21-فبراير-2024
سجن في الجزائر

سجن في الجزائر (الصورة: الخبر)

بعد تسع سنوات قضاها وراء أسوار السجن، تغيّر كلّ شيء، يقول (محمد. ن. 37 سنة)، لـ "الترا جزائر" إن الحكم عليه عقب ارتكابه لجريمة نصب واحتيالعلّمه الكثير، "في السجن جلاّد وضحية"، وفي السجن قصص قد تكون بدايتها بجرّة "غلطة صغيرة" ونهايتها تُكلِّف العمر كلّه وربما تكلّف حياة عائلة كاملة.

قبل الإفراج عليهم وعودتهم مجددا لحضن المجتمع تتم عملية تأهيل المساجين نفسيا ومهنيا داخل السجون

في السّجن مجرمون بأفعالهم، ولكن هل نحكم عليهم بالموت؟ أم أن هناك هوامش يمكن فيها اللعب على وتر إنساني لأن نهاة السجن تعني العودة للحياة وللمجتمع وللعائلة؟

لا يوجد ردّ جاهز ولا يوجد جواب يوفي حقّ هذا السؤال إلا عند قاضي المحكمة، فهو الذي يُصدر هذا القرار.. "الحُكم بالموت، الموت البطيء"، ترد المحامية: في النهاية كل شيء توقّف قبل 2015 وانتهى هنا في هذه الدقائق.. ستخرُج للحياة مجدّدا.

هي نصف خطوة، أو ربع خطوة فقط، بل تمثّل لـ"محمد" القليل مما تبقّى له لمواجهة العالم كله، وخاصة الزوجة والأبناء والعائلة والجيران والأصدقاء السابقون.

من حياة إلى أخرى

قبل الإفراج عليهم وعودتهم مجددا لحضن المجتمع، عملية تأهيل المساجين نفسيا ومهنيا داخل السجون، تمثّل لدى البعض نصف الخطوة لتلك العودة غير المحسوبة العواقب، ففي الغالب هناك أسئلة تتعلق بها وهي: كيف سيستقبِلهم المجتمع؟ وكيف ستكون عملية الانتقال من السجن إلى عالم مفتوح من عائلة وشارع وبيئة ومهنة؟ وهل يتمكن من تقبّل الواقع الجديد والتكيّف معه ثم التعايش مع متغيّرات الحياة الجديدة؟.

هذه الأسئلة وكثر سواها أثارتها قضية عودة بعض السجناء السابقين إلى عالم الانحراف، فبكل بساطة هناك مبرّر  جوهري يتصل أساسا بعدم تأقلمهم مع البيئة الجديدة، واختيار الانحياز لفعل إجرامي قد يعيده للسّجن مرة أخرى، إذ يصفها المهتمون بالشأن القانوني بـ"العملية الميكانيكية" التي تغيب لدى الكثير من الحالات والوضعيات، لكن من الصعب أن يتحلّى السجين السابق بروح العودة إلى جادّة الصواب والمجتمع بنفس مقبِلة على الحياة والتعايش من جديد مع مجتمعه الصّغير والكبير أيضا.

خطوة الاندماج تبدأ وراء القضبان

تعمل العديد من المؤسسات العقابية على تنفيذ "الإصلاح" للمسجونين، حتى يتمكن المساجين من التفاعل مع بيئاتهم الجديدة فور خروجهم من السجن، خاصة وأن الحياة اليومية تزداد تعقيدا، كما تقول الباحثة في علم النفس السلوكي صفية بن خيرة لـ "الترا جزائر"، فمن بين العمليات الإصلاحية ما يسمى بـ"عملية الدّمج"، أو تمكين السجناء قبل انتهاء فترة محكوميتهم من توقّع أي حقيقة بهدف تخطي أزمة الإفراج والتعايش مع المجتمع.

وتمر هذه العملية حسب الأستاذة بن خيرةعبر "توفير مختلف المساعدات والتسهيلات لمساعدة المفرج عنهم من أجل التفاعل الآمن والتعايش المرِن داخل المجتمع".

ومن خلال ظروف المسجونين فإن المشاركة في بعض الأنشطة المهنية، يساعدهم على الاندماج في المجتمع بمجرد خروجهم من المؤسسة العقابية، لأنها تحولهم من أشخاص سلبيين غير مشاركين إلى أشخاص متعايشين ومشاركين في دائرة المجتمع، خصوصا إن تمكنوا من الحصول على فرصة عمل تضمن لهم الكرامة الاجتماعية.

عامل الثقة مهم جدا في تمكين السجناء من الاندماج، إذ يحتاجون إلى تنمية هذا الحسّ في مقابل تنمية الشعور بقيمة الحياة وتهيئتهم لتقبّل الظروف الاجتماعية.

كل هذا لا يأتي عبثا، إذ يؤكد الأخصائي الاجتماعي عبد العالي بودهان على أهمية المشاركة في الأنشطة الاجتماعية كخطوة ثانية عقب الخروج من الحبس، إذ ستتغير نظرة المفرج عنه لنفسه وذاته من السلبي إلى الإيجابي، وبدورهم سيُغيّر أفراد المجتمع نظرتهم تجاهه إلى الأفضل، وكلّ ذلك يتم عبر خاصية البرامج التدريبية المهنية لفائدة المسجونين التي تستهدف مساعدتهم حتى تمكينهم من إعادة الإدماج.

ومن أجل تحسين الكفاءة المهنية، يشير بودهان في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى ضرورة الاهتمام بتقديم العديد من البرامج التأهيلية والأنشطة داخل السجن، واستفادة المساجين منها في أطر إدارية واضحة.

مفتاح البداية

اللافت أن تنمية المهارات التي اكتسبها المساجين في المؤسسة العقابية، هي التي تساعدهم للالتحاق بالمِهن التي تنسجم مع إمكاناتهم وأداءهم المكتسب، فضلا عن تمكين الأسرة في استيعاب الدور الجديد للمفرج عنه في تأديته لمسؤولياته الأسرية بعد الإفراج.

ولعلّ الأسرة هي المفتاح الأول للمفرج عنهم، إذ تتخبط بعض العائلات الجزائرية بوصمها بـ"عار المسجون"، لذلك يرى المختصون بأن الأسرة هي أول خطوة في إدماج المسجون مجددا في المجتمع ومساعدته على تلقي الرعاية الاجتماعية اللازمة لانخراطه في أنشطة المجتمع، بل هناك العديد من المساجين تمكّنوا من إعادة حياتهم مجددا بطرق أفضل وأحسن وانخراطهم في الحياة بصيغة مختلفة تماما لما قبل السجن.

بعد اكتساب مهارات داخل السجن، هناك عدة مسؤوليات يضطلع بها المجتمع من أجل تنفيذ مخطط إدماج المساجين، وهي فرصة سانحة للبعض، ومن ثم إشراكهم في بناء حياة اجتماعية واقتصادية والاستفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم والانخراط في المجتمع.

ويدعو المختصون في الجزائر، إلى الاهتمام بانضمام المساجين إلى مراكز التدريب المهني والحِرفي الخاص بالمفرج عنهم من السّجون، وذلك باستفادتهم من التدريب ومباشرة العمل لإعالة عائلاتهم، وهذا لحمايتهم من الرجوع مرة أخرى للانحراف، أو العزلة التامة والدخول في وضع نفسي ومرضي صعب.

في ضوء ما سبق، تخفّ وصمة "عار المسجون" وتتلاشى تدريجيا، إذ تسمح فُرصة التكوين المهني من افتكاك هذه الفئة التقبّل الاجتماعي والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين، وهي السبيل لاندماجهم اجتماعيا بدءا من حضن الأسرة إلى البيئة المحيطة، ويحصلون على حظّ نيل الاندماج المهني والوظيفي، في الوقت ذاته.