17-يناير-2024
 (الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

تتجه وزارة العدل في الفترة القادمة إلى توفير خدمة التقاضي الإلكتروني رسميًا لمختلف الفاعلين في مختلف الملفات العدلية، وهو ما سيشكل خطوة متقدّمة في برنامج عصرنة القطاع الذي تم الانطلاق فيه منذ سنوات، غير أن الوصول إلى تحقيق الغايات المرجوة  من هذه الخطوة قد يصطدم بإشكالات متعددة تتعلق في برفض بعض المتقاضين للمحاكمات التي تتم عن بعد.

المحامي يوسف بودينة لـ "الترا جزائر": معالجة ملف الإنترنت يظل يشكل جانبًا أساسيًا بالخصوص في المحاكمات التي تتم عن بعد

ساهمت الفترة التي عاشتها الجزائر خلال جائحة كورونا، في لجوء المؤسسات القضائية للمحاكمات عن بعد، إلّا أن تحقيق التقاضي الإلكتروني في جميع جوانبه كان يحتاج وقتها لمزيد من الإجراءات التي وصلت اليوم إلى مراحلها النهائية.

التقاضي الرقمي

في هذا السياق، شدد الرئيس عبد المجيد تبون خلال افتتاحه السنة القضائية الحالية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على ضرورة " بذل المزيد من الجهود للرفع من وتيرة الفصل في القضايا واستكمال مشروع التحول الرقمي والاستفادة من آليات التقاضي الإلكتروني والعمل على إدخال المرونة في الإجراءات القضائية وتبسيطها"، وذلك بهدف تقليض مدة معالجة القضايا لأن "المحاكمات التي تستمر لسنوات تولد الشعور بعدم الرضا لدى المواطن وتطيل معاناته لاستعادة حقوقه".

وكشف الأمين العام لوزارة العدل محمد رقاز الجمعة الماضي أثناء إلقائه كلمة في الملتقى الدولي الذي حمل عنوان "المحامي والتقاضي الرقمي.. تحديات وتطلعات"  إنه قد "تم منذ حوالي سنة انطلاق تجربة التقاضي الإلكتروني في الدعاوى المدنية ببعض المجالس القضائية، حيث تم تعميمها مؤخرًا من خلال الشروع في اعتماد هذه الوسيلة في كافة الجهات القضائية كوسيلة أساسية في العمل القضائي في جميع مراحله".

وشدد رقاز "على المتعاملين مع قطاع العدالة من قضاة ومحامين ومحضرين قضائيين وغيرهم أن يرفعوا الوعي حول أهمية إدخال الوسيلة الإلكترونية لساحات القضاء والاعتماد عليها لتحسين أداء المرفق القضائي".

وبين الأمين العام لوزارة العدل أن هذه الوسيلة "تسهل على المحضرين القضائيين والمحامين القيام بالمهام المنوطة بهم من خلال الحد من تنقلاتهم إلى مقرات الجهات القضائية لإيداع واستخراج مختلف الوثائق، وتمكينهم من متابعة قضاياهم من مكاتبهم, علاوة على تقليص المصاريف التي يتحملونها عند استعمالهم للوسائط الإلكترونية بدلا عن الدعامة الورقية".

وقال المحامي يوسف بودينة لـ"الترا جزائر"، إن عملية التقاضي الإلكتروني بالشكل الكامل لم تنطلق بعد لكنها في مرحلتها الأخيرة، حيث طلبت الوزارة من المحامين تقديم معلوماتهم وملفاتهم الكاملة لتحضير الشفرات الخاصة بكل محامٍ، والتي ستسمح له عند اكتمال قاعدة البيانات المطلوبة، بتقديم الشكاوى وملفات التقاضي عن بعد دون التنقل إلى المحاكم سواءً من طرف المتقاضي والشاكي نفسه، أو بتكليف دفاعه بالقيام بذلك.

وهنا، شدد ممثل وزارة العدل على ضرورة "تسجيل في الأرضية الرقمية للانخراط في عملية التقاضي الإلكتروني".

وبين بودينة أنه يجب التفريق بين عصرنة قطاع العدالة والتقاضي الإلكتروني، لأن عملية العصرنة تم الشروع فيها منذ سنوات، والتي أصبحت تمكن اليوم المواطن من استخرج شهادة السوابق العدلية على سبيل المثال افتراضيًا دون التنقل إلى المحكمة كما كان يتم سابقًا.

ويدرج المشرع الجزائري التقاضي الإلكتروني ضمن محاور مشروع عصرنة العدالة، فقد تم الحديث عنه  سنة 2015 بموجب القانون رقم 15-03 المتعلق بعصرنة العدالة، بعنوان المحاكمة المرئية عن بعد.

هنا، تقول الأستاذة صورية غربي في مقال نشر بـ"المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية إنه " لم يتم العمل بهذه التقنية على نطاق واسع، إلا خلال سنة 2020 كوسيلة حتمية فرضها وباء كورونا لاستمرار النشاط القضائي، حيث تم تفعيل هذه الأخيرة بموجب الأمر 20-04 المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية. ورغم المجهودات المبذولة من طرف وزارة العدل لأجل التطبيق الأمثل لنظام التقاضي الإلكتروني".

أما الحقوقي يوسف بودينة فيرى أنه من الواجب التفريق بين التقاضي الإلكتروني كمفهوم واسع والمحاكمات عن بعد التي تتعلق بجزء واحد من العملية القضائية تتمثل في المحاكمات، مبينًا في حديثه مع "الترا جزائر" أن التقاضي الإلكتروني يتعلق فقط  بالشق المدني، أما الجانب الجزائي فيتم حضوريًا سواءً عن بعد أو داخل المحكمة.

شروط التقاضي الإلكتروني

رغم التقدم المسجل في التوجه نحو تحقيق التقاضي الإلكتروني الكامل، إلا أنه يبقى مربوطًا ببعض الشروط، ومنها تفعيل التوقيع الإلكتروني على سبيل المثال، مثلما يرى  المحامي يوسف بودينة.

أما الأستاذة صورية غربي فترى أن تنفيذ التقاضي الإلكتروني على "أرض الواقع وتعميمه على مستوى جميع الجهات القضائية يظلّ أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا، بسبب ضعف التنظيم التشريعي الذي ينظم الإطار الإجرائي لها ومختلف النظم المرتبطة بالتقاضي الإلكتروني، وكذا ضعف الآليات الفنية والتقنية التي تسيره".

لكن المختصين في مجال التقنية يعتقدون أن الجانب التقني أصبح متاحًا في الوقت الحالي، حتى فيما تعلق بتدفق الإنترنت  بنسب عالية، إنما المطلوب فقط توفير التطبيقات اللازمة للعملية  من خلال توفير الأجهزة اللازمة والقضاء على الانقطاع في الانترنت.

إلى هنا يعتقد المحامي يوسف بودينة أن معالجة ملف الإنترنت يظل يشكل جانبًا أساسيًا بالخصوص في المحاكمات التي تتم عن بعد، حيث لا يستطيع القاضي في بعض الأحيان سماع  المتهم بالشكل اللازم، وهو ما قد يحدث تخوفا بشأن عدم جمع الأدلة اللازمة.

 وبين بودينة أن معظم المتهمين ودفاعهم يرفضون المحاكمات عن بعد، والتي قل عددها اليوم مقارنة بما كان يتم وقت جائحة كورونا، حيث أصبحت تقتصر في الغالب على الاستماع لشهود أو متهمين من خارج الولاية لتجنب معاناة التنقل.

الأستاذة صورية غربي لـ "الترا جزائر":  تنفيذ التقاضي الإلكتروني على أرض الواقع وتعميمه على مستوى جميع الجهات القضائية يظل أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا

وأشار بودينة إلى أنه حتى في الدول المتقدمة التي قطعت أشواطًا متقدمة في التقاضي الإلكتروني، ما تزال تعتمد المحاكمات الحضورية وتتجنب الجلسات عن بعد بالنظر إلى أن حضور المتهم توفر دلائل إضافية للدفاع والقاضي تتعلق بإيماءاته وحتى بالنسبة للشهود، والتي قد تغير مسار المحاكمة وتساعد في كشف الحقيقة مقارنة بالمحاكمة الافتراضية.