23-أكتوبر-2019

45 يومًا تفصل الجزائريين عن موعد الانتخابات الرئاسية (تصوير: بلال كرامدي/ أ.ف.ب)

خلال الأيّام الماضية، تابع الجزائريون باهتمام أجواء الانتخابات الرئاسية التونسية بدوريها الأوّل والثاني، ورصدوا  تحرّكات المرشّحين ومناظراتهم التلفزيونية وحملاتهم الانتخابية وبرامجهم السياسية، وصولًا إلى انتخاب قيس سعيد رئيسًا جديدًا للجمهورية التونسية، وهو ما فتح النقاش واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حول إمكانية تكرّر التجربة التونسية في الجزائر.

جمال بلواد "لعب الحكم الفردي وإقصاء المؤسسات الدور الأبرز في كلا البلدين"

باتت المقارنة بين التجربتين التونسية والجزائرية، مطروحة بقوة هذه الأيّام، خاصّة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وانقضاء نصف مهلة التسعين يومًا منذ استدعاء الهيئة الناخبة، حيث يرتفع صوت هذه النقاشات، نظرًا للتقارب التاريخي والجغرافي بين البلدين.

اقرأ/ي أيضًا: منع الجزائريين الملتحين من دخول تونس.. إشاعة أم حادث معزول؟

أفضت انتخابات تونس الأخيرة، إلى انتصار شعبي لفائدة المرشح المستقلّ القادم من الحقل الأكاديمي، الأستاذ الجامعي قيس سعيّد، وصفها متابعون بـ" التفويض" أو "الاستفتاء الشعبي" لفائدة القادم من مجال بعيد عن الخزّان السياسي المتوفّر في تونس، منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، فهل ذلك يُمكن أن يتحقق في الجزائر في انتخاب رئيس الجمهورية؟

حلم مشترك

ينبع اهتمام الجزائريين بالتجربة التونسية من كون "الديمقراطية طُموح مشترك بين الشعبين؛ إذ تقاسم الجزائريون الشغف الديمقراطي الذي عاشته تونس الأيّام الأخيرة"، وعزا الباحث في العلوم السياسية جمال بلواد ذلك إلى أن" كلاهما مرّا بفترة مماثلة من التاريخ السياسي الذي بسطت فيه الوطنية والنظام الشمولي المتوازي سيطرتهما، ولعب الحكم الفردي وإقصاء المؤسسات الدور الأبرز في كلا البلدين"، وبالتالي يضيف المتحدّث، تقاسم الشعبان أعباء ونتائج هذه السياسات.

.

 

لكن رغم هذه القواسم المشتركة؛ هناك معطيات أخرى للاهتمام الجزائري بتجربة تونس، نابعة من ذاكرة الجزائريين وتراكمات ثلاثة عقود من الزمن، في رأي الباحث بلواد في حديثه لـ"الترا جزائر"، مضيفًا أن "عهد الجزائريين مع الممارسة السياسية منذ بدء المسار الانتخابي في عام 1991، ومختلف التعديلات التي وقعت على الدستور، تجربة كلّفت الجزائر فترة دموية وآلاف القتلى، انتهت بمسار المصالحة الوطنية في العام 2005، لكن رغم ذلك لم يلتمس الجزائريون طعم الاحتكام للصندوق منذ مجيء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".

في وقت تعرف فيه البلاد حراكًا شعبيًا سلميًا، تسيطر حالة من الخيبة أيضًا إذا قورن الوضع في الجزائر مع التجربة التونسية، كما وصفها الباحث في علم الاجتماع السياسي السعيد بو الوذنين في حديث إلى "الترا جزائر"، ومردّ ذلك أن "الجزائريين يعتبرون أنهم كانوا السباقين للانفتاح على التجربة الديمقراطية عام 1989، عندما كان التونسيون وقتها قد بدأوا مرحلة جديدة من الدكتاتورية مع حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي" ( 1987-2011)، مضيفًا أن النجاحات الباهرة سياسيًا وديمقراطيًا للتونسيين، كان يُفترض أن يحقّقها الجزائريون قل ثلاثين سنة، على حدّ تعبيره.

دروس سياسية

هناك معطىً آخر في مجال المقارنة مع الجارة الشرقية، يتعلّق بمستوى الانتخابات كمظهر ديمقراطي، إذ "يُحاول الجزائريون قياس الحالة الانتخابية في تونس وسلامتها من كلّ العيوب، مقارنة مع نظام انتخابي مُتخم بالثّغرات، ولا زال يشوبه الشكّ لدى قطاع واسع من المواطنين والقوى السياسية في الجزائر"، كما يضيف بو الوذنين.

يعتبر المتحدّث أن الفارق عميق بين التجربتين الجزائرية والتونسية، ويتعلّق بكون النظام الانتخابي في تونس بُني على أساس متين من التوافقات المبدئية منذ 2011، وعلى استقلالية تامّة للهيئة العليا للانتخابات، وانتخابها من قبل البرلمان وتمتّعها بالاستقلالية الكاملة ماديًا واعتباريًا، بينما السلطة المستقلّة للانتخابات في الجزائر، تشكّلت بصورة غير مقنعة بالنسبة للمجتمع السياسي في الجزائر، على حدّ قوله.



قد لا تصبّ جميع الآراء حول تكرّر التجربة التونسية في الجزائر في سياق واحد، فهناك من يرى أنّ هناك دورسًا كثيرة يجب أن نستخلصها من التجربة الديمقراطية القريبة جغرافيًا. هنا، يقول الناشط السياسي جمال تقار، في حديث إلى "الترا جزائر"، أنّ العبرة من التجربة التونسية تُعطي الأمل للناخب بأنّه يُمكن لصوته أن يصنع الفارق، حتى وإن أخطأ في خياره، لكنّ الأهمّ برأيه هو أنّ" الخيارات الحقيقية للناخبين، بالإضافة إلى شفافية العملية الانتخابية، ينعكس إيجابًا على استمرارية الدولة وإمكانية تحسّن الأداء في السلط المتعاقبة".

بين الواقع والتطلّعات

رغم مشاهد التفاؤل التي أبداها الجزائريون لفوز المرشّح قيس سعيد، لا يُمكن أن نغفل فكرة أنّ الاختلاف بين التجربتين واضح جدًا من خلال نظام الحكم في تونس، وهو نظام برلماني أولًا، إذ يحظى رئيس الجمهورية بصلاحيات محدودة، بينما النظام الجزائري شبه البرلماني، يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، وذلك ما يعزّز فكرة الأستاذ الباحث في علم الاجتماع السياسي نور الدين بكيس، إذ يقول إن تونس دخلت في مرحلة الأزمة السياسية، بسبب نتائج الانتخابات البرلمانية الكارثية، حيث "تحوّل التصويت في تونس إلى تصويت عقابي ضدّ النخب السياسية، وذلك ما يبرّر مخاوف النخب التونسية الحقيقية بشكلٍ كبير من نتائج الانتخابات في بلادهم".

وبخصوص قراءة الجزائريين عمومًا للتجربة التونسية، قال بكيس "إنّنا نجلد ذواتنا بالنموذج التونسيّ" معتبرًا أنّ أخطر ما يتهدّد النظام البرلماني هو تشتّت الأصوات، وهو ما يصعّب الاستقرار السياسي ويزيد من تأزيم الأوضاع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ويعقّد من مهمّة تشكيل الحكومة من الحزب ذي الأغلبية البرلمانية، إذ يحتاج ذلك إلى توافقات، علاوة على افتقاد الرئيس الجديد سعيّد إلى حزام سياسي في البرلمان يدافع عن قراراته، على حدّ قوله.

طريق شاقّ

بالعودة للعملية الانتخابية في دورها الثاني في تونس، يرى بعض المتابعين أنها كانت صراعًا بين "قوى الخير والشرّ"، مثلما عبّرت عن ذلك المختصّة في الاتصال السياسي حنان بودهان في حديث إلى "الترا جزائر"، لافتةً إلى أن الصراع، كان بين الشخصية الثورية في شخص قيس سعيّد، وبين توظيف المال والماكنة السياسية في شخص نبيل القروي.

حنان بودهان :"لا يُمكن إغفال مرحلة ثماني سنوات من المرحلة الانتقالية التونسية"

تضيف المتحدّثة أنه في قراءة عميقة للمشهد في تونس والجزائر على حدّ سواء، لا يُمكن إغفال مرحلة ثماني سنوات من المرحلة الانتقالية التونسية، أثثتها هيئات شرعية نظّمت العمليات السياسية في 2011 و2014، فضلًا عن حكومات متعاقبة رافقتها هزّات اقتصادية واجتماعية، وهي تفاصيل يغضّ المواطن الجزائري الطرف عنها، في قراءة تعتبرها "سطحية نابعة من عاطفة نجاح تجربة سياسية، في إيصال أستاذ جامعي للرئاسة، دون الالتفات إلى مشقّة تعبيد طريق الديمقراطية، بمسار انتخابي دون ثقوب وفجوات يُمكن بفضله تجاوز مأزق النتائج".

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يتدفّق الجزائريون إلى تونس؟

في آخر أيام الصيف.. طابور السياحة الجزائرية إلى تونس