03-نوفمبر-2023

(الصورة: فيسبوك)

يَعُود الحديث عن الكتاب الديني ومكانته في الجزائر عند انطلاق موسم صالون الجزائر الدولي للكتاب، وتتباين الآراء وتتباعد المواقف حول مكانة وأهمية الكتاب الديني وفقا إلى الانتماءات الأيديولوجية والمواقف الفكرية، وحتى الحسابات السياسية.

وقبل سنوات، تم نقل دور النشر المتخصصة في تسويق الكتاب الديني من الجناح المركزي إلى جناح القصبة بقصر المعارض الصنوبر البحري، وهو ما اعتبره بعض الناشرين محاولة لتهميش الكتاب الديني الذي يحظى بمقروئية واسعة.

تم نقل دور النشر المتخصصة في تسويق الكتاب الديني من الجناح المركزي إلى جناح القصبة بقصر المعارض الصنوبر البحري

فيما قال القائمون على المعرض أن إجراء تحويل مكان دور النشر التي تسوّق الكتاب الديني تَعدُ مسألة تنظيمية بحتة، كما لا توجد أي خلفية أيديولوجية وراء ذلك الإجراء، مُشيرين إلى أن تخصيص جناح كامل للكتاب الديني يعتبر بمثابة فضاءيضمن راحة للزبون وتقديم مساحة أوسع للكتاب الديني نظرًا إلى طلبات وشكاوي دور النشر من ضيق مساحات العرض.

في السياق، ترصد "التر جزائر" خلال زيارة معرض الكتاب الدولي، واقع الكتاب الديني بالجزائر، وما مدى تزايد أو تراجع مقروئية الكتاب الديني لصالح الكتاب الأدبي أو العلمي، وترصد طبيعة زبائن المهتمين باقتناء الكتاب الديني.

المعطيات تغيرت

يقول توفيق وهو ناشر متخصص في الكتاب الديني، أنه "هناك لغط وقصور في النظرة إلى سوق الكتاب الديني".

وأقر محدثنا أن الكتاب الديني في السابق انتشر في سياق ما كان يسمى بالصحوة الإسلامية، مضيفًا أن الانتشار الواسع للكتاب الديني شكّل ظاهرة مست كل الدول العربية بل حتى بعض العواصم الأوروبية.

وأفاد محدّث "الترا جزائر" أن تعزيز الروابط بين الجزائر والرياض دبلوماسيًا إبان فترة المرحوم شاذلي بن جديد سمح بحضور الكتاب الديني بقوة، مقابل فترة المرحوم هواري بومدين والذي أطلق شعار "الثورة الثقافية"، وكان حضور محتكرللفكر والثقافة الاشتراكية .

الكتاب الديني في السابق انتشر في سياق ما كان يسمى بالصحوة الإسلامية

في الصدد، أقرّ المتحدث بأن الطابع التجاري في تسويق الكتاب الديني، معتبرا إياه مادة استهلاكية كباقي المواد المنتجة بناء على قاعدة العرض والطلب، لافتًا إلى أن الفاعلين في سوق الكتاب الديني قد لا يبحثون عن دوافع دينية أو دعوية بقدر ما يبحثون عن المردودية والأرباح المالية.

وأردف: "الكتاب الديني التراثي لا يحتاج إلى حقوق الطبع أو النشر، وبالتالي أي متعامل اقتصادي يرغب في الاستثمار في مجال الطباعة والنشر يختار الكتاب الديني لأنه لا يشترط أي عقد مع المؤلف"

صدارة المبيعات

يقول مندوب مبيعات دار العلمية اللبنانية، أن الكتاب الديني ما يزال يحتل الصدارة في سلم المبيعات في كل دول العالم العربي بما فيها الجزائر.

وأفاد أن الكتاب الديني التراثي وبعيدا عن قيمته المرجعية فهو يشكل علاقة عاطفية لدى الكثير من العائلات الجزائرية.

وأضاف: "الكتب الدينية على غرار تفسير ابن كثير أو صحيح مسلم أو صحيح البخاري أو رياض الصالحين أو إحياء علوم الدين هي كتب واسعة الانتشار، لا كلونها كتب دينية لها طابع انتمائي إسلامي أما ما شابه ذلك، بل كتب لا تستغني عنها أي مكتبة عائلة مسلمة، دون لون سياسي أو أيديولوجي".

تزايد الطلب على كتب التصوف

من جانبه، قال وائل وهو مسؤول جناح دار نينوى السورية، أن الكتاب الديني متعدد التخصصات وحقول المعرفة في مجاله متنوعة الأصناف.

وأقر أن الكتاب الديني ما يزال يلقى اهتمام القارئ العربي والقارئ الجزائري خصوصا.

وأردف أن مقروئية الكتب الدينية توسعت وتنوعت خلال العقدين الأخيرين عكس سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات.

وعلّل المتحدث كلامه: " بعدما سيطرت الكتب التراثية على مجال سوق الكتاب، اليوم هناك دارسات أكاديمية في مجال المقاصد وأبحاث فقهية واجتهادات عصرية".

وعلى ضوء هذا التنوع زاد عدد القراء والمنشغلين بالكتاب الديني، بحسب أقوال المتحدث.

وتابع وائل أن الكتب الدينية في مجال التصوف أصحبت جد مطلوبة بالجزائر عكس السنوات الفارطة.

وأفاد أن هذا الاهتمام قد يعود إلى أسباب عديدة منها الاشتغال الأكاديمي والمعرفي حول الجوانب الصوفية تاريخيا وروحيا وفكريا لدى المتابع الجزائري.

وتعرض دار نينوى مجموعة من الإصدارات في مجال التصوف على غرار بحثا عن الشمس من قونية إلى دمشق، وآلام الحلاج وغيرها من الإصدارات عن ابن عربي، شمس تبريز وابن الرومي.

القارئ اليوم مختلف

من جانبه، قال مسؤول دار الحضارة للنشر والتوزيع السعودية، إن هناك تغييرات وتحولات مجتمعية عميقة يعيشها العالم العربي انعكست بشكل إيجابي على المقروئية عموما.

وأضاف أن الكتاب الديني لم يعد يحمل أي طابعا أو تصنيفا أيديولوجيا أو طائفيا لكي يتوجس منه.

ويعتقد المتحدث  أن الكتاب الديني اليوم ينظر إليه كفرع من فروع التنمية البشرية أو التوعية الذاتية أو التغذية الروحية خصوصا لدى الشباب والشابات.

وأبرز أن هناك شرائح واسعة من القراء الجزائريين من الشباب قد لا تشتري الكتب الدينية التراثية لكنها مهتمة بكتب تتناول ثيمات مثل التربية الروحية وتقوية الشخصية الدينية وتعرض بأسلوب سهل وممتع بعيدا عن أي شكل من أشكال التطرف أو التشدد

وتشهد إصدارات درا الحضارة إقبالًا من طرف الكثير من الشباب من المراهقين والمرهقات والطلبة والطالبات على غرار مجموعة "لأنك الله" للكاتب علي جابر الفيفي، والرجل النبيل وإلى الظل قوانين الحياة لنفس الكاتب، وأنثى تشكر الله محمد بن محمود السيد، ونظرية الفستق جزء الأول والثاني للكاتب فهد عامر الاحمدي.

وعلى العموم، تخضع عملية استيراد الكتاب الديني إلى شروط من بينها ترخيص مسبق من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ويبرر القائمون على هذا القرار بحماية المرجعية الدينية الجزائرية والوحدة الدينية للمجتمع.

 

 

 

 

دلالات: