01-أكتوبر-2022

أمام مستشفى بوفاريك، ولاية البلدية (بلال بن سالم /Getty)

قبل سنة من الآن، صدحت أصوات المرشّحين للانتخابات التّشريعية ببرامج لتحسين الخدمات الصحيّة، إذ تناولت أغلب الأحزاب وقوائم المرشّحين الأحرار في مخطّطات برامجها موضوع تحسين الصحة في الجزائر وأهمية إنشاء المستشفيات التي تستجيب للمطالب السكانية، فضلًا عن مخططات لإصلاح المنظومة الصحية ومقترحات تنسيق بين القطاع العمومي والخاص، لكن يبقى قطاع الصحة يراوح مكانه رغم وجود محاولات ترمي إلى تخفيف أعباء العلاج على المواطن.

يشتكي كثير من المواطنين من خدمات متردية في مختلف المؤسّسات الصحية في الجزائر رغم الميزانيات المخصصة للقطاع

قد تبدو عملية محاسبة المرشّحين الذين فازوا بمقاعد في البرلمان عن تلك الخطط إزاء الصحة في الجزائر وبرامجهم للنهوض بها، في الوقت الحالي، إذ يعتبرها البعض ضربًا من ضروب التّيه والبحث عن إبرة في قشّ، خاصّة وأن المنظومة الصحة في البلاد، كثيرًا ما تقدمت من حيث الشكل والهياكل لكن مراعاة خدمات الرعاية الصحية ووضعها في مصاف الأولوية الشّاملة للمواطن بشقيها الوقائي والعلاجي من ناحية مختلف التخصّصات المتوفرة، ما زالت منقوصة.

على الورق، كانت برامج المسؤولين تنحصر في مشاريع أو بالأحرى بناء الهياكل من جهة، ووعود قدّمت للمواطنين في مجال الصحة والمستشفيات وقاعات العلاج عبر مختلف ولايات الوطن، أهمها اقتراح تبني استراتيجية وإنشاء مستشفيات جديدة ومستوصفات بالمناطق النائية.

كثيرًا ما يتكلم المسؤولون عن "مجانية العلاج"، دون الحديث عن "مجانية الصحة"، كما ذكر الدكتور المختص في طب العظام بمستشفى بن عكنون بالعاصمة الجزائرية عبد المالك آيت عثمان، إلى أن المعضلة الكبيرة في الجزائر فيما تعلق بقطاع الصحة هي "العلاج دون الصحة"، ولعلّ من المبررات التي يتحدث عنها تتعلق أساس أنّ شعر الوقاية خير من العلاج، بات شعارًا أجوفًا وغير مجدي، حدّ تحليله.

وبطرحه هذه الزاوية، أَضاف الدكتور آيت عثمان في حديث لـ" الترا جزائر"، أنه ببساطة "المستشفى هو منظمة شأنها شأن المنظمات الأخرى، تعتبر سلسلة من الخدمات وتتشكل من حلقات متشابكة، ومتكاملة، غير أنه في الجزائر باتت هذه الحلقات متباعدة أو مفقودة في بعض المؤسّسات الاستشفائية".

كما حمّل المسؤولين على القطاع الذي من شأنه توفير الرعاية الصحية للمواطن، بـ" الرقابة الكاملة للمنظومة داخل مباني صحية تستثمر فيها الدولة الملايير لكن الخدمة المقدمة للمرضى باتت في بعض الحالات غير متوفرة".

 المرض والعلاج

عطفًا على هذا القول، يشتكي المواطن من خدمات متردية في مختلف المؤسّسات الصحية في الجزائر، سواءً كانت قاعات علاج أو مؤسّسة جوارية للصحة العمومية أو مستشفى جامعي، إذ هي بحسب المعنيين بالقطاع فضاءات تتأثر بالبيئة المحيطة بها، وهو ما يجعلها تتابع وتتكيف باستمرار مع مختلف المتغيرات المحيطة بالسكان.

وإزاء ذلك، يطرح عاملون في قطاع الصحة في الجزائر، مشكلة عدم انسجام النمو الديمغرافي مع القدرات الاستيعابية للمستشفيات، وتحكمها في مطالب المرضى، خاصة في المناطق الداخلية.

ولكن تتحكّم بعض العوامل على نوعية الخدمات الطبية بحسب المهتمين بالقطاع، أهمها البيئة الديمغرافية، التي تتسم بعدم الثّبات منها تركيبة وتوزيع السكان خاصة عبر الأحياء السكنية الجديدة، إذ يؤدي هذا العامل حسب المفتش في الصحة العمومية الدكتور فريد سلامي إلى زيادة الطلب على الخدمات الصحية المقدمة من قبل المؤسسات الصحية.

وأضاف سلامي في حديث لـ" الترا جزائر" أن التركيبة السكانية في حدّ ذاتها تمكن المنظومة الصحية والمشرفين عليها من معرفة طبيعة الأمراض المنتشرة، وأنواع الخدمات الصحية الممكن تقديمها، فضلًا على أسلوب العلاج.

استيعاب حاجات المرضى، من السكان دفع بالبعض إلى الحديث عمّا يسمّى بـ"المركبات الصحية"، إذ يطالب مختصون بإنشاء  عدد منها في شكل مركبات مركزية وأخرى جهوية، لتقديم خدمات صحية ناجعة.

إلى هنا، شددت المختصة في طبّ النساء الدكتورة نسيمة أوفة في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن من واجب السلطات أن تتوجه إلى هذه الاستراتيجية  لتلبية احتياجات الساكنة مشيرة إلى الاستثمار في هذه المركبات يتمّ عبر تعزيزها بهياكل جوارية تضمّ مختلف التخصصات، إذ باتت المستشفيات الجامعية غير مؤهلة لتقديم الخدمات الطبية، بسبب الضغط الكبير عليها على غرار مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة.

وأوضح في هذا الإطار أن المعضلة الصحية في البلاد غير منحصرة فقط في الإمكانيات، بل في تأهيل الكادر البشري الكفء وتحفيزه بالوسائل الضرورية والتطوير المستمر عبر الرسكلة للأطباء والمختصين في شتى التخصصات، فضلًا عن تحسين مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، منعًا للنزيف الحادّ للكوادر الطبية الجزائرية، خاصة وأن مشكلاتهم تتراكم منذ سنوات، رغم الإضرابات.

 

المنظومة الصحية  

عمومًا يقدم المستشفى، خدمات للشفاء من الأمراض بأنه الفضاء الذي يقدم الرعاية والعلاج والوقاية للمواطن من مختلف فئات المجتمع، كما أنه في عرف المنظومة الصحية المكان الذي يعتبر مركزًا لتدريب العاملين في الحقل الطبي والصحي فضلًا عن مكرز للأبحاث الطبية والاجتماعية إضافة على إعادة تأهيل المرضى الموجودين في أقسام وفروعه، ومراجعة المزاولين للاستشفاء الخارجي.

قبل أكثر من شهر، أكد الوزير السابق عبد الرحمان بن بوزيد أن مستشفى مصطفى باشا الجامعي، بقلب العاصمة الجزائرية وجب تهديمه لأنه لم يعد يستجيب لعلاج المرضى، كاشفًا عن ضرورة بناء مستشفى جديد، بمقاييس عالمية، وهو ما يطرح عدة أسئلة أهمها عن الصحة العامة في البلاد.

وليس هذا المستشفى الوحيد الذي لا يستجيب لمتطلبات السكان، بل هناك عدة تخصصات مفقودة في مراكز الولايات، ما يدفع المواطن إلى التوجه نحو القطاع الخاص، إذ يعتبر الأخير حلقة أخرى من حلقات  معاناة المواطن، بدءًا بدفع المال مقابل الحصول على علاج أو إجراء كشوفات طبية أسرع مما هو عليه في المؤسسات الصحية العمومية.

مخطط شامل

بعيدًا عن الهياكل الطبية العمومية الموجودة في الجزائر، يتشبث الكثيرون بمفهوم عام للصحة إذ هي علم وفنّ وأسلوب وقاية من الأمراض وتعزيز الصحة النفسية والبدنية، عبر استراتيجية متكاملة.

من جهتها، طرحت الباحثة في علم الاجتماع الصحة كريمة إسطمبولي من جامعة قسنطينة، فكرة تغييب آليات اجتماعية لتمكين الأفراد من مستوى معيشي يكفي لضمان صحتهم من أجندة الاستراتيجيات الصحية في البلاد، لافتة في تصريح لـ" الترا جزائر"، أن حقّ التمتع بالصحة العامة هي قضية شاملة تضمّ التغذية والثقافة الصحية والخدمات الصحية فضلًا عن البيئة والعمل الاجتماعي، واستخدام التكنولوجيا في متابعة مختلف المعطيات المتعلقة بوضعية المواطن.

وأضافت في هذا السياق أن الصحة مرتبطة أساس بتحقيق سلامة بدنية وعقلية ونفسية لأفراد وهو ما لم يعد بعد مخططًا له في الأحياء والمدن السكنية الجديدة، مشددة على أن توفر قاعة علاج لا يعني بتاتًا " توفير الصحة للمواطن".

الباحثة في علم الاجتماع كريمة إسطمبولي تدعو إلى تشجيع الاستثمار بعيدًا عن استنزاف المواطن 

وفي هذا المضمار، دعت المتحدثة إلى أن المنظومة الصحية في الجزائر تعتمد أساسًا على القطاع العمومي، ما يدفع إلى ضرورة تقويته، بواسطة القطاع الخاص الذي يكمّله في مسار متناسق ويدعمه، إضافة إلى أهمية تشجيع الاستثمار في هذا الجانب بعيدًا عن استنزاف المواطن وإبعاده عن الاستغلال التجاري والاحتكاري أيضًا.