17-أغسطس-2019

يلتحق كثير من الجزائريين بالأسرة الكبيرة عشيّة العيد (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

حالة أولى

كلّ عضو في شاة العيد يقابله عضو في جسد الطّفل. وتكبر أعضاء الطّفل الجزائريّ مهدّدة يوميًّا بإحدى هذه العبارات من طرف الكبار: نجيك ننسفلك ريتك. ناكلّك كبدتك. نجبدلك قلبك. نبعجلك فّادك. نكسّرلك راسك. نفقسلك عينيك. نّحيلك وذنيك. نحشلك رجليك. نّسّلّك شعرك. نقطعلك لسانك. نجبدلك مصورك. نحمّرلك خدّك. نكسّرلك يدّك. نقتلك. نذبحك. نشويك.. الخ.

إذا أردنا أن نعرف مدى انتشار العنف في مجتمع ما، فعلينا أن نرصد عبارات التّهديد الموجّهة لأطفاله

فدا اللّه سيّدنا إسماعيل عليه السّلام بكبش عظيم، حتّى لا يذبحه أبوه. فلماذا يهدّد الأب الجزائريّ اليوم أولاده بالذّبح؟ وإذا كان يجد في ذبح شاة العيد سندًا شرعيًّا، فهل يملك هذا السّند في تهديد ولده بذلك؟

اقرأ/ي أيضًا:"العيد الكبير".. فرحة غير مكتملة في ديار الغربة

إذا أردنا أن نعرف مدى انتشار العنف في مجتمع ما، فعلينا أن نرصد عبارات التّهديد الموجّهة لأطفاله. ونحن من هذا الباب معاصرون على مستوى الوجود، لكنّنا بدائيّون على مستوى التّعامل.

الحالة الثانية

لا أحتاج إلى أن أكون مفتيًا حتّى أقول إنّه لا تستقيم تهنئة القريب في القرب، من خلال ما وجد لتقريب البعيد. فالهاتف وفيسبوك وُجدا لتقريب البعيد. واستعمالهما في تهنئة من هو قريب وجدانًا ومكانًا إشارة على استبعاده. هذا إذا أردنا فعلًا أن نحقّق المعنى الإنسانيّ والاجتماعيّ والعائليّ والدّينيّ للعيد. أمّا إذا أردنا اتّخاذه فرصة لأكل اللّحم فقط، فسوف تصبح مكالمة أو رسالة كافية للقيام بالواجب، مع من يجب أن نسخّر له الأحضان والخطوات.

وعلينا الانتباه إلى أنّ قطاعًا واسعًا منّا بدأ يتصالح مع هذا الوضع ويتقبّله ويتفهمه، من ذلك أن نجد شخصًّا مسنًّا يقول إنّه تلقّى مكالمة من ولده، بنبرة أنّه لم ينسه أو يتجاهله. كما أنّه علينا الانتباه إلى أنّ الجزائريّين ليسوا سواء في هذا. فالمواطن المزابيّ (نسبة إلى منطقة بني مزاب على مداخل الصّحراء) لا يزال يرى في الاحتكاك المباشر بالأسرة الصّغيرة والكبيرة، خلال الأعياد والمناسبات الحميمة، أمرًا غير خاضع للظّروف مهما كانت قاسية.

كما أن نسبة كبيرة من المواطنين الأمازيغ، ممّن يسكنون مع أسرهم الصّغيرة، يلتحقون بالأسرة الكبيرة في القرية عشيّة العيد. حصل هذا مع كلّ الأسر الأمازيغيّة في الحومة التّي أقيم فيها.

ما أردت الوصول إليه أنّنا مطالبون بالالتفات إلى مظاهر التفكك في نسيجنا الاجتماعيّ العامّ. وإدراك ضرورة وضع "الواقي من الصّدمات"، حتّى لا تفوتنا ثمار المجتمع المدنيّ المختلف أطرافًا لكنّه متماسك أعرافًا.

كباش العيد تتواصل فيما بينها من الشّرفات. الجيران لا يتبادلون الحديث بينهم

حالة ثالثة

كباش العيد تتواصل فيما بينها من الشّرفات. الجيران لا يتبادلون الحديث بينهم. يا أيّها الجزائريّون. لنضحّ بأنانياتنا قبل أن نضحّي بالشّياه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الهيدورة".. تقاليد جزائرية قرب النسيان

أشهر أطباق العيد.. حين تتحوّل الأضحية إلى قائمة وجبات دسمة