23-مايو-2022

زكى رئيس الجيش الوطني الجزائري الفريق سعيد شنقريحة مبادرة "لم الشمل" التي بادر بها الرئيس عبد المجيد تبون ،مقدمًا دفعًا خاصا للخطوة التي جاءت في منتصف عهدة الرئاسية التي تكتمل في ديسمبر 2024.ويحمل دعم المؤسسة العسكرية رسائل موجهة لقوى في الجزائري والخارج بخصوص انسجام مؤسسات القرار في الدولة تجاه المسعى الجديد. وفي الواقع يوجد تبون في أمس الحاجة لكل أشكال الدعم لنجاح المبادرة التي لم تفصح الرئاسة الجزائرية بعد عن مضامينها حيث تم الحديث في فترة أولى عن لم الشمل، ثم عن مبادرة لجمع الأحزاب السياسية .

يوظف مصطلح "لم الشمل" وهو تعبير بديل لكلمة الحوار الوطني لتسوية الأزمات الداخلية، ما يعد إقرارًا من السلطات بأن البلاد لم تتجاوز أزمتها السياسية

ويأمل مقربون من الرئيس الجزائري، أن تساعد المبادرة في إحداث دينامية سياسية وكسر الركود على مختلف الأصعدة  في ظل تقليص الرئيس لظهوره، وباستثناء استقبالات واجتماعات حكومية وزيارات تعدى على الاصابع للخارج، لم يغادر تبون الذي زال يعاني من الآثار الجانبية لإصابته بعدوى كوفيد الجزائر إلى أي منطقة أخرى من الوطن .

و تجد خطوات الرئاسة الجزائرية بإطلاق مشاورات والانفتاح مبادرة لم الشمل جذورها في التاريخ السياسي الجزائري المضطرب منذ إيقاف المسار الانتخابي، ففي حزيران/جويلية 2019، أطلق رئيس الدولة الراحل عبد القادر بن صالح نداء للحوار الوطني وجمع الشمل بعد فشل إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان، وتموز/جويلية من العام ذاته ، لكن النداء لم يحقق التجاوب المطلوب منه لغياب الدعم من كل الإطراف بمن فيها أحزاب وأجنحة السلطة إدراكًا بافتقاد الرجل للسند من قبل أصحاب القرار في ذلك الحين.

و في فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة جرى تنظيم ندوات وجلسات مع الأحزاب السياسية والمنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، بمناسبة اقتراح التعديلات الدستورية تمت خلال سنوات حكمه الممتدة ، حيث استدعيت الأحزاب لجلسات في 2008  و 2016 . لتقديم مقترحاتها  للتعديل. للحصول على مباركتها ودعمها للتعديلات التي منحت بوتفيلقة صلاحيات وساعة بمن فيها تمديد عهدته لعشريتين وإلغاء المانع القانوني أمام استمرار في السلطة.

و  في منتصف التسعينات قاد عبد القادر بن صالح لجنة الحوار الوطني مشكلة من مدنيين وعسكريين أنشأها المجلس الأعلى للدولة الذي تولي الحكم بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف في 29 حزيران/جوان 1992، وتوجت  أعمال اللجنة بوضع أرضية الوفاق خطة عمل سياسية واقتصادية، نصت على إطلاق مرحلة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتخابات رئاسية فاز بها الجنرال الأمين زروال ومباشرة سياسية التصحيح الهيكلي تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

و رغم اختلاف الظروف بين 1994 و2022 وبالأخص في الاستقرار الأمني والسياسي، يشعر النظام الجزائري أنه في حاجة إلى شرعية أوسع غير تلك التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية لـ 2020، و التي شهدت معدل مشاركة منخفض جدا لم تتجاوز 40 بالمئة من إجمالي المسجلين في اللوائح الانتخابية.

وفي الاصطلاح، يوظف "لم الشمل" وهو تعبير بديل لكلمة الحوار الوطني لتسوية الأزمات الداخلية ما يعد إقرارًا بحد ذاته من السلطات بوجود بأن البلد لم تتجاوز أزمتها السياسية في البلاد التي اندلعت في 2019، و بوجود حاجة للذهاب لعقد وطني جديد.

ويشكل هذا الإقرار خطوة مهمة  للحصول على  موافقة القوى السياسية المؤثرة، رغم وجود شكوك بأن المبادرة المعنونة بجمع الشمل تُخفي أيضًا محاولة من السلطة الجزائرية لاكتساب شرعية للقرارات التي تعتزم اتخاذها في قطاعات ومنها خطط إعادة النظر في سياسية الرعاية الاجتماعية، والتي تضم دعم أسعار المواد الأساسية والوقود والكهرباء والسكن.

يشعر النظام الجزائري أنه في حاجة إلى شرعية أوسع غير تلك التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية لـ 2020

إلى هنا، استدعت الرئاسة الجزائرية في أيار/ماي الجاري ممثلين أحزاب ممثلة في البرلمان وخارجه للمشاركة في أشغال فريق عمل للتفكير حول إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية وإعادة توزيع الريع وسط مخاوف من أنه يشكل نهاية للدولة الاجتماعية التي قامت عليها الجزائر.