سياسة

جانفي 1992 في الجزائر.. في ذكرى "الإنزلاق" السياسي والتصعيد الأمني

12 يناير 2024
GettyImages-857725540 (1).jpg
(الصورة: Getty) ضابط جزائري يتحقق من هويات مواطنين سنة 1992
عمار لشموت
عمار لشموتكاتب من الجزائر

عند ظهيرة يوم الحادي عشر من شهر كانون الثاني/جانفي سنة 1992، وعند مدخل مقر وكالة الأنباء الجزائرية بشارع زيغود يوسف، تتوقّف سيارة مرسيديس سوداء اللون تحمل لوحة مصالح رئاسة الجمهورية، ينزل منها عون تابع مصالح الرئاسة، ليسلّم مدير وكالة الأنباء عند مكتبه ظرف بريدي عليه ختم (سري - Confidentiel ).

كان الشارع الجزائري والمشهد السياسي يعرفان غليانًا وتوترًا كبيرين فجاء قرار استقالة الشادلي ليضيف إليهما عقيدات سياسية وقانونية وأمنية

وفي نشرة الثامنة مساء ذلك اليوم، بُثت أخبار وصور ومقاطع فيديو للرئيس الشاذلي بن جديد، جالسًا على أريكة مكتبه بجانبه رئيس المجلس الدستوري، عبد المالك بن حبيلس، مُسَلِمًا إياه ظرف رسمي تحمل رسالة إعلان استقالة الشاذلي من منصبه بصفته رئيسًا للجمهورية.

 إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد النيابية في الجولة الأولى المنعقدة في 26 ديسمبر/كانون الأول سنة 1991، كان الشارع الجزائري والمشهد السياسي يعرفان غليانًا وتوترًا كبيرين، فجاء قرار الاستقالة ليضيف إلى المسرح السياسي تعقيدات سياسية وقانونية وأمنية، وجاءت ردود الفعل الطبقة السياسية متباينة، فيما رحبت تيارات سياسية بقرار التنحي الطوعي، وبين فريق سياسي أعلان أن قرار استقالة يُعد بمثابة انقلاب سياسي وعسكري على الشرعية الدستورية.

ما بعد 11 جانفي

في يوم الموالي أي في الـ 12 جانفي/ كانون الثاني 1992 ، استفاق الجزائريون على تمركز وحدات عسكرية على أهم محاور العاصمة ومداخل المدن الكبرى، مقر الحكومة بشارع الدكتور سعدان، مقر التلفزيون والإذاعة بشارع الشهداء، وزارة الدفاع الوطني الواقعة بطڨارة بأعالي العاصمة، وكذا مقر رئاسة الجمهورية بالمرادية، ومختلف الوزارات والمقرات الرسمية شَهدت تطويق أمني وحراسة عسكرية مشددة وأغلق بعض الممرات والطرقات.

أعلن رئيس الحكومة آنذاك أحمد غزالي في تصريح تلفزيوني، أن تمركز الوحدات العسكرية والاستعانة بالجيش جاء بطلب من الحكومة لضبط الأمن العام والحفاظ على النظام العام وسير المؤسسات، وفي اليوم نفسه أصدرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بيانًا تحذّر فيه من مخاطر تبعات قرار الاستقالة، أو إعاقة مواصلة العملية الانتخابية، أي الجولة الثانية من الانتخابية التشريعية التي فازت الجبهة بـ 188 مقعدًا من أصل 430 معقد نيابي.

الفراغ المؤسساتي

يوم 13 جانفي/ كانون الثاني سنة 1992، يُعلن عبد المالك بن حبيلس رئيس المجلس الدستوري وقتها، عن الفراغ المؤسساتي، نتيجة ثغرة قانونية، إذ الدستور ينصّ أن رئيس المجلس الشعبي الوطني هو من يتولّى منصب رئاسة الدولة وتحضير انتخابات رئاسية مسبقة في حال شغور منصب رئيس الجمهورية.

قبل ذلك، وفي الـ 30 من شهر كانون الأوّل/ ديسمبر سنة 1991 وفور إعلان عن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، حُلّ المجلس الشعبي الوطني رسميًا، وبالتالي لا يمكن أن يتولى شؤون الدولة رئيس المجلس الدستوري الذي يُعتبر أعلى هيئة دستورية، وعلى ضوئه لاحظ المجلس الدستوري استحالة مواصلة المسار الانتخابي حتى تتوفر الشروط الضرورية للسير العادي للمؤسسات.

المجلس الأعلى للأمن يتدخل

يوم 12 كانون الثاني/جانفي سنة 1992، قرر المجلس الأعلى للأمن التدخل وأصدر في بيان له أنه يتكفّل بكل قضية من شأنها المساس بالنظام العام وأمن الدولة، ويعلن أنه سيجتمع في دورة مفتوحة لأداء التزاماته حتى تتوصّل الهيئات الدستورية إلى إيجاد حل لشغور منصب رئاسة الجمهورية

وفي  الـ 14 من الشهر نفسه، وبموجب سدّ شغور منصب رئيس الجمهورية، وأمام حل المجلس الشعبي الوطني، عمد المجلس الأعلى للأمن إلى إنشاء جهاز بالإنابة يتمتّع بكل السلطات والصلاحيات التي يخوّلها الدستور لرئيس الجمهوري، حيث أُطلق عليه اسم "المجلس الأعلى للدولة"، وهو مُكون من شخصيات تاريخية وعسكرية ودينية وحقوقية، هما محمد بوضياف وعلي كافي رئيس منظمة المجاهدين، خالد نزار وزير الدفاع الوطني وتيجاني هدام عميد مسجد باريس وعلي هارون وزير لحقوق الانسان في حكومة سيد أحمد غزالي.

عودة محمد بوضياف

بعد يومين، وفي الـ 16  من شهر كانون الثاني/جانفي 1992، أدّى محمد بوضياف اليمين الدستوري، قادمًا من منفاه في المملكة المغرية الذي دام 28 سنة، وشن خلال فترة رئاسته القصيرة هجومًا شرسًا على الفساد وحالة "لا دولة" كما تعهد أن يمد يده للجميع.

في الـ27 من شهر كانون الثاني/جانفي 1992، وفي ظلّ تطوّر الأوضاع السياسية والأمنية، أعلنت الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن رفضها لتوقيف المسار الانتخابي، ودعت جبهة القوى الاشتراكية إلى العودة إلى المسار الديمقراطي، وتحت قيادة عبد الحميد مهري تراجعت جبهة التحرير الوطني عن تأييد خيارات السلطة وطالبت بضرورة تهدئة الأجواء السياسية وعدم التصعيد السياسي والأمني.

بداية المواجهة والتصعيد

أصدر المجلس الأعلى للدولة أولى قرارته في 19 من شهر كانون الثاني/جانفي 1992 واضعًا خارطة طريق للعودة إلى المسار الطبيعي للمؤسسات، وتحضير أرضية لذلك وتوفير الشروط الضرورية للسير العادي للمؤسسات.

وتعليقًا عن تلك الفترة كتب الحقوقي سعيد بو الشعير : "أنشئت مُعتقلات وزجّ بالكثير من المواطنين فيها دون ضمان حقوقهم في محاكمات عادلة، ومكثوا في تلك المعتقلات لمدة طويلة قبل أن يُطلق سراحهم دون محاكمة، وذنبهم الوحيد انضمامهم لحزب سياسي معترف به مما زاد في تأزم الوضع الأمني".

بو الشعير: أنشئت مُعتقلات وزجّ بالكثير من المواطنين فيها دون ضمان حقوقهم في محاكمات عادلة

وأضاف بو الشعير: "اشتدت الفتنة ونجم عن ذلك من سقوط أرواح بريئة وخسائر مادية وأثار نفسية خطيرة أصابت البنية الاجتماعية للمجتمع، واستفحلت بفعل التعامل الاستئصالي للسلطة، في مواجهة الإجرام الدموي للحركات المسلحة المناوئة للسلطة إلى أن بدأت بوادر طيبة تلوح في الأفق".

 

 

 

 

 

الكلمات المفتاحية

 الزبير بن بردي

حوار| الزبير بن بردي: فلسطين كانت في صلب اهتمام الجزائريين حتى خلال فترة نضالهم ضد الاحتلال الفرنسي

ما يزال هول الإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرض إليها فلسطين منذ أكثر من عام ونصف يشد انتباه الجزائريين، وبالخصوص الأكاديميين المتخصصين الذين لاحظوا أوجه تشابه كثيرة بين نضال الشعب الفلسطيني وحركة التحرر الجزائرية، لذلك ازدادت المؤلفات التي تتناول قضية العرب الأولى خلال هذه الفترة، ولعل آخرها كتاب ""قضية فلسطين في كتابات أحمد توفيق المدني والفضيل الورتلاني" لمؤلفه الدكتور الزبير…


عبد الرزاق مقري.jpg

على خلفية تعيين عسلاوي وزكريا بلخير.. سجال سياسي وأيديولوجي بين مقري والأرسيدي

اندلع سجال سياسي وأيديولوجي حاد في الجزائر، بين حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المعروف بتوجهه العلماني، وبين الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، بعد تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان.


السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو

سفير فرنسا السابق في "إسرائيل" يردد أطروحات استعمارية حول تاريخ الجزائر.. وحسني عبيدي يرد عليه

أعاد السفير الفرنسي الأسبق لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل"، جيرار أرو، ترديد أطروحات اليمين الفرنسي المتعلقة بتاريخ الجزائر، في موقف أثار ردود فعل مستنكرة بالنظر لتاريخ هذا الدبلوماسي المثير للجدل.


زكريا بلخير

الأرسيدي يهاجم تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية.. هل عاد الصراع الأيديولوجي على المدرسة؟

وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، تعيين نائب إسلامي على رأس لجنة التربية في البرلمان بأنه "إهانة لروح الجمهورية"، داعيا للوقوف في وجه هذا "الانحراف الخطير".

بوضياف
راصد

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين

في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

الارسيدي
راصد

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض

أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.


تبون ماكرون_0.png
أخبار

المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية: لا نقدم أي مساعدات للجزائر التي ترفض الاقتراض

وضع المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، ريمي ريو، حداً لما وصفه بـ"الجدل المفتعل" حول مزاعم المساعدات الفرنسية السنوية للجزائر، في ظل ترويج اليمين المتطرف المتكرر لهذه الفكرة داخل فرنسا.

بن سعيد
أخبار

مُفجّر قطارات باريس.. من هو بوعلام بن سعيد الذي ستُسلّمه فرنسا للجزائر؟

ينتظر أن تتسلم الجزائر، مطلع شهر آب/أوت المقبل، الإرهابي بوعلام بن سعيد، أحد أبرز عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، بعد أن قضى قرابة ثلاثين عاماً في السجون الفرنسية، عقب إدانته بتفجيرات دامية هزت باريس صيف عام 1995.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الفنان مداني نعمون في ذمة الله.. الجزائريون يودعون بتأثر "عمّي برهان"


2
مجتمع

تسعير الولادة حسب جنس المولود .. جدل يغزو مواقع التواصل ومختصون يوضحون


3
أخبار

شهادة الجنسية للمغتربين دون عناء التنقل للجزائر.. هل زال العبء البيروقراطي عن الجالية؟


4
رياضة

جوان حجّام يقترب من "الذئاب".. نادٍ إنجليزي عريق يراقبه عن كثب


5
أخبار

50 وفاة و6 آلاف تدخل.. حصيلة مخيفة لحوادث المرور والغرق في أسبوع