26-أكتوبر-2019

الرئيس الجزائري عبد القادر بن صالح مع نظيره الروسي فلادمير بوتين (صدى أونلاين)

لم يظهر الرّئيس المؤقّت عبد القادر بن صالح كثيرًا أمام الشّاشات، منذ خوّله الدّستور لخلافة الرّئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، مطلع نيسان/ أبريل الفائت، لكنّه لم ينجُ من سخريّة الجزائريّين، الذّين جعلوه في طليعة "الباءات" التّي طالبوا برحيلها كشرط منهم للانخراط في عمليّة سياسيّة تفضي إلى انتخابات رئاسيّة مقبولة شعبيًّا.

انتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي اللقاء الذي جمع رئيس الدولة عبد القادر بن صالح مع نظيره الروسي 

كان آخر ظهور لبن صالح على شاشة التلفزيون، يوم الخميس الماضي، في لقاء خاصّ جمعه مع الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين، على هامش القمّة الرّوسيّة مع الاتحاد الأفريقيّ، في مدينة سوتشي الرّوسيّة، حيث كانت مداخلة الرّئيس الجزائريّ المؤقّت في شكل تقرير عن الوضع قدّمه للرّئيس الرّوسي. وأكّدت ذلك عبارته "طلبت لقاءكم لأطمئنكم".

اقرأ/ي أيضًا: عبد القادر بن صالح.. رئيس مؤقّت في حقل ألغام

قال بن صالح إنّ السّلطة في الجزائر تتحكّم في الوضع. وإنّها اعتمدت سياسة الحوار "مع الشّركاء في المجتمع المدنيّ". وشكّلت لجنة تشرف على الانتخابات الرّئاسيّة المقرّرة يوم 12 كانون الأوّل/ ديسمبر القادم. وعن الحراك الشّعبيّ قال إنّه لم تبق إلّا "عناصر قليلة" تخرج دوريًّا في بعض المدن.

ما أن بُثّت كلمة بن صالح على قناة "روسيا اليوم"، إذ يبدو أنّ الوفد الجزائريّ لم يكن على علم بنقلها على المباشر، ذلك ألا أثر لها في منابر الإعلام الحكوميّ الجزائريّ، حتّى التهب موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، بالتّعليق عليها في منحى السّخريّة منها بصفتها مؤشّرًا على خرق السّيادة الوطنيّة، بتقديم تقرير عن الوضع الدّاخليّ لرئيس دولة أجنبيّة.

ابتسامة بوتين

انتشرت بكثافة صورة الرّئيس بوتين وهو يتفاعل مع كلمة ضيفه الجزائريّ بابتسامات اختلف "الفسابكة" الجزائريّون في تشبيهها. فمن قائل إنّها تشبه ابتسامة الأستاذ القاسي وهو يستمع إلى تبريرات تلميذه، إلى من شبّهها بابتسامة الجدّ وهو يتلقّى شروحات من أحفاده على اجتهاداتهم. إلى من شبّهها بابتسامة من يقال له إنّنا نسيناك.

يقول المسرحيّ والنّاشط ربيع قشّي لـ"الترا جزائر" إنّ الجزائريّين أظهروا حساسيّة كبيرة من كلّ أشكال التدخّل الأجنبيّ في الشّؤون الدّاخلية للبلاد، منذ انطلاق الحراك الشّعبيّ والسّلميّ قبل ثمانية شهور، "واعتبروا ما يحدث في الجزائر شأنًا عائليًّا. فشجبوا زيارة وزير الخارجيّة السّابق رمضان العمامرة إلى موسكو، في بدايات الحراك. ثمّ شجبوا الإشارات التّي، وردت من طرف البيت الأبيض والاتحاد الأوروبّي، رغم أنّها إشارات كانت في صالح الحراك".

من هنا، يقول ربيع قشّي، تعامل قطاع واسع من الجزائريّين مع كلمة بن صالح في الجلسة التّي جمعته ببوتين، على أنّها تقرير طوعيّ لجهة أجنبيّة، طمعًا في الحصول على تزكيتها للخيارات القائمة، منها الانتخابات الرّئاسيّة، التّي تلقى معارضة واضحة من طرف شرائح مختلفة من الجزائريّين. يضيف: "وإذا أضفنا الحساسيّة الشّعبيّة من روسيا، بسبب الأثر السيِّئ لتدخّلها في البلدان العربيّة، فإنّ دواعي السّخريّة والشّجب الشّعبيّين كانت كاملة".

ارتباك السلطة 

من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع السّياسيّ نوري إدريس لـ"الترا جزائر" إنّ تأخّر السّلطة وشيخوختها، جعلاها تنقل التّقارير نفسها التّي تصل مكاتبها تحت الطلب، إلى رئيس قوّة عظمى يمتلك من التّقنية ما يسمح له، ليس فقط بإحصاء عدد المتظاهرين أسبوعيًّا، "بل بإحصاء عدد الأفراد الذّين يخرجون في مظاهرات توصف بالعفويّة لمساندة السّلطة".

إنّ السّلطة لا تزال، يقول نوري إدريس، تتعامل مع شعب متخيّل. وكلّ استراتيجياتها وخططها تمّ إعدادها لهذا الشّعب المتخيّل. ولنا كجزائريّين أن نتصوّر الأخطار التّي، يمكن أن تنجرّ عن مثل هذا التّفكير والتّعامل.

 في سياق التّفاعل الشّعبيّ السّاخر، مع كلمة عبد القادر بن صالح، أمام الرّئيس الروسيّ، ورد في تدوينة فيسبوكيّة للنّاشط نايت الصّغير عبد الرزّاق أنّ بوتين طلب من مستشاريه أن يحضروا له بن صالح مرّة أخرى، لأنّه "يقتل بالضّحك".

وكتبت الإعلاميّة ياسمين موسوس إنّ المشكل فيها هي، "كنت أعمل في قناة عربية، فحدث أن طلع الشاب الذّي أطلق شعار "يتنحّاو قاع"، وانتقلت إلى قناة "روسيا اليوم"، فطلع بن صالح في فيديو "شافوه قاع".

يبدو أن قوى الحراك الشّعبيّ لم تعد تستمدّ مصداقيتها من شعاراتها فقط، بل أيضًا من ارتباكات السّلطة القائمة

يبدو أن قوى الحراك الشّعبيّ لم تعد تستمدّ مصداقيتها من شعاراتها فقط، بل أيضًا من ارتباكات السّلطة القائمة، التّي وجدت نفسها تقدّم خدمات مجّانية للقوى المناوئة لها. من ذلك ما قام به الرّئيس المؤقّت في روسيا، حيث لم تمض ساعات على ذلك حتّى أقامت له مسيرات الجمعة الـ36 محاكمة شعبيّة، من خلال شعاراتها وهتافاتها والرّسومات، التّي صوّرت ما حدث في شكل محاولة لشراء التّزكية الرّوسيّة لخيارات السّلطة المرفوضة شعبيًّا.