15-يوليو-2019

مشهد مطل على ميناء الجزائر العاصمة (فيسبوك)

هيْمَنَ على خارطة المنشورات الفيسبوكيّة، خلال اليومين الأخيرين، شغفُ قطاع واسع من الفسابكة الجزائريّين، باستعمال تطبيق "فيس آب" على فيسبوك، والذّي يُتيح لهم معرفة ملامحهم بعد عقود من الزّمن. وهو شغف مبرّر مهما كانت دوافعُه. لكنّه يضعنا أمام نخبة من الأسئلة.

هل يجرؤ من يحكمون البلاد اليوم على استعمال تطبيق "فيس آب" ؟

أوّلًا: هل يستطيع من يتقصّدون إعادة المشهد الجزائريّ إلى الماضي أن يُفلحوا في ذلك، في ظلّ اندفاعةٍ شبهِ جماعيّةٍ إلى معرفة الواقع في المستقبل؟ ذلك أنّنا لا نستطيع أن ننفي دور الفضول الإنسانيّ العفوي في دفع الجزائريّين إلى استعمال هذا التّطبيق، لكنّنا في المقابل لا نستطيع أن ننفي أنّ هذا الاندفاع هو ثمرة لرغبة جماعيّة في الذّهاب إلى المستقبل لا إلى الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: هل سيكون عبد المجيد تبون الرئيس القادم؟

ثانيًا: هل يجرؤ من يحكمون البلاد اليوم على أن يستعملوا هذا التّطبيق، علمًا أن معدّل أعمارهم 76 سنة؟ أي أنّها ستتجاوز 100 سنة، بعد ثلاثين عامًا؟ فكيف يحقّ لمن لا يستطيع أن يكون موجودًا في مستقبلنا أن يحدّد لنا ملامحَه؟ فعمر رئيس الشقّ المدني من الدّولة عبد القادر بن صالح ورئيس الشقّ العسكريّ منها يقترب أو يتجاوز العقد الثّامن.

ثالثًا: معظم من استعملوا التّطبيق أبدوا رضاهم عن ملامحهم المستقبليّة، التّي حدّدها لهم التّطبيق. فهل يرضون عن ملامح مستقبل البلاد، التّي تريد جماعة معيّنة أن تنفرد بتحديدها خارج الإرادة الشّعبيّة؟ بمعنى أوضح: هل يتقبّلون أن يتولّى التّطبيق العسكري القائم في الميدان، مجسّدًا في شخص رئيس أركان الجيش مهمّة تحديد ملامح البلاد بعد عقود، مثلما رضوا بتولّي التّطبيق التكنلوجيّ مهمّة تحديد ملامح وجوههم مستقبلًا؟

رابعًا: لم يُعطِ التّطبيق لنفسه الحقَّ في تحويل صور الأطفال الصّغار. فلماذا نسي من يحكم البلادَ هؤلاء الأطفال، الذين يقول المعهد الوطنيّ للإحصاء أنّهم يبلغون 16 مليونًا من بين 43 أربعين مليون هم سكّان البلاد، وراحوا يرسمون لهم كيف يعيشون في المستقبل؟ مع ضرورة الانتباه إلى الفرق بين "أن يرسموا لهم بماذا يعيشون" و"أن يرسموا لهم كيف يعيشون؟". لماذا تتدخّل المؤسسة العسكرية حين يتعلّق الأمر بكيفية العيش، أي تحديد طبيعة النّظام، التي هي في الأصل من صلاحيات الشعب، ولا تفعل حين يتعلّق الأمر بطبيعة تسيير الاقتصاد، حتى أن هذه الخرابات، التّي أدخلت بعض وجوه العصابة بسببها، كانت تحت مسمعها ومرآها.

خامسا: لا شكّ في أنّ أبناء الوجوه، التّي تعرقل فرصة التحوّل والتّغيير اليوم، سيشبهون آباءهم بعد استعمال التّطبيق. أفلا تفكّر تلك الوجوه المعرقِلة في اللّعنات، التّي ستصيب أولادَهم غدًا؟

ما نعيشه اليوم هو نتيجة قرارات مصيرية اتخذها مسؤولون خارج الإرادة الشعبية

ما أحوجنا إلى تطبيق يُمكّننا من معرفة ملامح البلاد، بعد ثلاثين سنة، بصفتها ستكون ثمرةً لتشويه الملامح والإرادات والطّموحات اليوم. تمامًا كما هي ملامحها اليوم ثمرة للتّشويه، الذّي حصل قبل عقود.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رئيسا حكومة في السجن.. القضاء الجزائري يسابق الزمن

الحراك الشعبي في الجزائر.. سياسيّون على دكّة الاحتياط