11-أكتوبر-2024
(الصورة: فيسبوك) عبد المجيد تبون في لقاء إعلامي

(الصورة: فيسبوك) عبد المجيد تبون في لقاء إعلامي

في حواره الدوري مع الصحافة الوطنية بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بشكلٍ صريحٍ عن قرب إجراء تعديل حكومي، سيكون قبل نهاية السنة الجارية، مؤكدًا أن الهدف من هذا التغيير هو ضخّ دماءٍ جديدة وكفاءات متميزة لتسيير مختلف القطاعات.

الهواري تيغريسي لـ "الترا جزائر": الجامعات والمعاهد الوطنية تزخر بالكفاءات العلمية والفنية التي لم تُمنح الفرصة لإبراز إمكانياتها

هذا الإعلان يعكس التوجّه الرئاسي للمسؤول الأول عن البلاد وبشكلٍ حازم نحو تعزيز الأداء الحكومي، ومواكبة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، بما يتماشى مع الرؤية الإصلاحية التي تسعى الجزائر لتحقيقها خلال الفترة المقبلة، وهي العهدة الثانية والأخيرة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

من المعنيون بالتغيير؟

إلى هنا، يؤكد الخبير الاقتصادي، أحمد سواهلية، في تصريح لـ "الترا جزائر" على أهمية إجراء تغييرٍ حكوميٍّ شاملٍ في كافة القطاعات دون استثناء ما عدا تلك التي حقّقت نتائج ممتازة خلال الفترة الماضية، رافضًا التعليق على كل وزير باسمه، إلا أنه اعتبر أن التغيير ضرورة قصوى لتحقيق الإصلاحات المنتظرة في مختلف المجالات الحيوية.

 ويرى سواهلية أن الأداء الحكومي في المرحلة الحالية يواجه تحدياتٍ كبيرةٍ تتطلب إعادة هيكلة القطاعات بشكل يضمن التناغم مع التوجيهات الرئاسية وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرًا إلى أن التغيير ليس مجرّد إجراءٍ شكليٍّ، بل يجب أن يكون مدفوعًا برؤية استراتيجية لتصحيح الاختلالات القائمة وتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالصناعة وضبط الأسواق والرقمنة والتعليم والصحة.

ودعا سواهلية إلى ضخّ دماء جديدة في الوزارات الحيوية لتحفيز النمو الاقتصادي ومواكبة التغيرات العالمية، مع التركيز على تطوير القدرات المحليّة وتقليص الاعتماد على الاستيراد.

ومن دواعي التغيير يقول سواهلية تسريع الإصلاحات الاقتصادية، حيث بات من الضروري تحسين الأداء في القطاعات الاقتصادية الرئيسية كالصناعة والتجارة، مع استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المحلية، وتحسين القدرة الشرائية، إذ يجب على الحكومة معالجة الأزمات المتعلقة بالتضخم وارتفاع الأسعار، ووضع سياسات تهدف إلى تحسين معيشة المواطنين.

ويتحدث سواهلية عن التحوّل الرقمي، من خلال تعزيز عمليات الرقمنة في كافة الوزارات والهيئات الحكومية والتي ستخفف من البيروقراطية وتسهم في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، مشيرًا إلى أن الرئيس اليوم سيقيّم أداء الوزراء بناء على التزامهم بالمحاور سالفة الذكر.

وشدد سواهلية على أن الإصلاحات تتطلب قيادة فعالة وقادرة على تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية بدقة وشفافية، وإيجاد الحلول الجذرية للمشاكل التي يعاني منها المواطن الجزائري في الوقت الراهن.

كفاءات للحكومة

وفي السياق، يقول عضو لجنة المالية والميزانية السابق بالمجلس الشعبي الوطني، الهواري تيغريسي في إفادة لـ "الترا جزائر"، إنه في ظلّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الجزائر، باتً ضروريًا التفكير جديًا في إحداث تغيير شامل داخل الطاقم الحكومي، وهو ما اقترحه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من خلال حديثه عن ضرورة ضخ كفاءات كبرى في مواقع المسؤولية، هذا التغيير لا يمكن أن يكون جزئيًا حسب تيغريسي، بل يجب أن يشمل كافة الوزارات والمؤسّسات الحكومية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة في العهدة الثانية للرئيس المنتخب بالأغلبية الساحقة.

ويشدد تيغريسي على أن الجزائر تمتلك طاقاتٍ بشرية هائلة، سواءً داخل البلاد أو في الجاليات المقيمة بالخارج، وهؤلاء يمكنهم الإسهام بفعالية في عملية التحول الحكومي، وتسليم مفاتيح التسيير للأكثر كفاءة.

ويستطرد: "الجامعات والمعاهد الوطنية تزخر بالكفاءات العلمية والفنية التي لم تُمنح الفرصة لإبراز إمكانياتها، بالإضافة إلى الخبرات الجزائرية في الخارج، الذين يعملون في مؤسّسات عالمية مرموقة ويبدون استعدادهم لخدمة وطنهم".

ويجزم تيغريسي على أن ما يقترحه اليوم؛ هو تشكيل لجان مستقلة تتولى عملية انتقاء هذه الكفاءات بناء على معايير مهنية صارمة تعتمد على الكفاءة والخبرة، وليس الولاء السياسي أو الجهوي لتكون في مناصب تسيير وقد تحمل مستقبلًا مناصب وزارية، كما يجب أيضًا خلق بيئة تشجيعية تضمن للموظفين الجدد ظروف عمل ملائمة ومشجعة للإبداع والابتكار، من خلال مراجعة شاملة للأجور والحوافز لضمان جذب واستبقاء هذه الكفاءات وهو ما يعمل عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ تسلمه مقاليد الحكم سنة 2019.

ويعتبر المتحدث إن توجيه الاستثمارات نحو تطوير الموارد البشرية هو الاستثمار الأهم لرفع مستوى أداء الدولة ومؤسساتها، وضمان تحقيق الرؤية الإصلاحية التي تنشدها الجزائر في هذه المرحلة الحاسمة.

ويعود تيغريسي ليقول أن الكفاءات التي تحدث عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ليست محصورة في مكان واحد؛ فهي موجودة داخل الأحزاب وخارجها، في الجامعات والمعاهد، وفي مختلف المؤسسات الوطنية، مؤكدًا أن هناك أفراد قادرون على معالجة الملفات الأكثر تعقيدًا.

ويستشهد المتحدث، بملف التجارة وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، خفض الأسعار من خلال سياسات اقتصادية مدروسة، ومراجعة ملفات الصناعة لجلب المزيد من المستثمرين وتكوين شراكات جديدة تخدم مصلحة البلاد، كما أنه في قطاع التعليم، يمكن تحقيق تطور مرحلي متسلسل يبدأ من الأساسيات وينتقل تدريجيًا نحو تحسين جودة التعليم ومخرجاته.

أحمد سواهلية لـ "الترا جزائر": التغيير ضرورة قصوى لتحقيق الإصلاحات المنتظرة في مختلف المجالات الحيوية.

كل ما يتطلّبه الأمر، وفق تيغريسي، هو أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، وذلك من خلال اختيار الكفاءات بناء على معايير الخبرة والقدرة على الابتكار، "بهذه الطريقة فقط يمكننا بناء حكومة قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الرؤية الاقتصادية والاجتماعية التي تنشدها الجزائر في المستقبل".

رغم الضمانات المقدمة من طرف رئيس الجمهورية، حول البحث عن حكومة كفاءات تتولى تسيير المرحلة المقبلة، إلا أنّ الإشكالية التي تُطرح دائمًا على هذا المستوى، هي صلاحية الوزراء وقدرتهم على إحداث تغييرات رادكالية في قطاعاتهم، حيث تُطرح أسئلة غالبًا، حول "العملية الشكلية" في التعديلات الحكومية، وصورية توزيع الحقائب الوزارية، بغض النظر إن كان تشكيل الحكومة يعتمد على الكفاءات أو الولاءات.