بحلول شهر أوت/ آب، انصرف عدد كبير من أعضاء حكومة أيمن بن عبد الرحمن في عطلة مقتضبة هذا العام، لن تطول عن الـ 13 يومًا في أقصى حالاتها، بسبب الملفات الشائكة التي تنتظر هؤلاء، ليلتحق جميع أعضاء الطاقم الحكومي بمكاتبهم بتاريخ الـ 14 من الشهر الجاري، تحضيرًا للدخول الاجتماعي المقبل.
بعض الوزراء فضلوا أخذ إجازات في فترة الصيف بينما أجلها آخرون إلى تاريخ لاحق
وفي وقت اختار وزراء الخلود إلى الراحة بعد تعب وشقاء دام سنة كاملة، تراجع آخرون عن هذه الخطوة وفضلوا إرجاء العطلة إلى تاريخ لاحق، بعد أن دق رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أجراس التعديل الحكومي خلال حواره الأخير مع الصحافة الوطنية بتاريخ 31 تموز/جويلية المنصرم، حينما قال إن التعديل الحكومي آت وأن "الأمر طبيعي ويمس كافة الحكومات في كل دول العالم"، مضيفًا "ما التزمنا به يجب أن يطبق، وهو ما يفرض تعديلًا قريبًا".
وبين الراحة والاستجمام أو البقاء في المكاتب في حالة ترقب، تنتظر وزراء حكومة أيمن بن عبد الرحمن ملفات شائكة مطلع أيلول/سبتمبر المقبل، أولها التحضير للدخولين المدرسي والجامعي وسط تغييرات جذرية في المناهج والبرامج واللغات، وأزمة كتب وورق وندرة الأدوات المدرسية وارتفاع أسعارها، وأيضًا قانون مالية جديد، يتبع القانون العضوي لأول مرة وفق نظم محاسباتية لم تكن معتمدة من قبل، وقمة عربية هامة تجمع الفرقاء وتختبر حنكة الجزائر الدبلوماسية.
فهل سيحتفظ الرئيس تبون بنفس الطاقم للقيام بهذه المهام الصعبة؟ وهل يستطيع فريق أيمن بن عبد الرحمن إثبات كفاءته العالية بتحقيق النجاح في هذه الامتحانات المعقدة؟
الراحة متاحة لهؤلاء
بدأت عطلة بعض الوزراء في الجزائر هذه السنة نهاية شهر جويلية/ تموز، وتستمر استراحة أعضاء آخرين في الطاقم الحكومي إلى السبت 13 اوت/ آب، في وقت يظلّ بعض عناصر الجهاز التنفيذي ممنوعين من مغادرة المكاتب بسبب الظروف الوعرة، التي تشهدها قطاعاتهم.
ويقول الخبير السياسي رضوان بوهيدل في تصريح لـ"الترا جزائر"، أن 80 بالمائة من وزراء حكومة أيمن بن عبد الرحمن ممنوعون من العطلة في الوقت الراهن، بسبب خصوصيات المرحلة التي تعيشها الجزائر بداية من الدخول الاجتماعي الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى بضعة أيام، مرورًا بتصريحات رئيس الجمهورية عن تعديل حكومي وشيك، ما يجعل الوزراء في حالة ترقب وتحت مجهر التقييم، الأمر الذي دفع ببعضهم للتخلي عن حق الراحة، وصولا إلى التحضير لموعد هام وهو القمة العربية التي تحتاج تنسيقا عالي المستوى بين كافة القطاعات الوزارية.
ويضيف بوهيدل "لذلك في اعتقادي لا يوجد ضمن الطاقم الحكومي الحالي وزيرًا يمكنه الخلود إلى الراحة، ولو لأسبوع واحد ما عدا بعض القطاعات التي لا تشهد حركية آنية".
ويعترف بوهيدل أنه من الناحية الانسانية أو المهنية، فحتى الوزير من حقه الاستفادة من عطلة والخلود إلى الراحة دون تعطل القطاع، مذكرًا بوجود أمين عام على مستوى كل وزارة، يعتبر الرجل الثاني بعد الوزير، إضافة إلى مدير الديوان، إلا أن الظرف الخاص الذي تعيشه الجزائر اليوم، يفرض في بعض القطاعات بقاء الوزير أيضًا.
وضرب المتحدث مثالًا بوزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي لا يمكنه الخروج في عطلة ولو ليوم واحد، بسبب تحضيرات القمة العربية والتحركات الأفريقية الأخيرة، وأيضا وزير التعليم العالي، بسبب ملف تسجيل الناجحين الجدد في امتحانات البكالوريا، ومتابعة سير التوجيهات الجامعية وتحضيرات الدخول الجامعي، ووزير السياحة الذي اختفى عن البروز خلال الأشهر الماضية،وبالتالي لا يمكن لهذا الأخير الخلود إلى عطلة اليوم تزامنًا مع موسم الاصطياف الذي يعتبر بمثابة موسم جني الحصاد في قطاعه، ووزير الصحة الذي سيحرم من العطلة أيضًا، في ظلّ الحديث عن تسجيل ارتفاع جديد في مستوى الإصابات بفيروس كورونا.
بالمقابل يتمتع بعض الوزراء بأريحية تؤهلهم للاستفادة من عطلة شهر أوت/ آب، مثل وزير الشؤون الدينية الذي تفرغ مؤخرًا من أشغال موسم الحج، وبالتالي يمكنه الخلود إلى قسط من الراحة، ووزير الشباب والرياضة بعد استكمال ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ووزيرة العلاقات مع البرلمان بحكم وجود الهيئة التشريعية اليوم في عطلة.
لا تنازلات في العطلة
وبالمقابل يرى البرلماني كمال بن خلوف في تصريح ل"الترا جزائر" أنه من حق الوزير مهما كانت ظروف قطاعه، أن يستفيد من عطلته السنوية، فلا يمكن ربط تسيير الوزارة بشخص الوزير، لأن هذه الأخيرة تسير أيضا من قبل الأمناء العامين والمديرين، وذلك بدليل تأخر تشكيل الحكومة في العديد من دول العالم، الا أن تسيير المرفق العام كان يتم بطريقة عادية.
فمفهوم التسيير يجب أن يخرج من منطق التكنوقراط الذي يتطلب حضور المعني شخصيا الى موقع الوزارة وليس التسيير عن بعد، يضيف المتحدث.
ويقول بن خلوف أنه في الدول الأوروبية على سبيل المثال، تبرمج عطلة الوزراء مع بداية السنة دون إحداث أي تعديل.
أما في الجزائر، فبعض الوزراء استفادو من عطلة واخرون ينتفعون منها حاليا، في حين أن الحديث عن تقييم أداء أعضاء الجهاز التنفيذي بناءً على ما قدموه في الفترة الأخيرة، فرضية خاطئة، لا أساس لها من الصحة، يقول بن خلوف، بحكم أن الرئيس، على دراية بكل صغيرة وكبيرة أدارها هؤلاء في الحكومة، وهو على علم بالوزير الذي قدم إضافة لقطاعه وذلك الذي لم يحرك ساكنا منذ وصوله الى مبنى الدكتور سعدان.
ملفات شائكة
أما عن الملفات الشائكة التي تنتظر الحكومة بعد العطلة وتتزامن مع الدخول الاجتماعي المقبل، فتتمثل حسب عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني عبد القادر بريش، في إنجاح الدخول المدرسي الذي سيعتمد هذا الموسم على تدريس الإنجليزية في الابتدائي لأول مرة بعد تجربة انقضت قبل 30 سنة، وأيضًا التحضير للدخول الجامعي في ظل توجيه معظم الطلبة الناجحين في بكالوريا 2022 خارج التخصصات التي اختاروها.
أما في الجانب الاقتصادي، فتتمثل أهم الملفات الموجودة على طاولة الحكومة في استكمال إصدار النصوص التنظيمية المرافقة لقانون الاستثمار الجديد، خاصة إنشاء ووضع حيز الخدمة الوكالات المعنية بإدارة العقار الاقتصادي ويتعلق الأمر بالعقار الصناعي والعقار الفلاحي والعقار السياحي.
تعتبر الإصلاحات المالية والبنكية وتمويل السوق النقدية أهم ملف على طاولة الحكومة
وتوجد على طاولة الحكومة أيضًا ملفات الإصلاحات المالية،وخاصة الإصلاحات البنكية وإصلاح نظام التمويل والسوق النقدية وقانون القرض والنقد. ويعتبر أهم ملف اليوم على طاولة الحكومة الحالية إذا لم تتغير، عرض بيان السياسة العامة أمام البرلمان، وهو اختبار حقيقي لطاقم بن عبد الرحمن، لتقديم حصيلة سنته الأولى من تنفيذ مخطط عمل الحكومة،وستكون هذه الحصيلة أيضًا اختبار للبرلمان بغرفتيه حول مدى تحكم النواب والسيناتورات في آليات المساءلة.