تعدّ الكاميرا الخفية من بين البرامج الأكثر مشاهدة على شاشات التلفزيون محليًا وعربيًا، وتتصدّر الشبكات البرامجية كل سنة، حيث تتسابق مختلف الجهات المنتجة لهذه المادّة الترفيهية، من قنوات خاصّة وعمومية وشركات إنتاج مستقلّة بشكل "هستيري"، لتحجز مكانًا لها عند اقتراب كل موسم رمضاني.
يبدو أن العنصر المشترك بين مختلف هذه البرامج، هو التركيز على سيناريوهات صادمة وملفتة
يبدو أنّ العنصر المشترك بين مختلف هذه البرامج، هو التركيز على سيناريوهات صادمة وملفتة، حيث تتفاوت بين قصصٍ يروح ضحيتها بعض المشاهير والفنانين والصحافيين، وبين تلك التي يقال أنها تُصوّر "عفويًا"، ليقع فريستها بعض الراجلين في الشوارع.
اقرأ/ي أيضًا: دراما رمضان 2019.. مفاجأة واحدة والكثير من الخيبات
لعلّنا نتذكّر جيدًا تلك المشاهد الترويعية، التي حصلت في حقّ الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة في كاميرا خفيّة، إذ وُصفت آنذاك بالمسيئة وغير المعقولة، حيث لاقت ردود أفعال رافضة من طرف المثقفين والإعلاميين، خاّصة وأن الكاتب اتهم خلال تصويرها بالإلحاد وأُجبر على النطق بالشهادتين.
في سياق متصل، انتشر منذ أيّام مقطع فيديو عبر موقع فيسبوك، يُظهر مجموعة من الأشخاص وهم يصوّرون مقلبًا للكاميرا الخفية مع أحد الشبان، وقد بدا عليه الهلع، ليتبيّن أخيرًا أنهم أوهموه بأنه مصاب بفيروس كورونا الذي انتشر مؤخرًا عبر العالم، وتسبّب في موجة ضخمة من الهلع، وحصد آلاف الأرواح.
عرف المقطع المتداول انتقادًا لاذعًا من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر بعضهم الأمر جريمة في حقّ المواطن، ومحاولة لترويع الأفراد بداعي التسلية وربح المشاهدات، فهل يُعقل أن يستغل وباء يحصد كل يوم العديد من أرواح الأبرياء فقط، من أجل الفرجة والتسلية والسخرية من حاملي الفيروس؟
تهاون السلطة أو تشجيع منها؟
اعتبر الممثل والكاتب المسرحي محمد عدلان بخوش، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن تصوير برنامج للكاميرا الخفية في الشارع يأتي بموافقة من السلطات، حيث لا يتمّ السماح بهذا النوع من البرامج، إلا بتصريح من الجهات الأمنية والسلطات المعنية للسماح بإنجازه في الشارع.
وقال الممثل بأن السلطات لو كانت فعلًا جادة في مساعيها، لوضع حدٍّ للإشاعات المصاحبة لانتشار فيروس كوفيد-19، كما جاء في الخطاب الأخير لعبد المجيد تبون، ما كانت لتسمح حسبه بتجسيد هذه الفكرة التي تنشر الهلع والخوف بين المواطنين، خاصّة وهي تصوّر مشاهد في الشارع على حين غفلة من الناس، وتتسبّب في الكثير من الفوضى والهستيريا لدى البعض، على حدّ قوله.
أمّا إذا كانت السلطات تعلم بنتائج هذا التصريح، فالأمر يغدو خطيرًا جدًا، ما يعني أن السلطة ساهمت رغم علمها بالتبعات الناجمة عن ذلك، في بثّ الخوف بين الأفراد في توقيت حسّاس لانتشار هذا الفيروس الخطير، وفي غياب مبهمٍ للمعلومة الدقيقة والحقيقة.
ووجّه بخوش، رسالة إلى كل الجزائريين بكل أطيافهم من أجل التكاتف فيما بينهم، وعدم الاعتماد على مبادرات النظام لمجابهة فيروس كورونا، ولا على مصادر الإعلام الداعم لبرامج مماثلة، والذي يسهم في بثّ الريبة والشك من خلال مادة سيئة المحتوى، حيث اعتبر المتحدّث أنها تنتمي للخطاب الرسمي الذي لا يمنح أيّة تطمينات قد تبعث الثقة بين أطياف الشعب.
وختم عدلان بخوش قوله، إنه لا خير في سلطةٍ تسمح بتصوير برنامج مستهتر كهذا في الشارع، للتلاعب بأعصاب المواطنين وسلامتهم النفسية.
فوضى السمعي البصري
من جهته، قال المخرج الشاب نعيم خليفة، أن برامج الكاميرا الخفية في الجزائر أضحت مشكلًا كبيرًا منذ سنوات، إذ أنها تعكس وجه الرداءة والفوضى التي صار يتخبّط فيها مجال السمعي البصري خاصّة، والبلد بشكل عام.
أضاف المتحدّث، أن التجارب المشابهة في بلدان أخرى، سواءً كانت عربية أو أوروبية، يمكن أن تكون مثالًا يحتذى به، وقد تفيد في تسيير مجال السمعي البصري في بلادنا، لكن المشكل حسب نعيم خليفة يعدّ أخلاقيًا بالدرجة الأولى، في غياب تام لسلطة ضبط السمعي البصري، وعدم توفر الكثير من المراسيم التنفيذية التي تسمح لها بالقيام بمهامها في المراقبة.
أشار نعيم إلى أن الهدف من الكاميرا الخفية، هو ترفيهي بالدرجة الأولى تزامنا مع الظروف الحالية غير المسبوقة، وأكّد على أن استغلال أمر كوباء فيروس كورونا من أجل التسلية، هو سقطة بكلّ المقاييس وفي كل الثقافات عبر العالم، أخلاقيًا وإنسانيًا.
وبما أن مآلات هذه الأزمة الصحيّة غير واضحة إلى غاية عرض هذا المنتج في رمضان كما يبدو، تساءل المتحدّث إذا ما كان من المعقول أن يُطرح برنامج مماثل للمشاهدة، في حين قد يراه مثلاً أحد أفراد عائلة المتوفّين جراء هذا الوباء؟
يكمن المشكل حسب المتحدّث، في عدم وجود أية قوانين تضبط العمل في هذا المجال، فهي قد تتوفّر في مجال السينما، ولكنها غائبة تمامًا عن مجال السمعي البصري، حيث يعد فوضويًا، وصار من هب ودب يعتبر نفسه منتجًا أو مخرجًا أو صحافيًا، في حين أن هذا المجال يتطلّب الخبرة في العديد من التخصّصات بين صحافة ومهن تقنية للصورة وجوانب فنية، إضافة إلى إجادة الإدارة والتيسير.
من هذا المنطلق، شدّد نعيم خليفة على وجوب تكاثف المهنيين و المحترفين في المجال من أجل إسراء إطار عام للعمل الصحافي السمعي البصري، حيث توضع ضوابط معينة لنوعية المنتوج السمعي البصري، إضافة إلى طرح العديد من المبادرات لتقنين المجال، من خلال جمعيات وتعاضديات ورابطات مختصّة.
كاميرا كاشي أو إرهاب بصري؟
أما الصحافي فيصل شيباني، فقد صرح في اتصال مع "الترا جزائر"، أنه من غير المعقول تمامًا تصديق سوء المرحلة التي وصلنا إليها، حيث أصبح الاستثمار في الأزمات ميزة عندنا، وأضاف أنه في الوقت الذي كنا نشتكي فيه من استغلال التجار للمناسبات حيث يزداد الطلب فيتم رفع الأسعار، أصبحنا أمام واقع أكثر مأساوية، يتمثّل في استغلال بعض شركات الإنتاج بمعية قنوات خاصّة تسعى للرفع من نسب المشاهدات، ولو على حساب القيم الإنسانية إن وجدت أصلًا.
وأعطى فيصل شيباني مثالًا بما حدث مع الكاميرا الخفية، التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل: "أين إنسانيتنا قبل كل شيء، ومن يخوّل لتلك الشركات أو الأشخاص لترعيب الناس تحت ما يسمى (كاميرا كاشي)؟"
أضاف المتحدّث، أن ما حصل هو عبارة عن "إرهاب بصري حقيقي، يتطلب تدخّل سلطة ضبط السمعي البصري في الجزائر، التي دائمًا ما تبقى في موقف المتفرّج، وكأنها هيئة بدون روح وصلاحيات، حيث تسمح حسبه بحصول كل هذا العبث عبر القنوات التلفزيونية، وهو ما اعتاد عليه الجزائريون خلال كل شهر رمضان، حتى أصبح التخويف والترعيب في الكاميرات الخفية مثل الأطباق التقليدية".
يقول شيباني، إن هذا الإنحراف الخطير الذي يحصل، والاستثمار في مآسي الناس وفي هذا الظرف بالذات أين صنف كورونا وباء عالميًا، يدعو لمحاسبة من ينتج مثل هذه النوعية من البرامج، وأضاف أن المفروض هو نشر التوعية وليس ترعيب الناس، والتمثيل عليهم بأنهم مصابون بالمرض، وتساءل فيصل عمّا إذا "كان أحد الضحايا مريضًا بالسكري أو الضغط؟ ما هي نتائج هذه المقالب الوقحة عليه؟".
في السياق، يعتقد شيباني أنه بات من الضروري جدًا وضع حدّ لمثل هذه التجاوزات، التي صارت تتكرّر كل مرّة مع تواصل صمت سلطة ضبط السمعي البصري، والسلطات عمومًا، وتساءل عمن يمنح التراخيص لهذه الشركة أو القناة حتى تصوّر في الشارع وترعب الناس، ودعا ضحايا الكاميرا الخفية، إلى رفع دعاوى قضائية ضدّ من يقف وراء هذه المهازل، إذا لم تتحرّك السلطات المعنية بذلك.
ارتفعت مؤخرًا نسبة الانتقادات الموجّهة لهذه البرامج، إذ تعد في معظمها مبتذلة وغير مسلية
لقد ارتفعت مؤخّرًا نسبة الانتقادات الموجّهة لهذه البرامج، إذ تعد في معظمها مبتذلة وغير مسلية، في حين يصفها البعض بالمفبركة بغية اكتساب نسبة عالية من المشاهدة، في مقابل ذلك يذهب المواطن ضحيّة لوبيات إعلامية تفتقر للاحترافية والاحترام، لتستغله وتصنع من حياته عروضًا مبتذلة تفتقر لأدنى شروط المواد الترفيهية والفنية بالمعايير المتعارف عليها.
اقرأ/ي أيضًا:
"الرايس قورصو" والرئيس بوتفليقة.. جدل السياسة والكوميديا
السينما الجزائرية تفقد ملاكها الأبيض