17-يوليو-2022
الرئيس عبد المجيد تبون  رفقة عدد من الوزراء (فيسبوك/الترا جزائر)

الرئيس عبد المجيد تبون رفقة عدد من الوزراء (فيسبوك/الترا جزائر)

في الـ 14 من شهر تموز/جويلية الجاري، عين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إبراهيم  جمال كسالي وزيرًا للمالية، خلفًا لـلمخضرم عبد الرحمن راوية في رابع تغيير بهذا المنصب الحساس في الجهاز التنفيذي في النصف الأوّل في من فترة حكم تبون،ورغم معرفتهما العميقة يبعضهما لم يتردد الرئيس في التخلص من وزير ماليته، ما يطرح عدة أسئلة حول أهمية منصب وزير المالية في الجزائر.

برلماني سابق لـ "الترا جزائر": الرئاسة لا تريد وزيرًا للمالية بقدر ما تبحث عن متصرّف إداري ينفذ الأوامر دون تردد 

أظهر التغيير الاضطراري لمنصب وزير المالية في الجزائر، حالة عدم الاستقرار في  هذا القطاع الأكثر حساسية في إدارة شؤون الدولة، ليس في عهد تبون فقط بل في السنوات الأخيرة الماضية وباستثناء كريم جودي (2007-2014) لم يمض أسلافه إلا فترات قصيرة  في مناصبهم فأمضى محمد جلاب المنصب عامًا واحدًا فقط (05 أيار/ماي 2014 إلى 14 أيار/ماي 2015 ) ثم  عبد الرحمن بن خالفة ( 14 أيار/ماي 2015الى 11 حزيران/جوان 2016)، تلاه حاجي بابا عمي بين 11 حزيران/جوان 2016 و24 أيار/ماي 2017 ، ثم عبد الرحمن راوية (بين 5 أيار/ماي 2017 و31 آذار/مارس 2019 ) ثم  محمد لوكال بين (31 آذار/مارس 2019 و2 كانون الثاني/جانفي 2020).

ليعود رواية  في حكومة عبد العزيز جراد عبد العزيز جراد بعد كانون الثاني/جانفي 2020  لغاية تموز/جويلية 2021، حيث، ثم أيمن عبد الرحمن الوزير الأول الحالي (شغل وزيرًا للمالية زيادة عن منصبه) لغاية شباط/فيفري الماضي ،ليعود راوية  لكنه لم يعمر في منصبه إلا 5 أشهر فقط ، فابعد في حزيران/جوان  الماضي في خضم الازمة مع إسبانيا وخلفه في هذا المنصب وكيل الوزارة جمال إبراهيم كسالي.

و في الواقع منصب وزير المالية في الجزائر وقطاع المالية عمومًا ليس الوحيد الذي عاش عدم الاستقرار في الأعوام الأخيرة، التي اتسمت بصراع عميق بين مكونات السلطة وتفجر فضائح فساد أطاحت بعدة وزراء ، منهم وزيران للمالية هما كريم جودي (2007-2014 ) و محمد لوكال الجارية محاكمته.

ولكن استهلاك تبون لثلاثة وزراء للمالية والاستعانة برابع وسط توقعات بقرب إجراء تعديل حكومي ،يؤشّر للصعوبات التي يواجهها النظام السياسي الجزائري و فريق الحكم الحالي في العثور على وجوه تجمع بين الكفاءة والولاء على امل إعطاء فعالية وحركية في الإصلاحات المالية التي وعد بها تبون ليقدمها في حصيلته في حال رغبته في الذهاب لعهدة ثانية.

وأظهر الرئيس الجزائري مرات عدة مرات عدم رضاه عن تأخر الاصلاح البنكي والمالي الذب وعد به  حيث كان يراهن على عصرنة ورقمنة المعطيات والحسابات عبر تجسيد نظام معلوماتي للجمارك والضرائب، بشكلٍ يمنع أي احتيال أو تلاعب بالأموال والممتلكات العمومية.

وأعطى الرئيس الجزائري صكًا على بياض لأيمن عبد الرحمن الوزير الأول الحالي عند تكليفه بحقيبة وزارة المالية، لقيادة تحملة تطهير الوزارة و إبعاد مراكز المقاومة فيها بعد اكتشافه أن قرارات له منها تقديم زيادات في منح الأطباء أثناء تفشي وباء كوفيد لم تنفذ. وتحت مسمى إعادة هيكلة الوزارة، تم إبعاد عشرات الكوادر المخضرمين المسحوبين على رجالات حكم المرحلة السابقة والمتهمين بوضع أحكام تشريعية وقوانين على مقاس رعاتهم .

وقد شملت التغييرات التي أجراها أيمن بن عبد الرحمن مدراء المديرية العامة لأملاك الدولة والمديرية العامة للخزينة والتسيير المحاسبي للعمليات المالية للدولة وكذلك المديرية العامة للرقمنة والمعلوماتية وأنظمة المعلومات الاقتصادية،ومسؤولين في قطاع البنوك المملوكة للدولة والبنك المركزي. لكنه سرعان ما أبعده من منصبه بسبب الخيارات الاقتصادية المعتمدة، ومنها زيادة عدد الضرائب في وقت كان آلاف الجزائريين يكابدون تبعات الأزمة الصحية والاقتصادية التي ترتبت عنها.

خلاف قديم

بعد فترة قصيرة من توليه الوزارة الاولى في أيار/ماي 2017 ، أمر الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون بإبعاد مدير الموازنة في وزارة المالية، وثم أعاد الكرة بعد توليه لسدة الحكم في كانون الاول كانون الأول/ديسمبر 2019 حيث كان المسؤول المقال استرجع منصبه منصبه بعد مغدرة تبون بطريقة عاصفة منصبه في قصر الدكتور سعدان (مقر رئاسة الحكومة الجزائرية).

وكان ظاهرا أن للرئيس الجزائري الحالي حساب خاص مع مدير الموازنة، الذي الأمر بالصرف الفعلي والمشرف على  توزيع المخصصات المالية وتنفيذ سياسة التقشف، التي تضرّر منها قطاع السكن الذي كان شرف تبون عليه بين 2001 و 2002 ثم بين 2012 و2017، فقد أدى تقليص الموازنة العمومية لتوقف اشغال مئات الورش العمرانية وتعطيل تسليم آلاف الشقق السكنية في موعدها في عزّ أزمة سكن حادة.

ورغم أن قطاعات حكومية عدّة تاثرت بشدة من سياسة التقشف التي عهد لوزارة المالية بتنفيذها بعد تراجع مداخيل صادرات المحروقات ، تبنى مؤيدو تبون في تلك الفترة تفسيرًا آخر اقرب الى نظرية المؤامرة مفاده أن قطاع المالية كان اداة في يد خصومه ومنافسيه الساعين في فترة توليه وزارة الأعمار لتضييق الخناق على القطاع وكسر مشروع رائد لإسكان الطبقة المتوسطة ساعد مئات آلاف الأسر الجزائرية على الحصول على شقق بتمويل ميسر والدفع المكتتبين للشارع للقيام بانتفاضة شعبية.

هيمنة

وإلى جانب عدم الاستقرار في المناصب الحكومية في الأعوام الأخيرة ، يأتي وزراء ويذهبون بدون تحديد أسباب اختيارهم ورحيلهم أيضًا، و لو أن العارفين بطبيعة النظام السياسي ان الاختيار يخضع لمقاييس تضم توافق اجنحة السلطة على الأسماء و إبعادهم للسبب ذاته.

لاحظ البرلماني السابق أحمد يسعد ( 2002-2012) أن الرئيس الجزائري أظهر من البداية رغبته في الهيمنة على قطاع المالية،واستدل على ذلك باحتفاظ وزيره الأول الحالي أيمن عبد الرحمن بحقيبة المالية لغاية شبّاط/فيفري الماضي.

وقال يسعد لـ "الترا الجزائر"، إن الجمع بين منصبين في يد رجل واحد يترك الانطباع أن هناك إرادة قوية لإبقاء هذا القطاع تحت الهمينة المباشرة لرئاسة الجمهورية، محذرًا في الوقت نفسه من تبعات هذا التوجه ، إذ "كان ذلك منذ البداية خيارًا خاطئًا  لأنه من المستحيل التوفيق بين متطلبات رئاسة الحكومة والتي توجب التفرغ لها، و مهمة إدارة وزارة المالية التي تتطلب يقظة كبيرة .

وأضاف محدث "الترا جزائر" أنه "لقد نبه حزبنا (حركة مجتمع السلم المعارضة ) عن طريق مجموعتنا البرلمانية يوم مناقشة الموازنة السنوية بالمجلس الشعبي الوطني الوزير الأول لضرورة التخلي عن وزارة المالية والتفرغ لمهامها. وهذا ما تم بعد شهرين من التصديق على الموازنة حيث تم تعيين وزير جديد للمالية، استقال بعد 5 اشهر من تعيينه (الرئاسة قالت إنها إقالة) ليخلفه وزير رابع".

وأعاد البرلماني السابق التأكيد على هذه التغييرات التي تمت، وفي تقديره تظهر أن الرئاسة لا تريد وزيرًا يسير القطاع بقدر ما تريد متصرفًا إداريًا ينفذ الأوامر دون تردد"،وللدلالة على غموض المنهجية التي تعتمد لإعداد قوانين المالية والموازنة التي لم تتغير منذ عقود من الزمن بغض النظر عن اسم الوزير المسير للقطاع زيادة عن تدخل جهات ومصالح في إدارة القطاع ".

أحمد يسعد: يُعيّن الوزراء ويقالون دون تقديم مبرّرات لذلك ولا حصيلة إنجازاتهم طيلة فترة توليهم مناصبهم

و علق يسعد بطريقة تهكمية على طريقة تعيين ورحيل الوزراء " فهم أشبه بركاب في حافلة تسير يقودها من بيدهم زمام الامور فلا يحتاجون  تبرير نزولهم منها . معلقًا على مجئ ورحيل الوزراء في الجزائر  "هذا أغرب شيء تتميز به الحياة السياسية في البلاد حيث يعين الوزير و تنهى مهامه دون تقديم مبرّر و لا معرفة حصيلة إنجازاته ..الوزير عندنا لا يملك مشروعًا بأهداف معروفة، إنه مجرد عضو في حكومة تطبق برنامج"الرئيس لذلك فهو غير مسؤول عن تقديم الحصيلة و من عينه لا يجد حرجًا في استبداله دون إعلام المواطنين بالسبب".