17-يونيو-2024
المهيبة

صورة متداولة لمهيبة عيد الأضحى (الصورة: فيسبوك)

تأخذ عادة " المْهِيبَة" حيزا من اهتمام العائلات الجزائرية، كهدية يقدمها الرجل لخطيبته في علاقتها بالأعياد الدينية والمرتبطة بالزواج، باعتباره رابطة قوية بين شخصين وبين عائلتين، غير أنها باتت اليوم محلّ "حيرة" البعض، ورفض الكثيرين فهل تسقط هذه العادة في هذه المناسبة أمام غلاء أسعار الأضاحي وعدم قدرة البعض على شراء الأضحية؟

بدأت هذه العادة تتقلّص بسبب الظروف المعيشية، لأنها تكلف شراء هدية قوامها العطور والملابس وقطعة ذهبية في عيد الفطر، بينما يتم تعويض القطعة الذهبية بجزء من أجزاء الأضحية "الفخذ" أو " الكتف" في عيد الأضحى

تعدّ هذه العادة إحدى الممارسات التي تعبر عن الفرح لأنها مشتقة من كلمة "هبة" كما ترمز أيضا إلى الهدية، التي غالبا ما يقدمها أهل العريس للعروس في فترة الخطوبة، وتقليداً راسخا غالبا ما يأخذ موعده إما في اليوم الثاني أو الثالث من الأعياد الدينية خاصة عيد الفطر والأضحى.

وبما أنّها عادة تسبق الزواج في الجزائر، فهي ترتبط أيضا بظروف العريس وعائلته، لذا بدأت هذه العادة تتقلّص بسبب الظروف المعيشية، لأنها تكلف شراء هدية قوامها العطور والملابس وقطعة ذهبية في عيد الفطر، بينما يتم تعويض القطعة الذهبية بجزء من أجزاء الأضحية "الفخذ" أو " الكتف" في عيد الأضحى.

وتقوم والدة العريس وإخوته وحتى قريباته بزيارة لبيت العروس، وتقديم تهاني العيد مع تلك الهدية، في جو يسدوه التفاهم بين كلا الجانبين، وهي عبارة عن " تجديد العهد بالميثاق الغليظ" بين الزوجين، علاوة على تمتين العلاقة بين العائلتين.

في نظر البعض، فإن " المهيبة" من بين الممارسات الجميلة في العلاقات الأسرية التي تميز المجتمع الجزائري، كما تقول السيدة كريمة منداس، لأنها تساهم في تقريب العائلات من جهة، خاصة إن تعلق الأمر بإطار تقديم التهاني للعروس في بيت أهلها خلال فترة الخطوبة.

ومن جهة أخرى، تضيف لـ" الترا جزائر": "من شأن مثل هذه العادات أن تمكن العائلتان من التعارف بينهما، فضلا على التفاهم عن مراسم الزواج في جو يسوده الرحمة والود لاقترانها بعيدي المسلمين سواء كان مناسبة عيد الفطر أو عيد الأضحى.

وقالت السيدة منداس، " من شأن الممارسة أن توطد علاقتها بأهل الزوج وتعبيرا منهم لتقديرهم لها، بزيارتها وجعلها كأحد أفراد العائلة"، لذا فإن تكرارها ووضعها في مصاف الحقوق التي ورثتها المرأة قبل إتمام مراسم الزواج، وجزء لا يتجزأ من عدد آخر من عادات المجتمع الجزائري. 

"حق" العروس

خلال فترة الخطوبة يتفاهم العريسان على "المهيبة"، أي يبادر العريس بإبلاغ خطيبته بأن عائلته ستقوم بزيارة بيتها بعد العيد مباشرة لتقديم نصيبها من الهدية، وبذلك تتجهز لاستقبالهم، بينما لا تجد بعض الفتيات حرجا في اختيار هدية العيد.

وبخصوص "المهيبة"، فهي عبارة عن تحضير جزء من الأضحية بشكل أنيق، وغالبا ما تختار والدة العريس " الكتف" كجزء "يملأ العين" وله رمزية اجتماعية في الطقوس الجزائرية، ويتم تغليفه بإحكام بالبلاستيك، ثمّ تزيينه بمجموعة متعددة من الفواكه، وتوضع هذه المكونات في سلة مصنوعة من خشب الدوم، بينما يمكن إضافة البعض من العطور وقطع الصابون والملابس.

وغالبا ما تؤدي عائلة العريس زيارتها بمناسبة العيد للعروس في اليوم الثالث من عيد الأضحى، وهذا تحسبا للقاء الفتاة وأسرتها، إذ تتزين البنت وتتجهز لاستقبال حماتها وأخوات العريس، واستقبالهم بأبهى حلة.

غالبا ما تختار والدة العريس " الكتف" كجزء "يملأ العين" وله رمزية اجتماعية في الطقوس الجزائرية

4

المثير في الهدية المقدمة للخطيبة قبل الزواج في هذه المناسبة الدينية، أنها تستفيد إما من " الكتف" أو "فخذ الشاة" كهدية العيد، وكلاهما له مغزى في الموروث الشعبي الجزائري ومعنى اجتماعي، فبالنسبة للجزء الأول فهو يعني بالنسبة للبعض أنها ستجد "العضد" والكتف الذي يسندها في العائلة الجديدة، بينما الثاني فيفسر على كونها جزء مهم من العائلة وأصبحت تحت مسؤولية ابنهم.

بحسب البعض، يحمل هذان التفسيران نظرة إيجابية، تعود إلى الخلفية الاجتماعية الجزائرية التي تحاول من خلال هذه العادات، أن تحافظ على أواصر علاقات المحبة خاصة إن تعلق الأمر بالزواج، بينما هناك تفسير آخر للعادة عموما بأن " المهيبة"، تعني أن الخطيبة ستتذوق ملح أهل العريس قبل قدومها لبيت زوجها لتحفظه بعدما ذاقت طعامهم.

لا هدية مع غلاء الأضاحي

هل تسقط " المهيبة" بسبب غلاء أسعار الأضاحي؟ سؤال طرحه الكثيرون قبل أيام من عيد الأضحى لعام 2024، بسبب الأسعار الملتهبة التي عرفتها الأغنام المعروضة في الأواق، ما خلق جدلا كبيرا بين رواد التواصل الاجتماعي وفي المنصات، فيما صنعت " المهيبة" تهكما من حيث التعاليق على خلاف العادة في حدّ ذاتها.

في هذا الإطار، هناك من اعترض على استمرار هذه العادات التي تثقل جيوب الرجال، كما يقول فريد عطوي لـ" الترا جزائر"، مشيرا إلى أنّها تعطي انطباعا بأن تكلفة الزواج هي أكثر من مهر ومرتبطة بتنفيذ " العادات" التي أحدثها البعض في زمن ليس مثل هذا الزمن.

بينما تحرص الكثيرات على عدم التنازل عن هذه العادة، لأنها حسبهن " تقدير للمرأة في العيد"، إذ قالت وردة بلعربي إنّ " المهيبة" لا يمكن أن تسقط بسبب الغلاء، لأنها "هدية" العيد التي تقدمها عائلة العريس لخطيبة ابنهم تكريماً لها.

4

وأوضحت في حديثها لـ" الترا جزائر" بأنها أيضا زيارة يراد مها التقاء العائلتين والتقارب بينهما والتعارف أكثر قبل إتمام مراسم الزواج.

وفيما تترقب الكثيرات موعد حصولها على هذا الحقّ الاجتماعي، وبفارغ الصبر، ينتقد البعض بشدة هذه العادة، فوصفهم لـ"المهيبة" والهدف منها لا علاقة له بالقيمة المادية كجزء من الأضحية بالقدر ما هي هدية رمزية ومعنوية على توطيد العلاقة الزوجية واستمرارها أيضا.

ضريبة الزواج

يعتبر البعض أن مثل هذه العادة، تعدّ أحد الضرائب التي يدفعها الرجال قبل الزواج، لأنها مبلغ مالي يضاف إلى مجموع الأموال التي سيصرفها لأجل تنفيذ تلك العادات، كما يقول (ياسين . م) لـ"الترا جزائر"، وبذلك تطالبه كرجل أن "يفكر فيها قبل الإقدام على خطبة أي فتاة".

وأوضح قائلا بأنه مع صعوبة المعيشة وغلاء المهور وارتفاع الأسعار، تتسبّب هذه العادات في تنفير الشباب عن إتمام نصف الدين، والتراجع عن هذه الخطوة بسبب قائمة العادات التي تكلف الكثير.

وبالرغم من أن الكثيرون قد فرضوا منطقهم بالتخلي عن مثل هذه العادات، إلا أن ذلك لا يمنع الزوج من تقديم الهدايا لزوجته بعد الزواج، ولا يجب أن ترتبط "الهدية باعتبارها بلسم العلاقة الزوجية بين كلا الطرفين" بعادة وكفى.

مسؤولية

بالرغم من التكاليف، وارتباطها بغلاء المهور، إلا أن الكثيرون ينظرون بمنظور إيجابي لمثل هذه العادة، لأنها تحمل رمزية إذ تدل على كرم العائلة الجزائرية، من جهة، وتعويده على تقديس العلاقة الزوجية، وتحمل المسؤولية من جهة أخرى، لأن المرأة ستكون زوجته ومن واجبه الإنفاق عليها، ويحسب لها حقها في مثل هذه المناسبات، في مقابل أنه يزيد من تقديرها.

ولأنها ارتبطت بالهبة والهدية، يقول الأنثروبولوجي إبراهيم جلاب، إنها صارت عرفا عبارة عن حق المرأة على الرجل، في فترة الخطوبة، وهو بذلك يُوهب للفتاة في الأعياد والمناسبات الدينية، قبل أن تزف إلى بيت زوجها.

وأضاف في تصريح لـ" الترا جزائر" بأنها جزء من إبراز المحبة والود بين العائلتين وبين العروسين أيضا، وتقديم لها نصيبها مما احتفلت به عائلة العريس.

كما يرى أن هناك عادات مازالت تمارس في الجزائر، تزيد من المحبة وأواصر الود في علاقة بالزواج، لكن بشرط أن تبتعد عن المغالاة وإثقال كاهل الرجل بمصاريف قبل الزواج، وهو ما يفرض التخلي عنها أصبح ضرورة؛ في بعض الحالات في ظلّ غلاء المعيشة وارتفاع تكلفة الزواج.

بحسب البعض، يحمل هذان التفسيران نظرة إيجابية، تعود إلى الخلفية الاجتماعية الجزائرية التي تحاول من خلال هذه العادات، أن تحافظ على أواصر علاقات المحبة خاصة إن تعلق الأمر بالزواج، بينما هناك تفسير آخر للعادة عموما بأن " المهيبة"، تعني أن الخطيبة ستتذوق ملح أهل العريس قبل قدومها لبيت زوجها لتحفظه بعدما ذاقت طعامهم.