07-نوفمبر-2015

احتجاجات طلابية في الجزائر سنة 2011(صورة أرشيفية/فاروق بعطيش/أ.ف.ب)

يطالب طلبة الفنون الجميلة في الجزائر، من خلال الإضرابات المتكررة التي ينظمونها، كلًا من وزارتي الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي باعتبارهما الوزارتين الوصيتين على هذا التخصص، بإنهاء معاناتهم فيما يخص "الاعتراف بشهادتهم". ويواجه الطلبة المتخرجون من مدارس ومعاهد الفنون الجميلة، تحديًا كبيرًا في سوق العمل والتوظيف الذي لا يعترف بشهادتهم، كونها لا تحمل أي تأشيرة وزارية. وقد عرفت السنة الحالية، إضرابًا مفتوحًا من قبل ثلاثمائة طالب، بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالعاصمة الجزائرية، وقد رفعوا مطلب "الاعتراف بالشهادة"، على غرار طلبة المعهد العالي لمهن فنون العرض السمعي البصري بالجزائر، الذين دخلوا في إضراب عن الطعام.

يواجه طلبة الفنون الجميلة في الجزائر، تحديًا كبيرًا في سوق العمل والتوظيف الذي لا يعترف بشهادتهم، كونها لا تحمل أي تأشيرة وزارية

ويطالب طلبة الفنون الجميلة في الجزائر بمعادلة شهادتهم التي يحصلون عليها بشهادة "ليسانس" أي شهادة الإجازة باعتبار جميع طلبة المعهد، متحصلين على شهادة البكالوريا التي تؤهلهم للحصول على الإجازة بعد نهاية التكوين. غير أن الشهادة الممنوحة لهم لا تتعدى شهادة الدراسات الجامعية التطبيقية، التي تخلت عنها الجامعة الجزائرية، بعد توقف مسار التكوين ودراسات ما بعد التخرج، لكن المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري يحتفظ بها، بدل تطبيق النظام المعترف به في الجامعات الجزائرية وهو نظام "إجازة، ماجستير، دكتوراة"، المعروف بـ"إمد".  

ويتحصل طلبة الفنون الجميلة بعد أربع أو خمس سنوات دراسة، على شهادة موقعة من طرف مديري المعاهد المتخصصة لكنها لا تحمل تأشيرة الوزارة، وهو ما يجعل الطلبة المتخرجين، يواجهون العديد من المشاكل في قطاع العمل. وهو ما دفعهم للاحتجاج، مطالبين بإيجاد حلول عملية لتسوية وضعيتهم وتسهيل اندماجهم في المجال العملي، خاصة أن الالتحاق بهذا التخصص يكون على أساس مسابقة كتابية والخضوع إلى امتحان نفسي في بعض المعاهد.

وكانت وزيرة الثقافة السابقة نادية لعبيدي، قد تعهدت خلال السنة الجارية على إثر الإضرابات، باقتراح حلول تخص معادلة "الشهادة" بـ"الليسانس" في حالة صعوبة تطبيق نظام "إمد" نتيجة النقص في عدد الكفاءات العليا لتأطير الطلبة خاصة في مجال السمعي البصري. وهي الاقتراحات التي لم تر النور، لا سيما بعد استبعاد نادية لعبيدي من الوزارة.  

مستقبل مهني غامض

غموض كبير يحيط بـ"الشهادة" التي تمنحها الهيئات المختصة في الفنون الجميلة في الجزائر، وقد ساهم في تراجع إقبال الطلبة على دراسة هذه التخصصات، حيث نقلت وسائل الإعلام خلال سنة 2010، أن ثلاثين طالبًا من حملة شهادة البكالوريا  فقط سجلوا بالمدرسة العليا للفنون الجميلة من أجل إجراء المسابقة، في حين قال مدير المدرسة إن عددهم بلغ سنة 2011 أكثر من مائة وعشرين طالبًا.

هذا العدد الذي يبقى صغيرًا مقارنة بباقي التخصصات الجامعية التي تسجل سنويًا إقبال الآلاف من الطلبة، يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل، أهمها الحصول على شهادة "غير معترف بها" بعد خمس سنوات دراسة، وذلك في سوق يعرف محدودية في فرص العمل. ويرى البعض أن التحديات التي تواجه هؤلاء، لا تتعلق فقط بالشهادة، وإنما بمستوى المناهج الدراسية في هذه المعاهد، الذي يوصف بـ"الضعيف".

مجال الفنون الجميلة، ورغم تحوله إلى علم وليس مجرد موهبة، غير أن المجتمع الجزائري لايزال يحمل عنه صورة سوداوية، ويعتبره منهجًا غربيًا لا يشبع الرغبات العلمية والثقافية للطالب المبدع، ولا يضمن له مستقبلًا عمليًا جيدًا. ويبرز ذلك من خلال معارضة الأولياء بشكل كبير لخيارات أبنائهم في الالتحاق بهذه المعاهد، خاصة عند فئة الإناث، وهنا تؤكد سلمى: "بعد حصولي على البكالوريا أردت دراسة المسرح لأنه حلمي منذ الصغر، لكن عائلتي رفضت وطلبت مني دراسة اللغات لأنها تضمن لي عملًا ومستقبلًا جيدًا".    

رغم تحول مجال الفنون الجميلة إلى علم وليس مجرد موهبة، غير أن المجتمع الجزائري لا يزال يحمل عنه صورة سوداوية

ويعرف واقع القطاع المهني في مجال الفنون الجميلة في الجزائر، ضعفًا كبيرًا في مجال التمويل والاستثمار في الطاقات والمبدعين والصناعات الثقافية بمختلف أنواعها في السينما والمسرح، في ظل غياب سوق وطنية للفن التشكيلي والفنون الجميلة بصفة عامة. وكانت العشرية السوداء قد أثرت على هذا المجال الذي كان يعرف رواجًا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث اغتيل العديد من المبدعين على غرار محمد عسلة، وتعرض البعض الآخر للتهديد وهاجر آخرون.

يحدث هذا في وقت تحولت فيه الفنون الجميلة في العديد من الدول إلى إحدى التخصصات الجديدة، التي توفر مناصب عمل ومهن جديدة ويدر الاستثمار بها أموالًا طائلة، بل أصبحت في دول أوروبية أهم مصادر الدخل القومي، بينما لا يزال الطالب الجزائري يحتاج إلى كثير من الجرأة للالتحاق بهذا التخصص في ظل ما يحيط به من غموض في "الشهادة" والمستقبل المهني.  

أموال تصرف على واقع بائس

لا يعكس الواقع البائس للفنون الجميلة في الجزائر، حجم الميزانيات المخصصة لها والمهرجانات والتظاهرات التي تنظمها وزارة الثقافة، التي يبدو أنها لم تنجح في إنعاش هذه الفنون، على غرار السينما والمسرح والفن التشكيلي وغيرها. وذلك بالرغم من توفر العديد من الهياكل والمؤسسات الخاصة بالفنون الجميلة التي تنتشر عبر مختلف محافظات البلاد والتي بإمكانها تكوين مبدعين قادرين على إحداث الحركية المطلوبة في هذا المجال وإعادة ربطه بالجمهور الجزائري المتعطش إلى مثل هذه الفنون.

ويبلغ عدد المدارس الجهوية الخاصة بالفنون الجميلة ست مدارس موزعة عبر مختلف مناطق الوطن كباتنة وقسنطينة في الشرق، ووهران ومستغانم بالغرب، وعزازقة بمنطقة القبائل. وهذا بالإضافة إلى أربعة معاهد جهوية للتكوين الموسيقي بكل من الجزائر العاصمة، باتنة، بويرة ووهران. ويكون الالتحاق بهذه المؤسسات على أساس امتحان كتابي ونفسي، وتدوم مدة التكوين أربع سنوات، وتشمل تخصصات عديدة منها الفنون التشكيلية، النحت، الزخرفة، الرخام، الاتصال البصري، المنمنمات وغيرها.

وكانت المدرسة الوطنية للفنون الجميلة، من أهم المؤسسات التعليمية في هذا المجال، منذ إنشائها سنة 1952، غير أن تغير شروط الالتحاق ومنها اشتراط شهادة البكالوريا، ساهم في تراجع عدد المسجلين بهذا التكوين، الذي يدوم خمس سنوات كاملة. وبالرغم من العدد المرتفع من المؤسسات التي تكوّن الشباب في مجال الفنون الجميلة، إلا أن العديد من المواهب الشابة في الجزائر لا تزال غير قادرة على إثبات وجودها وتضيع في ظل نظام تعليمي لا يهتم باكتشاف المواهب ورعايتها وتطويرها. ويحدث هذا في وقت يطالب فيه كبار المبدعين الجزائريين بضرورة إدراج بكالوريا فني مثلها مثل بكالوريا تقني، من أجل رفع مستوى الفنون الجميلة في البلاد.

ويعتبر هؤلاء أن الجزائر كبلد تملك كل مقومات النهوض بهذه الفنون وتحويلها إلى مجال رائع للاستثمارات وسوق كبيرة للعمل، بفضل ما تملكه من تعدد وتنوع ثقافي، ومتاحف مشهورة ومصنفة عالميًا، مثل المتحف الوطني للفنون الجميلة،  كأكبر متحف في أفريقيا والشرق الأوسط، والذي يحتوي على أكثر من ثمانية آلاف لوحة فنية نادرة لفنانين تشكيلين عالميين. وذلك إلى جانب الإرث الثقافي الجزائري في مجال الفنون الإسلامية، بالإضافة إلى المناطق الأثرية والسياحية التي يمكن استغلالها بشكل مذهل في مجال الإبداع الفني والجمالي وتحقيق قفزة نوعية في قطاع الفنون الجميلة في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا:

عندما يغزو الدين معاهد الفنون الجميلة في لبنان..

أي مستقبل لطلبة الدراما والموسيقى في السودان؟

ورطة اختيار التخصص الجامعي

جامعات تونس.. تنتج الأزمة بدل المعرفة