مع حلول شهر رمضان من كل عام، تتسابق مختلف صفحات وحسابات وقنوات الطبخ وصناعة الحلوى على مواقع التواصل الاجتماعي في الادعاء بتقديمها الوصفة اللغز لزلابية بوفاريك الشهيرة في الجزائر، فهل استطاعت هذه المنابر المختلفة في جعل الجزائريين يعزفون عن التوجه إلى بوفاريك لاقتناء الحلوى الأشهر بولاية الورود البليدة.
فوزي سعد الله: أهلُ سَهْل المتيجة في مدينة البُلَيْدَة يصرون منذ أكثر من 100 عام على أن الصَّانِع الأول تاريخيًا للزلابية هو أصيل بلدتهم التي يكون قد عاش فيها خلال الأعوام الأخيرة من القرن 19
وبالنسبة لكثيرين في الجزائر وبالخصوص في البليدة، فإن زلابية بوفاريك لا تعد عندهم مجرد حلوى لذيذة تستهوي متذوقي الحلوى فقط، إنما أصبحت أيضا رمزا من الرموز التي تعبر عن هوية المدينة وتاريخ مسار حلوى انتقلت من العراق أو الأندلس حتى وصلت الجزائر لتصبح احد أهم مكونات مطبخها.
عادات رمضانية
يؤكد الثلاثيني محمد في حديث إلى "الترا جزائر" أنه لن يستغني في رمضان هذا العام مثل كل المواسم عن اقتناء زلابية بوفاريك، ويقول إن ما يجعله يصر على شرائها الدائم هو ذوقها المميز الذي لا يمكن أن تجده في زلابية أو حلوى أخرى.
وأضاف أنه في كل مرة يتعرض لتأثير الصيام وتشهيه لأكلات معينة تكون زلابية بوفاريك ضمن هذه القائمة، خاصة وأن طبيعة عمله تجعله في تنقل دائم على الطريق الربط بين العاصمة وبوفاريك، وعند المرور بهذه الأخيرة لا يستطيع مقاومة زلابيتها الشهيرة.
ومحمد هو حالة تنطبق على كثير من الجزائريين الذين ينتظر أن يقبلوا هذا العام بكثافة على مدينة بوفاريك لاقتناء زلابيتها بعد أن اضطروا في العامين الماضيين للتقليل من التنقل إليها، بسبب جائحة كورونا التي كانت تستدعي تقليص السفر والالتزام بالتباعد الاجتماعي، إلا أن تهاوي مؤشر الإصابات بكوفيد-19 في الجزائر في الأسابيع الأخيرة إلى مستويات دنيا سيسمح للأوفياء لأشهر زلابية في الجزائر بالتنقل إلى بوفاريك لاقتنائها.
وبالنسبة لكل من تذوقوا هذه الحلوى المميزة، فإن كل المدعين على مواقع التواصل الاجتماعي في حيازتهم على الوصفة اللغز لزلابية بوفايك يخفقون في هذا الامتحان، لأن الزلابية الأكثر طلبًا في البلاد لم تستطع حتى الآن وحتى بعد جائحة كورونا أن تقلل من حج الجزائريين إلى مدينة بوفاريك لاقتناء الزلابية الأشهر والألذ في الجزائر.
لغز الحلوى
من المؤكد أن الجميع على دراية بالمكونات الأساسية للزلابية، والمتمثلة في طحين القمح والزيت والماء والسكر، إلا أن زلابية بوفاريك تحضر حصرًا من القمح الصلب، فيما تضاف لها اليوم بعض العطور المنكهة والملونات التي تختلف من طاهٍ إلى آخر، وفق ما يذكر صناع الحلوى ببوفاريك.
وحسب طهاة زلابية بوفاريك، فإن جودتها تكمن في مدة ترك العجينة للتخمّر، والتي من المفضل ألا تقل عن 24 ساعة.
ورغم أن بوفاريك تعج اليوم بالعديد من محلات بيع الزلابية، فإن رويات عديدة تقول إن الوصفة الحقيقية والسرية لزلابية بوفاريك لا تزال محتكرة من طرف ثلاث عائلات توارثتها جيلًا بعد جيل دون أن تفشي سرّ هذه الحلوى التي تظل مقاومة للتقليدي، رغم كل المحاولات التي تستهدف كشف تفاصيلها.
وتقول شهادات من المدينة أن هذه الوصفة بدأت مع عائلة عكسيل التي بدأت صناعة الزلابية ببوفاريك عام 1989، ونقلتها لاحقًا إلى عائلتي لوكيل وشنون بعدما تصاهرت معهما، لتبقى العائلات الثلاث محافظة حتى اليوم على سر هذه الوصفة، حتى وإن كان بعض سكان المدينة يقولون إنهم يحوزون على الوصفة السرية لهذه الزلابية النادرة التي لا يوجد لها نظير آخر سواءً في باقي مدن الجزائر أو في باقي دول العالم.
عدم التوثيق
رغم أهميتها بالنسبة للجزائريين ولمدينة الورود، إلا أن توثيق زلابية بوفاريك ضمن التراث الجزائري أو العالمي يبقى متأخّرًا حتى الآن، وهو ما قد يعرضها للسطو الثقافي والغذائي حتى وإن كان من الصعب على أي أحد - حسب سكان المنطقة - صنع زلابية مشابهة لتلك المنتجة ببوفاريك.
ولا يتوقف نقص التوثيق حول الزلابية على زلابية بوفاريك، إنما أيضًا بالنسبة لباقي الزلابيات الموجودة بالجزائر، والذي قد يتعلق بالأساس إلى أصل الزلابية الذي تتعدد بشأنه الروايات.
هنا، يقول فوزي سعد الله مؤلف كتاب "الشتات الأندلسي الذي يؤكد اختلاف الآراء حول أصل الزلابية أن أهلُ سَهْل المتيجة في مدينة البُلَيْدَة وعلى وجه الخصوص صُنَّاعها في مدينة بوفَارِيكْ القريبة الذين يصرون منذ أكثر من 100 عام على أن الصَّانِع الأول تاريخيًا للزلابية، الذي صاح "زلّ بيّ"، هو أصيل بلدتهم التي يكون قد عاش فيها، برأيهم، خلال الأعوام الأخيرة من القرن 19".
توثيق زلابية بوفاريك ضمن التراث الجزائري أو العالمي يبقى متأخّرًا حتى الآن
وأضاف "ومهما كانت الآراء بشأن صدقية هذه الاعتقادات، لا ريب في أن إضافات أهل هذه المنطقة الجزائرية تُعد من أسْعَد ما عاشته الزلابية من مغامرات عبْر تاريخِها الطويل مَشْرِقًا ومَغْرِبًا بالنَّظر إلى ما بَلَغَتْهُ في بُوفَارِيكْ خاصَّةً من رقة وثَراءٍ في الطَّعْم والأشكال والألوان. وهو ما جعلها اليوم، تتفوَّق على غيرها من الزَّلاَبيات في الجزائر، وربما حتى خارج الجزائر، وقادرة بسِحرها الخاص على استقطاب الناس الذين يأتونها إلى بوفاريك خاضعين مُبايِعين عابِرين مسافات قد تصل إلى 100 كلم أو أكثر للظَّفر ببضعة كيلوغرامات تُزيَّن بها الموائد وتَسْعَد بها البطون في شهر رمضان".
ورغم المخاوف التي قد تطلق بأن تطال السرقة زلابية بوفاريك مثلما حدث مع أطباق وحلويات جزائرية أخرى، فإن سعد الله يقول إن "الزلابية طويلةُ العُمر تأبى الاندثار، وأصيلةٌ لا هي من "الاندماجيين" ولا من السِّلْبِيين الراضين بالذوبان الذَّليل في ثقافات الغير، بل اختارت منذ عصرها الذهبي خندق محور المقاومة".