23-مارس-2024
المنتج مهدي بن عيسى

المنتج مهدي بن عيسى (الصورة: راديو أم)

سجل المتابعون للقنوات الجزائرية سيطرة غريبة للحملات الإعلانية على مختلف البرامج الرمضانية والأعمال الدرامية منذ بداية الشهر الفضيل، حيث لاحظ الجميع ذلك الكم الهائل من الفواصل الإعلانية والمقاطع التسويقية التي غزت مختلف البرامج والمسلسلات، حيث تتسابق العديد من الشركات بمختلف أنواعها وتعدد منتجاتها على الظهور في أكثر الأعمال مشاهدة، حتى تحقق الوصول إلى أكبر عدد من المستهلكين.

مهدي بن عيسى: الإشهار المفرط يكون ضارا بجميع الأطراف، بما فيهم أصحاب العمل، المعلنون أو القنوات التلفزيونية

يبدو الأمر مفرط الوقع، فرغم ضرورة وجود الإعلان التجاري للمنتجات المختلفة على التلفزيون كمصدر للدعم المادي الذي يبدو وحيدا في غياب ميزانيات مستقلة وجب توفيرها من الجهات المعنية، إلا أنه لا يمكن إغفال تلك المبالغة الكبيرة، إضافة إلى إقحام غير مبرر للعروض التسويقية للمنتوجات في الأعمال الدرامية، داخل أغلب المشاهد وفي أهمها أيضا، دون إغفال ذلك التشويش الذي تسببه بعض التصميمات الإشهارية التي تقطع على المشاهد متعته ومتابعته للعمل الفني وتحجب وجوه الفنانين بشكل غريب.

في تقرير نشرته وزارة الإتصال على حسابها الرسمي منذ أيام، وخلال لقاء دعا إليه سابقا وزير الاتصال محمد لعقاب مع مدراء القنوات التلفزيونية، تم الحديث فيما يتعلق بالإشهار والفواصل الإعلانية عبر القنوات التلفزيونية، حيث أبرز أن كل القنوات تقريبا تجاوزت الحدود المهنية والأخلاقية للمادة الإعلانية خاصة ما تعلق بالتوقيت الزمني، كما أوضح بالقول: " من المفروض أن الومضة الإشهارية هي التي تقطع البرنامج التلفزيوني، لكن في قنواتنا أصبح البرنامج التلفزيوني هو الذي يقطع مسلسل الإشهار". ما يعني أن وجود خضوع للجانب التجاري على حساب الإبداع الفني، وعلى حساب المواطن.

في هذا السياق، كنا قد رأينا خروج المنتج مهدي بن عيسى في عدة فيديوهات على حسابيه في "فيسبوك" و"إنستغرام"، باستنكار هذه المبالغات الإعلانية في الأعمال الفنية، حيث اعتبر هذه الممارسة مسيئة بحق الفنانين والعاملين في هذا المجال، كما طالب بالتدخل الفوري لكل الجهات المعنية بتأطير وتسيير هذه الحملات الإعلانية.

مهدي بن عيسى، هو خريج  قسم الإنتاج في مدرسة فمي الشهيرة بباريس، وقد اشتغل في استوديوهات فوكس في الولايات المتحدة الأمريكية،  وكذا لدى قناة ARTE  France .

مهدي بن عيسى

  اشتغل كمستشار إعلامي مختص لعدة قنوات عربية من باريس، وانتقل إلى الجزائر، حيث يعد ناشطا مهما في المجال السينمائي، وهو الآن محافظ المهرجان الدولي للسينما الجزائر، كما أنه ابن الممثل والكاتب سليمان بن عيسى وشقيق الممثل خالد بن عيسى.

هنا، نحاوره في "الترا جزائر" للتفصيل في مؤاخذاته بخصوص هذا الموضوع، إضافة إلى الحديث عن الحلول الممكنة التي ترضي جميع أطراف هذه الإشكالية.

 دور سلطة الضبط السمعي البصري 

 يقول المنتج مهدي بن عيسى في إجابة على سؤال حول ما يتوجب أن تعتمد عليه سلطة الضبط السمعي البصري من قوانين لتأطير وإعادة تأطير المبالغة الإشهارية في المنتوج الدرامي والتلفزيوني الجزائري، أن هذه السلطة يمكن أن تلجأ إلى كل القوانين الضبطية التي وجدت إلى غاية اليوم، في انتظار تقديم دفتر الشروط القادم وتطبيقه.

يضيف المتحدث أن المادتين 69 و 70 من قانون السمعي البصري لعام 2016، تحتويان على ما يشرح بوضوح تحديدَ المساحات الإشهارية، لكن ذلك لا يمكنه إغفال احترام العمل الفني، إذ ليس من الضروري أن يكون تحت ضبط قانوني ليتم احترامه، فمن البديهي تماما ألا يتم المساس بشكله ولا التعدي على محتواه، ولا أحد لديه الحق في ذلك، فحينما نتحدث عن احترامنا للعمل الفني، فإن هذا يعني عدم السماح بالتعدي على شكله المقدم ولا حتى إعادة المونتاج الخاص به، دون الإشارة إلى وجود مساحة إشهارية، لسنا بحاجة -أخلاقيا- إلى تلك القوانين لتقدير العمل الفني وعدم المساس به، إنها الطريقة الأصح، والقيام بالعكس أشبه بمن يشوه على عاملٍ يعبّد طريقا ما بحفر حفر متعددة وسط هذا الطريق.

 التمويل والخضوع للحملات الإعلانية 

يمثل الإشهار مصدر التمويل الرئيسي، إذا لم يكن الوحيد للقنوات التلفزيونية الجزائرية، وهنالك أصوات تدعو إلى إيجاد سبل مكمّلة للانتاج الذاتي لهذه المحطات التلفزيونية بغية إنقاص سطوة المواد الإشهارية على عرض الأعمال الفنية، وفي هذا السياق، يقول مهدي بن عيسى أنه لا شك في كون الإشهار حلقة مهمة في اقتصاد التلفزيون، بما في ذلك المعلنون والممولون، الذين يهتمون بشكل أكبر بمسألة تقييم إدراج الإعلانات في المنتوج التلفزيوني الذي يمولونه، حيث يهتمون بجودة العمل وقيمته، وكذلك بالكم الذي وجب أن يكون "ذكيا" غير مفرط، ما يمنح قيمة عالية للمنتوج المعلن عنه، وهذا ما يجب الحفاظ عليه، حسب المتحدث، لضمان حياة مستمرة لاقتصاد هذه القنوات التلفزيونية.

يطرح هنا مهدي بن عيسى إشكالية التوسيع المبالغ فيه للمُدْرَجَات الإعلانية في ما يتم عرضه على القنوات التلفزيونية، ما يؤدي حسبه إلى تأثير عكسي على المنتوج التجاري، حيث تنخفض أسعاره، وبالتالي ينفَضّ المعلنون ويبتعدون عن القنوات، وتنقص العروض المقدمة لها من طرف الممولين، لأنها لم تنتهج طريقة ذكية للإعلان، وهكذا تنهار شيئا فشيئا أرقام أعمال هذه المؤسسات الإعلامية، وينهار معها الإنتاج التلفزيوني والفني، ما يعني أن الإشهار المفرط يكون ضارا بجميع الأطراف، بما فيهم أصحاب العمل، المعلنون أو القنوات التلفزيونية.

يطرح هنا مهدي بن عيسى إشكالية التوسيع المبالغ فيه للمُدْرَجَات الإعلانية في ما يتم عرضه على القنوات التلفزيونية، ما يؤدي حسبه إلى تأثير عكسي على المنتوج التجاري

يؤكد المنتج مهدي بن عيسى أن نماذج الإشهار معروفة في كل أنحاء العالم، والقناة التلفزيونية بشكلها الحالي هي عبارة عن مُزَوِّد خدماتيّ يشتري برامج وأعمال معينة، ويدعمها بحملات إشهارية، ويقدمها كخدمة تلفزيونية للجمهور الكبير، فإذا ما كانت هذه البرامج أقصر مدة من الفواصل الإعلانية، تصبح هذه القنوات بمثابة نقاط شراء وبيع تلفزيوني، وتفقد صفتها الأولى ودورها الحقيقي، وهنا، يقول بن عيسى أن هنالك عنصرين مهمين وجب أن يتوفرا لنجاح أي قناة تلفزيونية، أولهما يكمن في أهمية تقديم برامج نوعية وقيّمة للجمهور - وهذا ما تشرف عليه الدولة وليس نظام الامتيازات- حسبه.

أما العنصر الثاني فهو منح قيمة عالية للماركات الخاضعة للاشهار في هذه البرامج، وهذا بالضبط ما سيثير إهتمام المعلنين، وإذا ما غاب عنصر من هذين العنصرين، سينهار لا محالة نظام القنوات التلفزيونية.

 مسؤولية الفنان إزاء المبالغة الإشهارية 

في سؤال حول توجيهه للحديث في فيديوهاته الأخيرة التي انتقد فيها الإفراط في الإشهار، إلى الممثلين والفنانين، وبالأخص شقيقه الممثل خالد بن عيسى، إضافة تذكيرهم بمسؤوليتهم للوقوف أمام هذه الممارسة المبالغ فيها، قال مهدي بن عيسى أنه لم يتحدث إليهم بصفة المهاجم أو اللائم، بل إنه كان يريد مد يد العون لهم بشكل ما، ولفت الأنظار إلى هذه الممارسات، وإلى الحضور الطاغي للوصلات الإعلانية في الأعمال التي يشاركون فيها، حيث يعد ذلك مساس بعمل الفنانين بما فيهم كاتب السيناريو، المخرج والممثل على حد سواء، وهذا ما اعتبره بن عيسى شيئا مؤسف ومهين، كما اعتبر تدخله وحديثه الموجه إلى هؤلاء، بمثابة مدّ ليد العون، ودعوة إلى إعانتنا بصفحتنا مشاهدين للحصول على تجربة مثيرة للاهتمام من خلال مشاهدة أعمالهم.

بين الإعلان والعروض التسويقية 

بالحديث عن الإشهار الذي نراه بين عملين، والعروض التسويقية للمنتج داخل العمل الفني في حد ذاته، والذي تكون دوافعه تجارية أكثر من كونها فنية داخل المَشاهد، إضافة إلى كثرة المنتوجات وعدم ضبط موقعها داخل بعض المشاهد من طرف القناة التي تعرض تلك الأعمال الفنية، يقول بن عيسى أن هنالك فرق كبير بين الإعلانِ المُدرَج في مساحةٍ تعلن عن المنتوج، وهذا ما تنتهجه كل الشاشات التلفزيونية "العادية"، وبين العرض التسويقي داخل البرنامج المقدم، وهنا، يضرب لنا المنتج مثالا بالممثل الذي قد يعبر الطريق ليركب سيارة في مشهد ما من فيلم أو مسلسل، وتكون ماركة تلك السيارة في اتفاقية تعاون أو تمويل للعمل، سنلاحظ هنا أن حركة الصعود إلى السيارة تكون عفوية وقصيرة لا تدوم لأكثر من ثوانٍ معدودة، فلا يتم داخل المشهد وصف السيارة بدقة، ولا تصوير تفاصيلها من الداخل والخارج، وإلا سيصبح ذلك شيئا مبالغا فيه للغاية، وتغييرا لطبيعة العمل في حد ذاته.

بن عيسى: هنالك عدة أفلام وبرامج ومسلسلات عالمية نعرفها ونحبها، كان فيها العديد من العروض التسويقية للمنتوجات داخل مشاهدها، لكنها لم تزعجنا ولم تُفرض على الممثل أو المخرج ولا على المُشاهد في مساحات كبيرة من شاشات العرض

هنا، يؤكد المنتج مهدي بن عيسى أن هنالك عدة أفلام وبرامج ومسلسلات عالمية نعرفها ونحبها، كان فيها العديد من العروض التسويقية للمنتوجات داخل مشاهدها، لكنها لم تزعجنا ولم تُفرض على الممثل أو المخرج ولا على المُشاهد في مساحات كبيرة من شاشات العرض، ذلك لأن المنتوج كان غير واضح، رغم أنه موجود، فعندما نشرب القهوة مثلا في مشهد ما من أي مسلسل، لا نكون بحاجة إلى العديد من المنتوجات التي لا تخدم المشهد فوق الطاولة، وهذا ما كان ضارا للأسف بالأعمال التي شاهدناها هذه الأيام، حيث نرى الكثير من المنتجات المختلفة، غذائية أو استهلاكية، مواد تنظيف وما إلى ذلك، ما يجعل المنتوج حاضرا أكثر من الممثل نفسه.

في الأخير، يطالب بن عيسى بوجوب تقنين الإعلانات التجارية والعروض التسويقية، وتحديد زمن وجود هذه المنتوجات داخل العمل، حيث يتم إنقاص سطوتها على مجرياته، إضافة إلى الذكاء في إدخالها داخل البرامج بمختلف أنواعها، وبأن تكون غير واضحة ومباشرة أمام المشاهد، وهذا هو المتعارف عليه والمعمول به في برامج العديد من القنوات التلفزيونية في مختلف الدول عبر العالم.