27-يونيو-2023
جلود الأضاحي

(الصورة: Getty)

يعتبر رشيد بوراس (57 سنة)، صاحب ورشة نسيج وصناعة الحقائب، بمنطقة أولاد فايت غرب العاصمة، أن جلود الأضاحي يمكن أن تتحول بتكاثف جهود المواطنين، إلى أحد أهم المواد الأولية الموجهة لإنتاج الصوف والجلد الصناعي في البلاد.

رئيس فيدرالية النسيج والجلود: توفير الجلود يمكن أن يساهم في إعادة بعث 50 مصنعًا للنسيج أغلق نهاية التسعينيات

ويقول رشيد، الذي توارث هذه المهنة عن أبائه وأجداده أن "أضحية العيد قبل عشرات السنوات، لم تكن مجرّد لحم، وإنما أيضًا جلد يستغله الصناعيون ويحولونه إلى مواد توجَّه إلى إنتاج الحقائب والأحذية وصوف يستعمل في حياكة الملابس والمفروشات."

ليستدرك متأسفًا: "لكنها أصبحت في غضون سنوات خلت مجرّد نفايات تملأ الشوارع والطرقات بعد النحر وتثير الاستهجان من قبل السكان."

كما يعتقد صاحب ورشة النسيج وصناعة الحقائب بأنّ "استغلال هذه الجلود من طرف أصحاب الورشات بات اليوم أكثر من ضرورة"، مثمنًا خطوة وزارة الصناعة في السنوات الأخيرة والتي سعت إلى استغلال هذه الجلود عبر تنظيم حملات لجمعها وتوجيهها إلى مصانع النسيج.

وقبل 7 أيام من عيد الأضحى المبارك، أعلنت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، للسنة السادسة على التوالي، عن انطلاق الحملة التحسيسية بخصوص عملية جمع جلود أضاحي العيد لسنة 2023، وذلك بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة المعنية بهذه العملية.

وحسب منشور للوزارة في صفحتها الرسمية بفايسبوك: "تأتي هذه الحملة  للمساهمة في ترقية الصناعات الوطنية للنسيج والجلود قصد تثمينها كمدخلات أساسية، والمساهمة في الحفاظ على البيئة من خلال استرجاع هذه الثروة".

ودعت وزارة الصناعة كل المواطنين للانخراط في هذا المسعى، من خلال اتباع جملة من الخطوات، وهي الحرص على سلامة الجلد عند السّلخ وتجنب غسل الجلد بالماء ووضع الملح على المساحة اللينة لجلد الأضحية وترك الجلد المملح في المكان المخصص له، معتبرة أن إنجاح هذه العملية مرتبط بمدى تحسيس المواطنين ومساهمتهم الفعالة في ترقية اقتصاد البلاد وحماية البيئة.

اقتصاد ملياري دولار

يرى رئيس الفيدرالية الوطنية للنسيج والجلود وإنتاج الملابس، طباخ بلحاج، في تصريح لـ"الترا جزائر" أن "عملية جمع جلود الأضاحي ثقافة وجب غرسها وتلقينها للمواطن ليدرك أن هذا الجلد ليس بالأمر الهين."

وأكمل: "توفير المادة الأولية محليًا، يمكن أن يساهم في إعادة بعث 50 مصنعًا للنسيج أغلق أبوابه نهاية التسعينيات ومطلع الألفينيات بسبب ندرة المدخلات الصناعية وسياسة الاستيراد المتوحش وقتها".

ويشدد طباخ على أن الحكومة عبر مختلف الوزارات الوصية، وهي الصناعة والفلاحة والبيئة تعمل كل سنة بداية من عام 2018، على تحسيس المواطن بضرورة المساهمة في جمع جلود الأضاحي وتتبع توصيات المكلفين بالجمع والتخزين لكي لا تُهدر هذه الثروة والكم الهائل من الجلود والصوف، باعتبار أن توفير المادة الأولية محليًا وتحقيق صناعة متفوقة للنسيج من شأنه ادّخار ملياري دولار من الواردات على الأقل سنويًا.

ويؤكد المتحدث أن الفيدرالية تشتغل بالتنسيق مع المديريات  الولائية والمجتمع المدني لتحسيس المواطن بضرورة  المحافظة على الجلود وجمعها وتسهيل مهام من يقوم بهذه العملية.

 ويجزم ممثل منتجي النسيج أنه من أجل استغلال جيد لجلود الأضاحي والاستفادة منها، يجب مراعاة عدة نقاط، وهي كيفية السلخ التي يفترض أن تتم بطريقة محترفة وجيدة ودون قطع أو خدوش، حتى لا تقل جودة الجلد الذي يتم تجميعه.

وأوّل عملية يتم القيام بها بعد السلخ، وفق المتحدّث، هي تمليح الجلد لكي يتم تخزينه لفترة مؤقته ريثما يصل إلى المدبغة ثم يتم نزع الصوف والشوائب العالقة ثم معالجة الجلد ليمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المرحلة الأخيرة حيث يحول إلى المصانع لتستخرج منه المحافظ والنعال و المحازم وغيرها من أصناف المنتوجات الجلدية .

كما أن جلود  الأضاحي تنقسم إلى أكثر من نوع مثل جلود الأغنام والأبقار والماعز، وغيرها من الأصناف، التي يختلف استخدامها والصناعات التي توجه لها، والتي تتمثل أساسًا في إنتاج الأحذية والحقائب والأحزمة والملابس وقطع الديكور الجلدية المختلفة، حيث أن استخدامات الجلود متعددة وكل نوع له ما يناسبه ويتلاءم معه من منتجات، يختم طباخ.

بعث القطاع

أما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف، فيرى أنه من الضروري اليوم الاهتمام بقطاع الصناعة الذي يعدُّ من أبرز أولويات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والذي طالما شدّد في كل مناسبة على أهمية رفع القدرات الإنتاجية للبلاد من أجل مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الخام، الذي يفترض أن يترواح بين 5 إلى 10 بالمائة.

ومن الضروري أيضًا، يقول هادف في تصريح لـ"الترا جزائر"، رسم مخطط للنهوض بالصناعات التحويلية على غرار النسيج والجلود .

ويعتقد الخبير أن "الجزائر اليوم من بين أهم المستوردين في هذا المجال رغم المقومات التي تمتلكها والإرث الكبير للمصانع التي توارثتها عن حقبة السبعينيات، سواء فيما يخص فرع صناعة الجلود أوالنسيج، إذ كانت في السابق من الدول الرائدة في المجال لتتحول اليوم إلى أكبر المستوردين لتغطية الطلب الواسع للسوق."

الخبير الاقتصادي كمال ديب: أقترح على المسؤولين اقتباس النموذح التركي الذي يلزم المُضحين بتسليم الجلود إجباريًا للسلطات الرسمية، لتفادي رميها في الأماكن العمومية

 ويؤكد هادف أنّ "إعادة بعث هذا الفرع يفرض إعداد ورقة طريق واضحة، حيث تكون البداية عبر تثمين الموارد، على غرار الجلود وإعادة الاعتبار للمواد الأولية التي همشت في السنوات الماضية وبعث هذه المقومات عبر ما يعرف بالاقتصاد التدويري الذي يمكن استغلاله، خاصة جلود الاضاحي التي ترمى في المزابل والمفارغ العمومية."

وشدّد الخبير على ضرورة تشجيع المؤسسات المصغرة الناشطة في هذا المجال للانخراط في عملية جمع هذه المواد ومعالجتها بطرق تقنية، في مدابغ الجلود.

ودعا هادف إلى جرد قدرات الجلود لتصبح أهم ركيزة تنطلق منها الصناعة الجلدية والنسيجية مصرحا: "بلادنا اليوم تغطي احتياجاتها من الأحذية عبر الاستيراد بنسبة 90 بالمائة، رغم  قدراتها الإنتاجية الفائقة، ومعاقل محلية لإنتاجها بولايتي المدية وتلمسان".

ويقترح المتحدث بعد بعث الإنتاج الوطني، التوجه نحو التصدير، سواء بالنسبة للجلود أو النسيج، ويمكن أن يتحقق ذلك حسبه عبر استثمارات محلية في القطاع أو الشراكة مع الأجانب.

وضرب مثالا بمجمع "تيال" في ولاية غليزان بشراكة تركية، والذي أصبح من بين أقطاب النسيج الفاعلة في الجزائر، وهو ما من شأنه استقطاب مؤسسات مناولة محلية وأجنبية في المجال.

التجربة التركية

وفي السياق يدعو الخبير الاقتصادي كمال ديب في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى ضرورة الاقتباس في مجال استغلال جلود الأضاحي، عن النموذج التركي، والذي يقوم على إلزام المضحين بتسليم الجلود إجباريًا للبلديات والسلطات الرسمية، لتفادي رميها في الأماكن العمومية.

وفي حال تطبيق هذا المقترح، تقوم السلطات في الجزائر، يؤكد ديب، باسترجاع حوالي 3 ملايين جلد أضحية، وذلك حسب عدد الخرفان المنحورة.

ويشدد المتحدث على أن الأتراك غالبًا ما يقومون باستغلال هذه الجلود في إنتاج بدلات الطيارين وعساكر قوات الدفاع الجوي، حيث تسترجع هذه الأخيرة جلود الأضاحي وتحولها إلى قبعات ومعاطف وأحذية في مصانعها للنسيج، وتحتسبها في الأخير، كمساهمة رمزية للمواطنين لدعم الإنتاج الحربي من جهة، وتفادي الفوضى والأوساخ من جهة أخرى.