24-يناير-2020

حمزة عماروش (الصورة: الترا جزائر)

حمزة عماروش، كاتب ومترجم جزائري قاطن في فنلندا، يقوم بشيء مختلف ومميّز، لم يسبقه إليه غيره، وهو ترجمة أعمال أدبية لكتّاب من الدول الإسكندنافية وبلدان الشمال إلى اللغة الأمازيغية. إنّه يفتح أفقًا مجهولا بالنسبة للجزائريين، فأدب أراضي الشمال ورغم ثراءه يظل غريبًا عن مجتمعاتنا، كما يمنح سكان بلاد الشمال فرصة أيضًا، لاكتشاف لغة وثقافة يجهلونها.

حمزة عماروش: الكاتب الكبير فريدبارت توغلاس كان له الفضل الكبير في التعريف بالجزائر في إستونيا

في هذا الحوار، يتحدّث صاحب "كيف يرقص الثعلب"، عن تجربة ترجمة أدب بلدان الشمال إلى اللغة الأمازيغية، حيث يرى فيها بادرة لبعث جسر يربط بين الثقافات، ويفتح أبواب العالم للغة الأمازيغية، كما يعرّج مترجم "سفينة الشمال الشراعية"، على وضع اللغة الأمازيغية في الجزائر، وضرورة منحها أفقًا يسمح لها بالتطوّر.

  • صرت في السنوات الأخيرة متخصّصًا في ترجمة أدب بلدان الشمال -إن أمكن تسميته كذلك- إلى اللغة الأمازيغية، كيف أتت فكرة هذا المشروع؟

في الحقيقة، أوّل ترجمة لي كانت عام 2004، عندما ترجمت مجموعة قصصية تضمّنت قصصًا من الأدب الأميركي، من بينها قصة للكاتب العالمي إرنست همنغواي، وقد كان العمل الوحيد لي باللغة العربية لحدّ الآن. لقد كانت تجربة مميّزة طالما أنها كانت تهدف إلى إثراء المكتبة الجزائرية ببعض الترجمات، ومع مرور الوقت وتطوّر الأوضاع خاصّة ما تعلّق بقضايا اللغة الأمازيغية التي لا زالت تتنفس بصعوبة في بيئتها الأصلية، لما لاقته من إجحاف في حقّها، تغيّرت أولوياتي في ترجمة الآداب، وخلصت في النهاية أنّه حان الوقت لإثراء هذه اللغة بترجمات أدبية تسمح للقارئ الأمازيغي بالاطلّاع على أدب الآخر، وربطه ثقافيًا ببيئات غير بيئته، ممّا يولد تقاربًا في الثقافات. الترجمة هي جسر يربط الآداب ويخلق ديناميكية ممّيزة لإثراء اللغات.

اقرأ/ي أيضًا: مادغيس ؤمادي.. مشاغل اللغة الأمازيغية

حينما انتقلت للعيش في استونيا منذ سنوات مضت، تعرفت على كتّاب مهمّين هناك، طالعت كتاب فريدبارت توغلاس (1886-1971)، الذي يحكي عن سفرياته إلى الجزائر ومنطقة القبائل، فكان له بالغ الأثر في المضي إلى التفكير في قاعدة صلبة لخلق تبادل أدبي ثقافي، بين ثقافتي الأم وتلك التي أتلقاها في دول الشمال، التقيت أيضًا بالكاتب الإستوني الكبير جان كابلينسكي، الذي ترجم إلى الإستونية مولود فرعون، محمد ديب ومالك حدّاد في ستينيات القرن الماضي، لقاءاتي المتكرّرة مع هذا الكاتب كانت ربّما الدافع الأكبر لترجمة أدب الشمال إلى الأمازيغية.

من استونيا إلى فنلندا، بدأتُ رحلة الترجمة، فترجمت العديد من الأشعار الفنلندية في جرائد جزائرية، ناهيك عن كتب تضمّنت قصصًا، مجموعات شعرية وروايات مصوّرة.

  • اشتغلت على ترجمة نصوص من اللغة الإستونية إلى الأمازيغية، هل كان ذلك عرفانًا لمجهودات جان كابلينسكي وفريدبارت توغلاس، اللذان اشتغلا على ترجمة روائع من الأدب الجزائري وإحياء تلك العلاقة بين ثقافة البلدين، أم أنّه رغبة منك لفتح مجالات أوسع للغة الأمازيغية؟

اشتغالي على ترجمة مجموعة شعرية لجان كابلينسكي، كان عرفانًا لما قدّمه للأدب الجزائري، هذا الشاعر من كبار شعراء التاريخ المعاصر، واسمه لازال يُرشّح لجائزة نوبل كل عام، لقد أثّر فيَ كثيرًا، حتى في مساري الأدبي، لقد روى لي مرارًا قصصه مع محمد ديب وأسيا جبّار، وكان يسألني كلّ مرّة ألتقيه عن اللغة الأمازيغية ووضعها الرسمي في البلد، كان يحدّثني كثيرًا عن بشير حاج علي، وما عاناه في السجن خلال الستينيات.

أعود لسؤالك، ترجمة الأدب الإستوني إلى اللغة الأمازيغية، اعتبرته دينًا يجب أن يردّ لكاتب يستحق ذلك، أمّا الكاتب الكبير فريدبارت توغلاس، فقد كان له الفضل الكبير في التعريف بالجزائر في إستونيا. قصصه عن الجزائريين والمدن الجزائرية كان لها تأثير على الأجيال التي جاءت بعده، دعني أقول لك إنّ ترجمة الأدب الإستوني، هو بمثابة مشروعٍ لبعث التبادل الثقافي بين البلدين ومن جهة أخرى فتح مجال أوسع للغة الأمازيغية، حتى تكسب بريقها في دول الشمال، فلا يخفى عنك أنّ وراء كل ترجمة إلى الأمازيغية تحدث نقاشات في دول الشمال، عن تلك الكتب وعن اللغة الأمازيغية حتى يكون لها صدى هناك.

  • نظرًا لطبيعة عملك في هيئة ثقافية فنلندية، واحتكاكك بالمجتمع الفنلندي ونخبته، هل لمست لديهم خاصّة، ولدى الشعوب الاسكندنافية عامة، إلمامًا بالثقافة الجزائرية وبإنتاجاتها الأدبية؟ هل يصل الأدب الجزائري لأراضي الشمال البعيدة؟

صحيح، أشتغل حاليًا كمنتجٍ ثقافي، في إحدى المراكز الثقافية بالعاصمة الفنلندية هلسنكي، لكن طبيعة عملي لا تقتصر على  الأدب فقط، أنا أشتغل حاليًا على مشروع يهدف إلى إدماج أكبر عددٍ ممكن من الجاليات في العاصمة إدماجًا ثقافيًا، عن طريق تنظيم أحداث ثقافية تعنى بمختلف ثقافات العالم.

بالنسبة لسؤالك، صحيح أنّ النخبة في فنلندا مطّلعة قليلًا على الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، خاصّة محمد ديب الذي ترجمت أعماله إلى الفنلندية في أواخر السبعينيات. هناك أيضًا أسيا جبّار التي طالما شاركت في ملتقيات ثقافية نظّمت هنا، وكذلك بوعلام صنصال الذي كان له أيضًا حضور هنا. خلال السنوات القليلة الماضية تكلّمت الصحافة عن كمال داود وأصبح له جمهورٌ مهمّ، خاصّة بعد ترجمة روايته "ميرسو تحقيق مضاد" إلى بعض لغات دول الشمال. مولود معمري أيضًا معروف لدى بعض الكتّاب، خاصّة القدامى منهم، فقد كان معمري، عضو لجنة تحكيم لإحدى المسابقات الأدبية المعروفة هنا وذلك عام 1984.

بصفة عامة، النخبة الفنلندية مطّلعة على بعض من الإنتاج الأدبي الجزائري الفرنكوفوني، أمّا المجتمع الفنلندي عمومًا لازال يجهل ما يُكتب في الجزائر، خاصّة بالعربية، إذ يكاد يكون غائبًا، مقارنة ببعض الكتاب العرب كالعراقيين والسوريين، ويعود الأمر للنشاط الدؤوب الذي تقوم به تلك الجاليات في فنلندا.

  • هل يعلم هؤلاء بوجود ثقافة أمازيغية في دول شمال إفريقيا؟

أعود مجدّدًا إلى تصنيف المتلقّي في فنلندا، إلى نخبة وجمهور عام؛ فالنخبة في فنلندا من كتّاب وفنانين يعرف الكثير منهم الأمازيغ والثقافة الأمازيغية. شخصيًا كان لي العديد من اللقاءات مع الكتّاب والشعراء، وغالبيتهم يعرف جيّدا مكوّنات وبنية مجتمعات شمال إفريقيا.

 مؤخرًا، دعتني الكاتبة والصحافية الفنلدية كاريتا باكسترون إلى منزلها، وهناك التقيت العديد من الكتاب أمثال الروائي فريديريك لانغ، والكاتبة فيفي آن شورغن.

فريديريك لانغ، روى لي كثيرًا عن رحلاته إلى المغرب ولقاءاته مع الأمازيغ هناك، أمّا فيفي آن شورغن، فقد زارت الجزائر في السبعينيات، وحدثتني عن منطقة القبائل، كانت أيضا صديقة مقرّبة لآسيا جبّار.

من جهتها، روت لي الصحافية والكاتبة كاريتا باكستروم، أنّها قالت لمحمد ديب مرّة في هلسنكي، إنّها تريد تعلّم اللغة العربية، فأجابها ديب "لم لا تتعلمين اللغة البربرية"؟

أمّا المجتمع الفنلندي فينقسم إلى قسمين؛ قسم مطّلع على الثقافة الأمازيغية دون التعمّق فيها، أمّا الباقي فلا يدرون بتاتًا أنّ هناك لغة أصيلة في البلد، النشاطات التي نقيمها منذ سنوات في فنلندا للتعريف بالثقافة الأمازيغية، كان لها بالغ الأثر وغيّرت الصورة عن بلدان شمال إفريقيا.

  • بصفتك كاتبًا ومترجمًا، كيف تقرأ الجدل الدائم الذي يحوم حول اللغة الأمازيغية وترقيتها، وهل ترى أن هناك مناخًا يسمح لها بالرقيّ أكثر في الفضاء الجزائري؟

اللغة الأمازيغية في الجزائر عرفت بعض التقدّم على المستوى الاجتماعي، سعيد أنّ الجزائريين بدأوا يتصالحون مع ماضيهم وتاريخهم اللغوي، واعتزازهم بالثقافة الأمازيغية، لا يجب أن ننكر هذا التحوّل الثقافي في البنية السوسيوثقافية الجزائرية.

لكن على المستوى الرسمي، للأسف الأمازيغية لا تزال تراوح مكانها رغم الوعود. مؤخّرًا سمعنا أن أولياء رفضوا أن يدرس أولادهم الأمازيغية في المدرسة، صراحة أنا أشفق على حال هؤلاء الأولياء، ومن جهة أخرى أين دور الدولة في كل هذا؟ أيعقل أن يتدخّل ولي تلميذ في البرامج الرسمية للمدرسة العمومية؟ تخيّل لو يتصرّف أولياء التلاميذ في منطقة القبائل مثلا ويرفضون أن يدرّس أولادهم العربية؟ أليست مثل هذه التصرّفات تنّم عن ضعف الدولة في اتخاذ تدابير صارمة لترقية اللغة الأمازيغية، كإرث لا يجب المساومة فيه.

حمزة عماروش: إن كان تدريس اللغة الأمازيغية إختياريًا وليس إجباريا، فعن أيّ ترقية يتحدثون؟

إن كان تدريس اللغة الأمازيغية إختياريًا وليس إجباريا، فعن أيّ ترقية يتحدثون؟ أعتقد أنّه حان الأوان ليتصالح الجزائري مع ثقافته وهويّته دون عقدة. الأمازيغية موروث يجب أن يفتخر به أي جزائري طالما هذا الإرث ليس ثقافة مستوردة من الخارج، آن الأوان للمضيّ بسرعة نحو تطوير هذه اللغة وتجهيز منشآت ثقافية تسهر على ترقيتها. أعطيك مثالًا عن الترجمة، أيعقل أن وزارة الثقافة لا تُنفق فلسًا واحدا لترجمة ما يكتبه العشرات من الروائيين من الأمازيغية إلى العربية أو الفرنسية وباقي اللغات، ألا يستحق أعمر مزداد، أو ابراهيم تازاغارت وآخرون، أن تترجم أعمالهم إلى لغات عالمية؟ يجب أن تدعّم الدولة مشاريع تُعنى بترقية هذه اللغة الرسمية، وتوفّر لها كل ظروف التطوّر، فحاليًا أي عمل باللغة الأمازيغية، هو نتيجة عمل فردي للمؤلّف أو بعض الناشرين الخواص.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر تقر رأس السنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا.. نهاية الجدل؟

أكثر من 100 معتقل ما زالوا في السجون بسبب الراية الأمازيغية