07-ديسمبر-2023
حقوق الإنسان

(تركيب: الترا جزائر)

فتحت الجزائر هذا العام من جديد أبوابها لزيارة المبعوثين الأمميين المعنيين بحقوق الإنسان، بعد تأجيل تعدى العقد من الزمن، في خطوة  تحاول الحكومة من خلالها إسكات الانتقادات التي توجه إليها في هذا المجال، والتأكيد على نجاعة الإجراءات التي اتخذتها في مجال حقوق الإنسان، فهل سيكفي هذا لتغيير مضامين التقارير الدولية التي تُصاغ ضدّها سنويا؟

رئيس لجنة الشؤون القانونية والإدارية بالمجلس الشعبي الوطني لـ"الترا جزائر": الحكومة من خلال سياستها الخارجية تحاول اليوم القول بأنها منفتحة على كل الأطراف لاستعادة مكانتها الدبلوماسية المطلوبة

وشكل موضوع الحريات وحقوق الإنسان على الدوام  نقاشًا في البلاد، وبالخصوص في السنوات الأخيرة، حيث يرى البعض أن هناك "تراجعًا" في الحريات السياسية والنقابية، فيما يعتقد آخرون أن ما تقوم به الحكومة هو إعادة ضبط للمشهد السياسي والإعلامي وحصر حالة الانفلات التي كانت موجودة، خاصة وأن الانتقادات تأتي في الغالب –حسب السلطة- من منظمات غير حكومية أجنبية متهمة بتنفيذ أجندة أطراف لا تريد الخير للجزائر.

انفتاح

في 25 تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، بدأت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان ماري لولور زيارة إلى الجزائر دامت 10 أيام، حيث التقت أعضاء من الحكومة وموظفين وممثلين عن المجتمع المدني وتنقلت إلى عديد ولايات البلاد.

وقالت لولور في ندوة صحفية في ختام زيارتها "أودُّ أولًا أن أقدم صادق شكري للحكومة على دعوتها والجهود الاستثنائية التي بذلت من أجل تسهيل هذه الزيارة المثمرة"، مشيرة إلى أنها "سترفع تقريرًا بشأن زيارتها إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي في آذار/مارس 2025."

واعتبرت لولور أنه "باستقبالها، فإن الحكومة الجزائرية تؤكد بوضوح أنها على استعداد للالتزام كما ينبغي بالمسائل المتعلقة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، كونها كان بإمكانها عدم الاستجابة لطلبي كما فعلت دول أخرى".

وأضافت أن "عدد الاجتماعات رفيعة المستوى التي خصصت لي تنم عن التزام الحكومة الجزائرية بالتعامل بجدية مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، والعمل من أجل حماية أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان"؛ وحسب المقررة الأميية، فإن "الغالبية العظمى من تلك الاجتماعات جرت في جو من الاحترام المتبادل والالتزام البناء".

وتعدُّ هذه الزيارة الثانية لمسؤول أممي مهتم بحقوق الإنسان تستقبله الجزائر في أقل من 3 أشهر، بعدما زارها في أيلول/سبتمبر الماضي المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات كليمان نيالتسوسي فول.

وتتحفظ الحكومة الجزائرية أحيانًا على زيارات ممثلين لمنظمات غير حكومية حقوقية، وترفض استقبالهم، إلّا أن الأمر يختلف مع المقررين الأممين، حتى تم تأجيل موعد زياراتهم عدة مرات، فزيارة كليمان نيالتسوسي فول  كانت مقررة أن تتم في أيلول/سبتمبر 2022، بل في الأصل كان من المفروض أن تتم في 2011، حسب  تصريحات منظمات حقوقية غير حكومية.

وإن كان هذا التأجيل حتى 2023 يُضعِف موقف السلطة الجزائرية في جانب، فإنه من جانب آخر يقوّي موقف الحكومة، باعتبار أن المواعيد السابقة كانت مبرمجة في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي يتفق الجميع بشأن الوضع السياسي الذي كانت تعيشه الجزائر في عهدتيه الرئاسيتين الثالثة والرابعة، إضافة إلى أن عدم قبول الجزائر بالزيارة العام الماضي قد يفهم بسبب الخروج من جائحة كورونا، وكذا بداية التأسيس لـمشروع "الجزائر الجديدة" الذي يرافع له الرئيس تبون.

وقال نائب رئيس لجنة الشؤون القانونية والإدارية بالمجلس الشعبي الوطني، عابد بن عزوزي، المنتمي لحركة مجتمع السلم لـ"الترا جزائر" إن "هذا الانفتاح الذي تشهده البلاد هذا العام بقبولها زيارات مقررين أممين بعد انقطاع لسنوات كان منتظرًا، بالنظر إلى أن البلاد دخلت مرحلة سياسية جديدة بعد حراك 22 شباط/فيفري2019، وكذا بعدما عاشت في العقد الماضي حالة من الفوضى السياسية."

وأشار بن عزوزي إلى أن "الحكومة من خلال سياستها الخارجية تحاول اليوم القول بأنها منفتحة على كل الأطراف لاستعادة مكانتها الدبلوماسية المطلوبة."

لكن حسب كليمو نياليتسوسي فوول، فإن "الجانب الأممي يهتم بالتحديات والممارسات وكذا طرق التنسيق وضمان برامج إذكاء القدرات في مجال ضمان الحريات والمعرفة القانونية لكل الأطراف المعنية والمتدخلة قبل وخلال وبعد التجمعات والتظاهرات السلمية"، أي لا يجب أن يتعلق الأمر بالجانب القانوني فقط.

ودعا مصطفى فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي حُلّت وعوضها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الحكومة في حديثه مع "الترا جزائر" إلى "مواصلة سياسة الانفتاح على مختلف المنظمات الحقوقية، لأنه لا يوجد للجزائر ما تُخفيه، ووضعها الحقوقي فيه إيجابيات وبعض النقائض كغيرها من الدول، لذلك عليها التصرف على الدوام كدولة قانون تفتح بلادها لكل من يريد زيارتها."

تأكيد

خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك شهر أيلول/سبتمبر الماضي، قال الرئيس تبون إن "الجزائر التي حظيت بدعم وثقة الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان لنيل العضوية فيها، هي طرف في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتعمل بكل حرص على تعزيز تعاونها معها ومواصلة تنسيقها مع مختلف هيئات المعاهدات المعنية بحقوق الإنسان وآليات الاستعراض الدولي الشامل"، مذكرًا بتسليم  الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 تقريرها الوطني الرابع في إطار هذه الآلية.

وأكد تبون أن الجزائر "تؤمن إيمانا عميقا بأن احترام حقوق الإنسان وترقيتها هو حجر الزاوية لأي نظام سياسي ذي مصداقية وتعمل على تعزيزها بكل الوسائل الممكنة".

وعاد تبون في كلمته إلى دستور تشرين الثاني نوفمبر 2020 الذي كان وراء إقراره، والذي حدد  الولايات الرئاسية بمرتين فقط، كما ضمن حقوقا سياسية ومدنية كثيرة، واعتبره البعض أنه أكثر وضوحا وأفضل من دساتير سابقة، لكن المشكلة في الجزائر كانت على الدوام في التطبيق وليس التشريع.

الحقوقي فاروق قسنطيني لـ"الترا جزائر": علينا تسويق ما تقوم به الجزائر في مجال حقوق الإنسان وعدم ترك الآخر يتحدث عنها بتقارير كاذبة

وحسب تبون، فإن التعديل الدستوري لسنة 2020 يعد "إشهادا على قناعتنا بضرورة تعزيز الحقوق والحريات وأنه لا يمكن أبدا المساس بجوهرها".

واستطاعت وزارة العدل في أيلول/سبتمبر الماضي امتصاص غضب نقابة المحامين التي كانت تهدّد بالاحتجاج، وذلك بتقديمها وعودًا لمراجعة ما جاء في مشروع قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، واللذين تضمنا حسب النقابة مواد تضر بحقوق المتقاضين.

وأعلنت الحكومة في أيلول/سبتمبر الماضي أيضا مراجعتها لقوانين تتعلق بالممارسة النقابية كانت قد لقيت رفضًا واسعًا وانتقادًا من قبل التنظيمات العمالية، فقد أشار بيان للوزارة الأولى إلى أن وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي قدم مشروعي مرسومين تنفيذيين اتُخذا تطبيقا لأحكام القانون رقم 23 ـ 02المؤرخ في 25 نيسان بريل 2023 المتعلق بممارسة الحق النقابي، ويتعلق الأمر بـ"مشروع مرسوم تنفيذي يتعلّق بالتمثيل النقابي والإحصائيات النقابية، ومشروع مرسوم تنفيذي يحدّد القواعد المتعلقة بالانتداب النقابي وكيفيات الاستفادة من عطلة التكوين النقابي في المؤسسات والإدارات العمومية".

وقالت الحكومة إن "هذان النصان يهدفان إلى توفير ظروف أفضل لممارسة الحق النقابي بما يتماشى والأهداف الاقتصادية، لاسيما من خلال ضمان اتساق معالم التمثيل النقابي الذي يشكل الشرط الأساسي لممارسة الحق النقابي وللمشاركة في الحوار والتشاور الاجتماعيين."

وتستعد الحكومة في الأيام القادمة لتقديم مشاريع قوانين تتعلق بالأحزاب والجمعيات، والبلدية والولاية، إضافة إلى سن قوانين جديدة تتعلق بالممارسة الصحفية في مختلف أصنافهم المكتوبة والإلكترونية والسمعية البصرية.

وهنا شدّد الحقوقي فاروق قسنطيني على ضرورة "تسويق ما تقوم به الجزائر في مجال حقوق الإنسان، وعدم ترك الآخر يتحدث عنها بتقارير كاذبة، لذلك لا بد من استقبال مختلف المبعوثين الحقوقيين"، لافتا إلى أن "الجزائر لديها عدة جوانب متقدمة في مجال حقوق الإنسان باعتبارها دولة اجتماعية، فهي توفر السكن لمواطنيها، وتضمن مجانية التعليم والعلاج."

انتقادات

في أيلول/سبتمبر الماضي، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس تبون يدافع فيه بنيورك عمّا تقوم به الجزائر في مجال حقوق الإنسان والتزامها بالمعاهدات الدولية، سارعت منظمات غير حكومية إلى إصدار بيانات منتقدة لوضع حقوق الإنسان في الجزائر.

وقالت "هيومن رايتس ووتش" التي لم تكن يوما على وفاق مع السلطات الجزائرية في ورقة إحاطة قدمتها إلى كليمان نياليتسوسي فول إن "السلطات الجزائرية سحقت الفضاء المدني خلال السنوات الأربع الماضية".

وتزعم المنظمة غير الحكومية الأميركية أنه تم "تعطيل" المجتمع المدني "المستقل" في الجزائر، و"عرقلت السلطات التعددية السياسية بالاستناد إلى قوانين مُقيدة للجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات، فقد علّقت السلطات أو حلّت منظمات المجتمع المدني المستقلة والأحزاب السياسية المعارضة ووسائل الإعلام، وسجنت المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والصحفيين ظلما".

لكن "هيومن رايتس ووتش" اعتبرت أيضًا أن الزيارة التي تأتي بعد عدة سنوات من التأجيل "تبعث الأمل بزيادة السلطات الجزائرية تعاونها مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان."

أما منظمة العفو الدولية التي تملك مكتبًا في الجزائر على عكس "هيومن رايتس ووتش" فقد قالت على لسان مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا هبة مرايف إنه "يتعين على السلطات الجزائرية أن تعمل بشكل بنّاء مع المقرر الخاص أثناء زيارته للبلاد، بما يضمن وصوله الكامل وغير المقيد وقدرته على إجراء اتصالات سرية وغير خاضعة للإشراف مع أي شخص يرغب في مقابلته".

وتصنّف السلطات الجزائرية ما يرد من انتقادات على لسان المنظمات غير الحكومية الدولية على أنه "افتراء وادعاء" من هذه الجمعيات المرتبطة بالجهات التي تمولها، حيث لم يتردد الرئيس تبون في مرات عدة بانتقادها وتوجيه اتهامات لها باستهداف بلاده عبر تقاريرها التي تحمل "أكاذيب" على حد تعبيره في أحد تصريحاته حول تقارير منظمة مراسلون بلا حدود.

واعتبر فاروق قسنطيني في حديثه مع "الترا جزائر" أن "هذه التقارير الدولية ستصبح دون جدوى مع انفتاح البلاد على المقررين الأممين، بالنظر إلى أن هذه الانفتاح سيجعل التقارير التي تكتب من وراء البحر عديمة المصداقية وبعيدة عن الواقع سواء بإيجابياته أو سلبياته."

ولاحظ قسنطيني أن السلطات تبذل جهودًا لتحسين حقوق الانسان في البلاد، فمثلًا له انتقادات بشأن حرية التعبير، إلا أن الخطوات التي تبذلها الحكومة من الناحية التشريعية عبر إصدار قانون إعلام جديد، وقوانين تخص الصحافة المكتوبة والإلكترونية والسمعية البصرية وغيرها من القوانين المنتظرة ستضبط العمل المهني الإعلامي وتحصر هامش الخطأ في هذا المجال.

وسواءً تم الاتفاق أو الاختلاف حول مضمون التقارير الدولية حول حقوق الإنسان، إلّا أن الجميع يؤكد على أهميتها في تحسين صورة البلاد السياسية خارجيًا، وكذا في جلب الاستثمارات الأجنبية لما يتعلق الأمر بالتنافسية الاقتصادية والشفافية، وهي جوانب تحتاج  لها الحكومة الجزائرية الباحثة عن عودة قوتها الدبلوماسية وتنويع الاقتصاد وتطويره، وكذا بالنظر لأهميتها في المسؤوليات الدبلوماسية التي تنظرها العام المقبل بعضويتها في مجلس الأمن وفي مجلس حقوق الإنسان الأممي.