أعلن وزير التجارة الطيب زيتوني عبر تصريحات صحفية أدلى بها للإعلام الجزائري، عند افتتاح الدورة البرلمانية 2023/2024، عن إجراءات لضبط السوق ومنع الارتفاع غير المبرر لأسعار المواد الاستهلاكية.
يتوقع مراقبون صعوبة تطبيق قرار وزير التجارة ميدانيًا
وتحدث الوزير عن تسقيف أسعار بعض المواد، ويتعلق الأمر بتلك التي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة بسبب المضاربين، وأثارت هذه التصريحات ضجة في أوساط الجزائريين، خاصّة وأن الدولة الجزائرية تنتهج نظام السوق الحرة في تسيير الاقتصاد منذ تسعينيات القرن الماضي، في حين تكتفي بالتحكم في أسعار خمس مواد غذائية مدعمة وهي الزيت والسكر والحليب والقمح والخبز، وتخضع بقية المنتجات لمنطق العرض والطلب.
ويتوقع مراقبون صعوبة تطبيق قرار وزير التجارة ميدانيًا، خاصة وأن الحكومة بناءً على ما أدلى به زيتوني، مطالبة بإعداد قائمة للمواد المعنية بالضبط، فهل ستنجح وزارة التجارة في التحكم في أسعار المواد الأساسية؟
الأسعار تنخفض عالميًا
ووسط الارتفاع الكبير في الجزائر، وعلوّ صوت المطالبة بخفض الأسعار في السوق الجزائرية، انخفضت أسعار المواد الغذائية الأساسية في السوق العالمية شهر أوت/آب المنصرم، حسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة "فاو" الصادر بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول الجاري، المنشور عبر موقعها الإلكتروني.
ويؤكد التقرير الذي اطلع موقع "الترا جزائر" عليه: "انخفضت الأسعار الدولية للسلع الغذائية في أوت/آب، مع تصدّر السلع الأساسية، باستثناء الأرزّ والسكر، هذا الانخفاض".
وقد بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية، الذي يتتبع شهريًا التغيرات في الأسعار الدولية للسلع الغذائية المتداولة على الصعيد العالمي، 121.4 نقاط في أوت/آب، أي بانخفاض نسبته 2.1 في المائة عما كان عليه في تموز/جويلية و24 في المائة عن الذروة التي كان قد بلغها في مارس/آذار 2022".
وتراجع مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الزيوت النباتية بنسبة 3.1 في المائة خلال شهر آب/أوت، فعكس جزئيًا ارتفاعه الحاد الذي بلغ 12.1 بالمائة في تموز/جويلية، وتراجعت الأسعار العالمية لزيت دوار الشمس بنسبة 8 في المائة تقريبا خلال الشهر، وسط ضعف الطلب العالمي على الواردات ووفرة العروض من قبل كبار المصدرين.
وهبطت الأسعار العالمية لزيت فول الصويا جراء تحسن أحوال محاصيل فول الصويا في الولايات المتحدة الأميركية، في حين انخفضت أسعار زيت النخيل بشكل معتدل وسط الارتفاع الموسمي للمحاصيل لدى البلدان المنتجة الرئيسية في جنوب شرق آسيا.
وتدنى مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر بنسبة 0.7 بالمائة عن مستواه المسجل في تموز/جويلية، وانخفضت الأسعار الدولية للقمح بنسبة 3.8 في المائة في أوت /آب في ظل الارتفاع الموسمي للكميات المتاحة منه لدى العديد من المصدرين الرئيسيين، في حين تدنّت الأسعار الدولية للحبوب الخشنة بنسبة 3.4 بالمائة في ظل وفرة الإمدادات العالمية من الذرة جراء حصاد قياسي في البرازيل وبدء الحصاد الوشيك في الولايات المتحدة الأمريكية.
المواد المعنية
إلى هنا، يؤكد رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي، أن منظمتهم كانت السباقة للمطالبة بتسقيف هامش ربح بعض المواد الأساسية والسلع التي تشهد التهابًا غير مسبوق في السوق الجزائرية، خاصّة بعد انخفاضها في البورصات العالمية، مشيرا إلى أن هذا الإجراء من شأنه ضبط السوق.
ويرى زبدي أن قرار الحكومة، في حال طُبّق سيضمن لجميع المتدخلين في العملية التجارية هامش ربح مقبول وعادل، حيث يمكن للمصنع أو الفلاح أن يحدد سعر البيع لدى المستهلك من خلال دراسة تكلفة المنتوج وبالتالي يستفيد كل المتدخلين من هامش ربح معقول.
ويرى زبدي أن تطبيق هذا الإجراء ممكن في حال تنصيب لجنة وطنية، تجتمع هذه الأخيرة، بشكل دوري لتحيين الأسعار المرجعية، التي يحددها كل من الفلاح والمصنع، وكذا ممثلي وزارة التجارة والتجار وحماية المستهلك.
وحسب زبدي فان مهمة أعوان الرقابة تكون في حال طبق هذا الإجراء أكثر سهولة خاصة في ظل وجود أسعار مرجعية للمطابقة.
وبالنسبة للمواد التي ترى المنظمة ضرورة تسقيفها، فهي، يقول محدث "الترا جزائر"، المواد الاساسية من خضر وفواكه، حيث يتم وضع جدول بأسعار الفواكه الموسيمية حسب كل فصل، وكذا بعض الخضر الأساسية مثل البطاطا والبصل والطماطم، وأسعار اللحوم الحمراء والدواجن، وبعض المنتجات الغذائية مثل القهوة والطماطم المصبرة.
وحسب زبدي، فمن الضروري أن تكون القائمة محددة وغير موسعة وبأقل أنواع المنتجات، حتى يتم التحكم فيها، وأن لا تكون قائمة تضم عشرات المنتجات لأن ذلك سيقضي على قانون المنافسة.
أطراف ترفض التسقيف
وعلى نقيض ذلك، يرى النائب عن حركة البناء الوطني علال بوثلجة إن قرار اللجوء إلى تسقيف هوامش ربح بعض المواد الأساسية الذي أعلنت عنه وزارة التجارة وترقية الصادرات مؤخرا إجراء من شأنه تعميق الأزمة، مشيرا الى أن هذه الحلول الظرفية، لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
وشدد بوثلجة على ضرورة معالجة اسباب ارتفاع الاسعار والتلاعب بها من قبل المضاربين، قبل اللجوء الى ما صفوه بالحلول الترقيعية، قائلا:" ما يحدث اليوم في السوق من مضاربة بقوت الجزائريين عمقته وزارة التجارة في عهد الوزير السابق الذي أقر اجراءات تتعلق بالحد من الاستيراد في محاولة لضبط السوق دون مراعاة الوضعية العامة".
وأدى ذلك، يضيف المتحدث إلى تذبذب كبير في السوق الوطنية، حيث تأثرت سلاسل التوزيع والتخزين والإنتاج، ما أسفر عنه نقص في بعض المنتجات وارتفاع أسعارها.
ويضيف بوثلجة، إن اللجوء إلى تسقيف الأسعار وهوامش ربح بعض المواد غير ممكن ويصعب تجسيده، خاصة في ظل عجز السلطات عن تطبيقها حتى على بعض المواد المدعمة قائلا:" سبق وأن وجدنا صعوبة في تطبيق هذه الاجراءات والدليل مادتي الحليب والسميد، كما ارتفع سعر البصل بشكل غير مسبوق شهر رمضان المنصرم".
ويشدد بوثلجة على ضرورة البحث عن حلول بعيدة عن تسقيف الهوامش التي لن تأتي بنتيجة، مشيرا إلى أن هذه الملفات المتعلقة بالتجارة تتطلب دراسة عميقة لوضعية السوق العالمية والوطنية، وكذا معرفة جيدة بوضعية المنتوج الوطني ومدى قدرته على تغطية احتياحات السوق، قائلا:" التجارة قطاع منفتح يخضع للعرض والطلب ويراعي قضية الاستيراد والمنتج الوطني واستقرار السوق".
حماية المستهلك: قرار الحكومة في حال طُبّق سيضمن لجميع المتدخلين في العملية التجارية هامش ربح مقبول وعادل
ويرى محدث "الترا جزائر" أن ضبط السوق وتسقيف الأسعار في الوقت الراهن يتطلب إعادة النظر في أسباب ارتفاعها، من خلال مراجعة سياسة الاستيراد وتموين السوق وإعادة دراسة ملف الانفتاح على السوق الدولية، مضيفا: "نحن لا ندعو الى العودة إلى ما قبل سنة 2019 والتي اتسمت بالفوضى العارمة في الاستيراد، وتضخيم الفواتير والعديد من التجاوزات، بل يجب وقف تسيير قطاع التجارة أو الصناعة بطريقة إدرارية لا تراعي واقع السوق".