المنجزة منذ العام 2010 على المعايير الدولية التي رعتها السلطات الجزائرية في دفاتر الشروط، وكل تلك المؤسسات أضحت توفر 140 ألف سرير".

 

 

أما المدير العام لوكالة تيمقاد للسياحة، شريف منّصر نائب رئيس نقابة الوكالات السياحية بالجزائر، فيوضح لـ "الترا جزائر" أن "الإجراءات الإضافية التي بادرت إليها السلطات بتمكين السياح الأجانب من تأشيرات الدخول من كافة المطارات الدولية الجزائرية دون اشتراط نزولهم في مطارات الولايات الجنوبية، المعنية بفيزا التسوية، ساهم أيضا في رفع الأعداد، ومكن السياح من اكتشاف ولايات ومناطق أخرى".

عدد زوّار الطاسيلي ناجر يقفز إلى الضعف

ساعد، هذا، على فتح مسارات سياحية جديدة، فالسائحون النازلون بمطار قسنطينة الدولي، يكتشفون جسور المدينة، وفي الطريق إلى بسكرة، قد يعرجون على المدن الأثرية لتيمقاد وربما جميلة ثم شرفات غوفي، وهذا تحديدا ما يولد دينامكية جديدة، ويخلق رغبات سياحية جديدة، أو ما يعرف في القاموس بـ " الباركور" السياحي.

خلف الإجراء المرن الذي يشبه أثر الفراشة الذي يخلف نتائج كبيرة رغم حركيته الطفيفة، حصائل باهرة، فمنطقة جانت لوحدها سجلت قبل سبتمبر الفارط توافد 5335 سائحا أجنبيا من 37 جنسية أجنبية، مقارنة بـ 3200 سائحا من 34 دولة خلال سنة 2022، ما يشكل نموا قارب نسبة 60%، حسب إحصائيات قدمها موقع "فوياجي ديزاد"، نقلا عن مصادر رسمية بمديرية السياحة بجانت، وذلك النمو الصرف تكرر أيضا في مناطق تمنراست وتيميمون وتاغيت والزيبان، و كافة الأقاليم الجنوبية، و حتى تخوم الأوراس الكبير.

وتبقى الصحراء المقصد الأساس للأجانب، وحتى لدى بعض العرب، الذين يفضل أغلبهم مدن الشمال.

وبخصوص السياح العرب، ثمة فرص كبيرة لاستقطابهم حسبما يرافع من أجله، الدكتور سلطان بن خميس اليحيائي،رئيس الاتحاد العربي للإعلام السياحي في مختلف جولاته بالجزائر تدعيما للاستثمار واستقطاب السياح.

وأشار اليحيائي إلى أنه "في الجزائر طبيعة نادرة ومتنوعة يمكن أن تكون بديلا للسياح العرب بدل التوجه إلى أوروبا، فهناك شواطئ وجبال وغابات وثلوج، ومدن ذات معمار أوروبي ومناخ معتدل وبيئة ثقافية قريبة، كما أن الدراسات تشير إلى أن السائح العربي والسعودي، مثلا، ينفق زائد 12 باوند يوميا عن نظيره الأوروبي".

قوافل متعددة الجنسيات تغزو المدن الرومانية

مشهد قوافل السياح المتوجهين شمالا نحو الجنوب صار أمرا مألوفا، فما من يوم يمر إلاّ وتصادفك حافلات عابرة، بمنطقة القبائل أو الغرب أو الجنوبين الشرقي والغربي، ما أعاد الحياة، أيضا، للسياحة الأثرية التي يمكن أن تكون رافدا مهما باعتبار أن الجزائر هي ثاني بلد حائزللمدن الرومانية بعد إيطاليا، فهناك سلة متنوعة من الحظائر الأثرية من تيبازة شمالا حتى جميلة " كويكول" بسطيف وتيديس بقسنطينة، وديانا ولامبيز و تيمقاد بباتنة، و مادور وخميسا بسوق أهراس، يمكنها أن تصير وجهة ذات إغراء إضافي.

بحسب إحصائيات رسمية فقد زار 1700 سائح أجنبي من فرنسا وإيطاليا وبولونيا واليونان والصين وبولندا وروسيا.

و سويسرا و اليابان و دول أوروبا الشرقية الموقع الأثري بتيمقاد خلال الأشهر الماضية، وهو ما كان مفقودا ثم نادرا فملحوظا خلال سنة 2023 قياسا بالسنوات الفارطة.

 يقول شفيق بوغرارة مدير الموقع الأثري و متحف تيمقاد وديانا وطبنة و إمدغاسن، في حديث لـ "الترا جزائر : " حظينا بزيارة قرابة 1700 سائح أجنبي منذ بداية العام حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو رقم مرشح للارتفاع إلى حدود 2000 أو أكثر مع اقتراب نهاية كانون الأول/ديسمبر واحتفالات رأس السنة، لأن أغلب هؤلاء يعبرون إلى الجنوب.

هذا الرقم يكاد يبلغ ثلاثة أضعاف الرقم المحصل العام الفارط المتوقف في حدود 700 سائح. أما إذا قارننا العددبما كنّا نسجله قبل أعوام من الآن فهو مهول وضخم حيث لم يكن يتعدى، آنذاك، 250 نفرا سنويا. بلا ريب جاءت سياسة تسهيل التأشيرات بحصاد وافر".

وأما الدلالة النهائية على التطور الهائل في ظرف وجيز، فهي توافد سياح من أميركا اللاتينية، فتجوال عدد من الزوار القادمين من دول بعيدة وغير تقليدية، ومن جنسيات غير مألوفة، مثل المكسيك والبرازيل والبارغواي والهندوراس والبارغواي والشيلي، يبعث على أمل كبير في أن يكون عام 2023 قاعدة التأسيس الحقيقية لهذه الصناعة، فالخروج النهائي من مأزق " بلد سياحي بلا سياح"، ثم تحول المنتج السياحي إلى مضخة مالية في اقتصاد جزائري ظل أعرجًا غارقا في لعنة برميل النفط، ومطاردا لسياسة تنويع الصادرات، التي تراهن السلطات على رفعها إلى حدود11 مليار دولار خارج المحروقات نهاية هذا العام.