12-أغسطس-2022
جمال "فودي" (فيسبوك/الترا جزائر)

جمال "فودي" (فيسبوك/الترا جزائر)

يعتبر كثيرون المطبخ الجزائري من أغنى المطابخ العالمية، كما أنه يتميز باختلاف نكهات أطباقه التي تواكب تعدد الثقافات الموجودة في الجزائر، أطباقٌ متوسطية وأخرى بنكهات صحراوية، إفريقية وبربرية، غربية وشرقية، جنوبية وشمالية، تحتضنها هضاب وجبال وسهول وكثبان مترامية تخفي في قلبها وصفات لا تنتهي، وكل وصفة منها تحكي قصة تنفرد بسحرها، كما تجمع بينها صفات المشاركة والمقاسمة التي لا يحلو دونها أي طبق جزائري.

اشتهر جمال "فودي" بفيديوهات حيوية يحتفي فيها بالمطبخ الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي

من قلب هذا الغنى، آثر الشيف جمال فودي، أن تكون انطلاقته الأولى نحو العالم، حيث فضل هذا الشاب دومًا التمسك بجذوره التي ما تزال تربطه بالجزائر، رغم أنه تربى بعيدًا في بلد أوروبي،  لكنه ما يزال يؤكد في كل ظهور له على اعتزازه بهذه الأصول وعلى حبه الكبير للطبخ الجزائري الذي منحه حب التجربة والاكتشاف.

من هو جمال "فودي"؟

يُعَدّ الشاف جمال شابًّا طموحًا وبشوشًا من أصول جزائرية، وهو مقيم في أوروبا، اشتهر منذ سنوات قليلة بفيديوهات الطبخ الحيوية التي يحتفي فيها بالمطبخ الجزائري بكل غناه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

جمال "فودي"

ينحدر والد جمال من ولاية بجاية، أما والدته فبسكرية الأصل، وقد عشق هذا الشاب الطهو وأحب كثيرا تجارب التذوق لمختلف أنواع الأكلات الطيبة منذ طفولته ما زاده شغفا بهذا المجال.

 عاش جمال في مدينة ليون الفرنسية وانتقل منها إلى لندن حيث نقل إقامته بداية من سنة 2009، ثم صار مؤخرا يعيش ويعمل بين مدينتي ليون ولندن منذ سنة 2020.

أثر الوالدة

تأثر الشاب جمال بوقفة والدته في المطبخ، فقد كانت هي الشخص الأول الذي تعلم منه أولى أصول الطبخ، كما تعرف معها على مختلف الأطباق التقليدية، خاصة البسكرية منها ذات التوابل الكثيرة والنكهة الحارة.

جمال "فودي"

يعترف الشاف جمال بأن والده لم يحب يومًا رؤيته واقفًا في المطبخ، فهو يعتبر ذلك مخصصًا للنساء فقط، مع ذلك، كان الوقت المفضل في اليوم لجمال وهو طفل أثناء وقفته تلك وهو يراقب والدته في المطبخ، حيث كانت تصنع حبات الكعك الجزائري بأشكاله المبهرة والمختلفة وكأنها تحف فنية، إضافة إلى متابعته لمراحل طهو شتى الاطباق التقليدية التي تميزت بطقوسها وتقنياتها الدقيقة والفريدة.

كان والد جمال يخرجه دائمًا من المطبخ عنوة، وأحيانًا كان يضطر إلى ركله على مؤخرته لكي لا يكرر فعلته تلك، لكن جمال أصر على مواصلة اتباع شغفه ذاك، وصار يتسلل إلى المطبخ في غياب الأب، وبفضل حنان والدته وطقوسها الجميلة في المطبخ، تمكن جمال من إتقان العديد من الوصفات التي يمتعنا بها الآن عبر فيديوهاته التي تحصل على أعلى المشاهدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة طبقه الشهير (الشخشوخة البسكرية) التي تبدو سهلة الانجاز لناظرها، لكن تقنياتها وطقوسها كثيرة ومميزة.

جمال "فودي"

بعد تعلم الطبخ في المنزل، اتجه جمال إلى تحسين مهاراته المطبخية عبر الاحتكاك بالمطبخ الفرنسي والإنجليزي واللاتيني، إضافة إلى تعلم الوصفات الآسيوية والأسترالية من خلال سنوات من السفر والاكتشاف عبر العالم.

هل يقبل الطبخ الجزائري التجديد؟

يحاول جمال من حين إلى آخر أن يدخل لمساته وتعديلاته الخاصة على بعض الأطباق التقليدية التي يصر الجزائريون على الحفاظ على وصفاتها الأصلية، ويقول عن ذلك بأنه يهوى التجارب الجديدة وإدخال بعض النكهات التي قد تضفي ذوقا ونكهة أقوى، كما أنه يحاول في كل مرة اكتشاف تزاوجات عديدة للوصفات من عدة مطابخ مختلفة، لكن هذا لا يمنعه من احترام الوصفات الأصلية للأطباق التي تميز المطبخ الجزائري، كما أنه يتقبل بصدر رحب كل الانتقادات والتفاعلات السلبية مع هذه التغييرات والتجارب المطبخية، ويحترم آراء أصحابها الذين يحاولون الحفاظ على هوية خاصة بالموروث المطبخي الجزائري.

هل يزور جمال الجزائر؟

يعترف جمال بأنه لا يزور الجزائر بشكل دائم ومنتظم، لكن شخصية الشاب المتعلق بنكهات البلاد الغنية بارزة جدا في فيديوهاته الخاصة بالطبخ، لهذا فهو ينوي قريبا زيارة البلاد وتجربة نكهات أطباقها التي تميز كل منطقة فيها، كما أنه لا يحبذ أبدا تفضيل مطابخ أي منطقة معينة عن أخرى، ويعتبر كلا منها متميزة جدًا، فبصفته شاف مبتكر لعدة وصفات بسيطة ولذيذة، يعشق تجربة كل ما هو مختلف وجديد، مع ذلك، ما يزال جمال وفيًا لطبق الشخشوخة البسكرية التي تعلمها عن والدته وعشق نكهتها الفريدة منذ صغره ويعتبرها من أحسن الأطباق في العالم.

نكهات لا تجدها في مكان آخر 

بما أن المطبخ الجزائري يتميز كثيرًا بغناه المستمد من ثروات الأرض والبحر، فإن أذواق مطهواته المتفردة قد لا تجدها في مكان آخر، وعن ذلك، يقول الشاف جمال بأنه من غير الممكن أن نجد هذه النكهات الغنية في مكان آخر، حتى لو تمت إعادة طبخها بنفس الخطوات ونفس المواد، فالجزائر حسبه تنفرد بطرقها الخاصة في ذلك، كما أن أراضيها غنية بالمنتجات الزراعية الطبيعية، على عكس الدول الأوروبية التي طورت في زراعة العديد من الخضر والفواكه ما أفقدها نكهتها الطبيعية، لكن هذا لا يمنع حسبه وجود تقاطعات عديدة بين الأذواق والنكهات التي قد تشترك فيها عدة دول.

جمال "فودي"

الطبخ الخيري

عندما نشاهد الفيديوهات الخاصة بالشاف جمال تلفت انتباهنا تلك السلسلة التي اشتهر بها كثيرًا على فيسبوك وانستغرام، حيث كان يقوم بطهو أطباق تقليدية جزائرية بكميات كبيرة وتقسيمها على شكل وجبات فردية، وكان يستغل لذلك سيناريوهات قصيرة لشخصيات شهيرة من نجوم السينما أو شخصيات عامة لإضفاء بعض من التشويق والحماسة لتلك الفيديوهات، وهو ما جعلها ناجحة بشكل كبير.

عن ذلك، أَسَرَّ لنا جمال بعد جهد بأنه يطبخ بانتظام كل أسبوع للأشخاص المعوزين والمتشردين منذ سنة 2010، ولولا سؤالنا عن ذلك، كان هذا الشاب يفضل أن يحتفظ بهذا الأمر لنفسه، لأنه يفعل ذلك من أجله ومن أجلهم على حد سواء، وهو الأمر الذي يشعره بالرضا عن حياته وعما يفعله في مساره المهني.

وصفات جمال "فودي"

الطبخ بوصفه دعاية سياحية

نلمس مؤخرًا رجوعًا كبيرًا للجزائريين نحو التنقيب عن عاداتهم وأصولهم عبر التغني الدائم بغنى الثقافات المختلفة التي تميز البلد، والاحتفاء الدائم بمختلف العادات والطبخات التي تميز كل منطقة، وعن ذلك، يقول جمال بأنه ترعرع في فرنسا، وأنو تكون ذا أصول من بلد آخر في وقت مضى هناك، كان يعد نوعا من الاختلاف المرفوض الذي كان الكثير من المغتربين يخفونه ويتحاشون ذكره، على عكس الزمن الحالي حيث صار الجزائريون المغتربون خاصة، يفتخرون بشكل كبير بأصولهم وعاداتهم وتقاليدهم، ويبرزونها في كل المناسبات الاجتماعية.

يفتخر إذن الشاف جمال بأصوله الجزائرية، كما يعبر دائمًا في كل ظهور عن حبه للجزائر والمطبخ الجزائري المتفرد، ويؤكد بأن افتخاره هذا يكبر يوما بعد يوم، ويتمنى أن يعبر عن ذلك بطريقته الخاصة أينما حلّ عبر العالم للتمكن من صناعة دعاية جيدة لبلده الاصلي عبر الطبخ والوصفات التي يقدمها منذ بدأ مشواره هذا.

يحلم جمال بفتح سلسلة مطاعم تقدم أطباقًا جزائرية في أوروبا 

أحلام مشروعة

يتمنى الشاف جمال أن يفتح مشروعه الخاص يومًا ما للتعريف بالمطبخ الجزائري، حتى لو كان يحب كثيرًا مقاسمة جمهوره ومتابعيه وصفاته ومشاركاته في التظاهرات المختلفة، ويحرص كثيرًا على نشرها على مواقع التواصل، لكن حلمه الأكبر يكمن في فتح سلسة من المطاعم الجزائرية في أوروبا وأن يهديها لوالدته التي منحته هذا الشغف تكريمًا لها.