14-أغسطس-2023
 (الصورة: Getty)

احتجاجت في النيجر (الصورة: Getty)

لماذا ترمي الجزائر بكل ثقلها الدبلوماسي والإقليمي لإعادة الوضع الدستوري والمؤسّساتي في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس بازوم في النيجر؟ ما هي التداعيات الأمنية والسياسية لتطور الأحداث في النيجر على الأمن القومي الجزائري؟ وما هي انعكاسات تدهور الوضع الأمني والمؤسّساتي في نيامي على منطقة الساحل الأفريقي والحدود الجنوبية لأراضي الجزائرية؟ 

تسعى الجزائر رفقة منظمة الاتحاد الأفريقي ومجموعة "إيكوس" الضغط على المجلس العسكري في نيامي

مساعي الجزائر لعودة النظام الدستوري

في السياق، ومباشرة بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام محمد بازوم في النيجر، سارعت الجزائر إلى إجراء سلسلة من الاتصالات بالدول الجوار والمنطقة، بهدف البحث عن موقف مشترك إثر الانقلاب العسكري في النيجر، وتطويق تسارع الأحداث وتفادي تفاقم وتدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية هناك، فقد أجرى الرئيس عبد المجيد تبون اتصالًا هاتفيًا مع نظيره البيني، باتريس تالون، تناول الطرفان الوضع في النيجر، وعلى هامش مشاركة الوزير الأول أيمن عبد الرحمان القمة الروسية-الأفريقية التقى الوزير الأول الوفد المالي وتبحثا الوضع في النيجر.

وتسعى الجزائر رفقة منظمة الاتحاد الأفريقي ومجموعة "إيكواس" الضغط على المجلس العسكري في نيامي وضرورة العودة إلى المسار الطبيعي والنظام الدستوري، وإعادة محمد بازوم لمنصبه كرئيس دولة منتخب ديمقراطيًا.

الوضع أكثر تعقيدًا

من جهة أخرى، يبدو أن الأحداث تتجه إلى المزيد من التعقيد والتصعيد على الساحة في النيجر، خصوصًا بعد إصرار المجلس العسكري على خطوته الانقلابية ودعوة المواطنين إلى الخروج إلى الشارع والتظاهر ضد موقف المجتمع الدولي والاحتجاج على قرارات الاتحاد الأفريقي ومجموعة "إيكوس".

 زيادة على ذلك، يتجه المجتمع الدولي إلى المزيد من التضييق على الإنقلابيين في النيجر، إذ قررت مجموعة من الدول على غرار فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميريكة عن قطع المساعدات المالية والعسكرية على دولة النيجر.

ويرى مراقبون، أن الوضع شديد الهشاشة وجد مقلق وسيؤثر على الدول المنطقة والجوار،وعلى قدرة المجتمع الدولي على مساعدة النيجر في تجاوز الأزمة الاقتصادية ومواجهة الجماعات المسلحة والمتشددة.

والرئيس محمد بازوم هو الرئيس المدني الوحيد على مستوى الدول الجوار، وهو أستاذ في الفلسفة ويحتفظ بعلاقات طيبة مع المجموعة الدولية على غرار الجزائر وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.

ويعاني نظام محمد بازوم جملة من الأزمات، والمتمثلة في استمرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش، عدم انضباط وتمرد المؤسسة العسكرية وأزمة الطوارق في شمال البلد، زيادة على انتشار وتوسع الجماعات الإرهابية في المنطقة.

السيناريو الليبي في النيجر

في سياق الموضوع، تتخوف الجزائر من إعادة سيناريو 2011 والتدخل الفرنسي والحلف الأطلسي على الإطاحة بنظام معمر القذافي، وما ترتب عن ذلك التدخل من توتر وزعزعة استقرار في المنطقة بكاملها، حيث تتداول أخبار إعلامية عن تدخل عسكري تقوده باريس بمعية وموافقة دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومن شأن استخدام القوة لإعادة نظام محمد بازوم اشغال المنطقة برمتها، هنا، حذرت السلطات في مالي وبوركينا فاسو من أي تدخل عسكري في النيجر.

تجدر الإشارة إلى أن لفرنسا مصالح تجارية واقتصادية هامة في النيجر، يوجد على الأراضي النيجرية 1500 جندي فرنسي، بينما هناك 1100 جندي أميركي في المنطقة يشاركون في عمليات مكافحة الإرهاب.

تهديدات تمس العمق الجزائري

وفي السياق ذاته، تشترك الجزائر مع النيجر حدودًا بطول 951 كلم، وهي مساحة وسعة، ذات تضاريس جغرافية صعبة، علاوة على تواجد تركيبة سكانية معقدة، وتعتبر المنطقة الحدودية منطقة عبور وتسلل مهاجرين أفارقة إلى جنوب وشمال الجزائر، بإضافة إلى انتشار تجارة البشر وتواجد عصابات تهريب الأسلحة والمخدرات، وما تزال منطقة الساحل وخصوصًا شمال النيجر تُعتبر من القواعد الخلفية للجماعات المتشددة والمتطرفة والتي باتت تسيطر على كامل الشريط الساحل الافريقي.

وبناءً على ذلك، وبحسب خبراء، فإن أي تدخل عسكري أو معالجة أزمة الانقلاب العسكري باستخدام القوة سيجر النيجر والمنطقة إلى مزيد من التعقيدات الأمنية والاجتماعية، ويثقل من متاعب الجزائر أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

السيناريوهات المرتقبة

في السياق ذاته، لا يستبعد متابعون وجود مخاوف سيناريو انتقال الساكنة الجنوبية بأعداد هائلة نحو الجنوب الجزائري، سواء هروبًا من الحرب أو الفرار من الانفلات الأمني أو سقوط مؤسسات الدولة في النيجر، ولجوء إلى المناطق الجنوبية الجزائرية الأكثر أمنًا.

علاوة على ذلك، يرشّح أي تدخل عسكري أو انفلات أمني وعسكري في النيجر عودة وتنشيط الحركات الانفصالية في شمال المنطقة.

ويشكّل تدفق المهاجرين السرّيين مخاوف وقلق الجزائر، بل منطقة شمال أفريقيا عمومًا، ويمتد أي تدفق للمهاجرين الأفارقة دول الحوض المتوسط الأوروبي، حيث تعتبر الجزائر قاعدة ممر نحو الدول الأوروبية، وتتعامل الجزائر مع المهاجريين السرييت وفق مقاربة اقتصادية وتعاون بين الدول المعنية وترفض أن تكون دركيًا يحصن الدول شمال الحوض المتوسطي.

المقاربة الجزائرية

جدير بالذكر أن نيامي كانت ثاني محطة رئيسية في أول زيارة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، وكانت الزيارة تستهدف إلى إعادة توثيق العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومحيطها الأفريقي وتعزيز التعاون الأمني والعسكري، وتجسيد جملة من المشاريع الاقتصادية تمولها الجزائر لصالح الدول المنطقة منها النيجر، وقد خصّصت الجزائر واحد مليار دولار لتمويل مشاريع اقتصادية وانشاء البنية التحية وبناء مرافق الصحية والتعليمة في دول الجوار.

هناك تنافس دولي وإقليمي يهدف إلى السيطرة على منطقة الساحل الأفريقي والمحافظة على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية

في المقابل، هناك تنافس دولي وإقليمي يهدف إلى السيطرة على منطقة الساحل الأفريقي والمحافظة على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، والمزيد من التوتر في النيجر يدعم أكثر الحضور العسكري لدول الاتحاد الأوروبي وفرنسا خصوصًا باعتبارها المستعمرة القديمة، ناهيك عن تموقع القوات فاغنر الروسيةفي المنطقة، خاصة وأن تَزايد عدد اللاعبين الإقليميين في المنطقة يزيد من إشعال النيران في دول الساحل الأفريقي، وتطويق جهود الجزائر في تجسيد مقاربة تنموية واقتصادية للنهوض بدول الساحل.