02-فبراير-2024
سوق السيارات المستعملة بتيجلابين

سوق السيارات المستعملة بتيجلابين في ولاية بومرداس (الصورة: سبق برس)

يبدو أن تواصل دخول عدد معتبر من السيارات الجديدة لكافة الوكلاء المعتمدين إلى السوق منذ شهر آذار/مارس 2023 ووصول عدد كبير من المركبات إلى الموانئ شهر كانون الثاني/جانفي 2024 وانتظار آلاف المركبات الأخرى، يُبشّر ببداية انتعاش سوق السيارات المستعملة في الجزائر وتلبية الطلب الذي فاق كل الحدود.

رئيس جمعية حماية المستهلك لـ "الترا جزائر": التخلص من السمسار أو الوسيط ليس صعبًا، ويجب على السلطات تنظيم سوق السيارات والوقوف على عملية بيع السيارات لدى الوكلاء لمنع التحايل

ورغم استبشار المواطن بتلاحق عدد كبير من البواخر إلى الموانئ محملة مختلف أصناف وأنواع السيارات إلّا أن وسطاء سوق السيارات والذين يُطلق عليهم تسمية "السمسار" لم ترق لهم الفكرة، حيث باشر هؤلاء حملات مسعورة تسعى لتشويه سمعة السيارات الجديدة المتداولة لدى الوكلاء المعتمدين من جهة، والترويج للسيارات المستعملة كالخيار الوحيد والأمثل أمام الراغب في اقتناء سيارة.

تغول "السمسار"

من جهته، يُعرّف رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي، السمسار بأنه مصطلح شعبي في الجزائر، يُقصَدُ به الشخص الذي يلعبُ دور الوسيط في العملية التجارية ويسعى لفرض وجوده بين وكيل السيارات والزبون أو بين بائع السيارة المستعملة والمشتري.

ويُضيف زبدي بأن السمسار في العادة يقوم باقتناء عدد كبير من السيارات المستعملة ويعمل على الترويج للإشاعات المتعلقة بالسيارات الجديدة أو المستعملة بهدف تحقيق الربح والفائدة في سوق السيارات.

وينشط السمسار، حسب رئيس المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، في كل مكان وزمان، ولا يهمُه إلّا تحقيق الأرباح سواءً  باستغلال المواقع الإلكترونية وسوق السيارات الشعبية أو حتى المكاتب الرسمية قائلًا: "يمكن أن ينشُط السمسار بطريقة نظامية ويملك سجلًا تجاريًا لبائع السيارات وهو في الحقيقة سمسار يقتني السيارات الجديدة ويُعِيد بيعها".

ويرى زبدي أن التخلص من السمسار أو الوسيط في العملية التجارية ليس بالأمر الصعب، حيث وجب على السلطات العمومية اتخاذ جملة من الإجراءات لتنظيم سوق السيارات والوقوف على عملية بيع السيارات لدى الوكلاء لمنع التحايل وفرض الشفافية بهدف قطع الطريق أمام السماسرة وتوعية المستهلك بضرورة اللجوء إلى الطرق القانونية في اقتناء السيارات وعدم الوقوع في شباك "السمسار".

وفي هذا الإطار كشف زبدي عن اتخاذ منظمة حماية المستهلك جملة من الإجراءات والتدابير للتحذير من السماسرة الذين تكاثروا بسرعة منذ سنة 2019 نتيجة قلة العرض وكثرة الطلب على السيارات.

كما رأينا -يقول زبدي- كيف حاول هؤلاء استغلال تعطش سوق السيارات بعد دخول سيارات "فيات" من خلال شراء كميات كبيرة وإعادة بيعها، حيث أطلقنا صفارة الإنذار وبناءً على ذلك يقول، زبدي، تحرّكت السلطات ومنعت الاكتتاب لدى الموثقين لوقف عملية "السمسرة" في السيارات الجديدة.

ولم يتوقف هؤلاء فقط عند نقطة البحث عن السيارات الجديدة لإعادة بيعها وتحقيق ربح بل امتد لسوق السيارات المستعملة من خلال السعي لإبقاء أسعارها مرتفعة وذلك من خلال إطلاق إشاعات حول السيارات الجديدة ونوعيتها، ما جعل "حماية المستهلك" تدخل في حرب خفية عبر المواقع مع هؤلاء، حيث عملت المنظمة على متابعة بورصة السوق المستعملة ونشر الأسعار الحقيقة الأمر الذي لم يرق لهؤلاء.

وبالنسبة للأشخاص الذين يطلقون إشاعات بخصوص وجود عيوب في السيارات الجديدة، يقول زيدي: "نؤكد كمنظمة حماية المستهلك أن اقتناء السيارات الجديدة خاضع لدفتر شروط ينظم النشاط، وبالتالي فإن هدف هؤلاء هو إضعاف هذه العلامات مما يجعل السمسار في موضع قوة".

إجراءات صارمة

ولم تلتزم وزارتي الصناعة والإنتاج الصيدلاني والتجارة وترقية الصادرات الصمت اتجاه ما يحدث في سوق السيارات. وعمليات بيع السيارات الجديدة للوسطاء الذين يحاولون امتلاك كميات كبرى منها لإعادة بيعها بسعر مرتفع من خلال فرض مادة في دفتر شروط استيراد السيارات، تتضمن منع بيع أكثر من سيارة لكل مواطن مرة كل خمس سنوات، وهذا تفاديًا للاحتكار، وتطويقا لعمليات "السمسرة".

بيان وزارة العدل

كما باشر أعوان الرقابة خرجات ميدانية بداية من الصائفة الماضية لتحري عمليات بيع السيارات لدى الوكلاء المعتمدين وتستمر هذه العملية بشكل دوري في كل مرة، منعًا لأي تجاوزات.

وفي نفس السياق، أقرت وزارتي الداخلية والجماعات المحلية والعدل قرارات تمنع بيع السيارة لدى الموثق، ويتعلق الأمر بالمركبات الجديدة واستخراج البطاقة الرمادية لأصحاب السيارات الجديدة التي يتم بيعها، لدى البلديات، وهي الإجراءات التي كبحت بداية من شهر آب/أوت 2023 أي محاولات للوسيط للاستحواذ على السيارات الجديدة المعروضة في سوق السيارات.

هذا وتُصِرُّ وزارة الصناعة في كل مرة على ضرورة ضبط نشاط الوكلاء المعتمدين وجعله مطابق بنسبة مائة بالمائة لما يتضمنه دفتر الشروط، من خلال معاينات ميدانية وتقييم لمستوى الأداء ونسبة تسليم المركبات الجديدة، وهذا حتى لا تتكرر نفس سيناريوهات التجاوزات التي شهدتها الأسواق في السنوات الماضية، أي قبل سنة 2019.

تفضيل السيارات الجديدة

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي أن مبيعات السوق الوطنية للسيارات عرفت انتعاشًا مؤخرًا بدخول علامات جديدة إلى الميدان، وإقبال المواطنين على اقتنائها إلّا أن التراكم الناتج عن سنوات الغلق الماضية جعل السوق بحاجة إلى ضخ المزيد من السيارات.

وأضاف حيدوسي في إفادة لـ"الترا جزائر"  أن المواطن الجزائري اليوم لا يزال في حالة ترقب لسوق السيارات خاصة وأن أسعارها لا تزال مرتفعة رغم العروض المقدمة من قبل وكلاء السيارات والحديث عن سيارات لا يتجاوز ثمنها 200 مليون سنتيم. 

وبالتالي فإن الرؤية اليوم، حسب الحيدوسي، غير واضحة للمستهلك الذي يرغب في شراء سيارة، حيث يتواجد في موقع حيرة بين شراء سيارة مستعملة تحمل علامة أوروبية ومرغوبة لدى الجزائري أو شراء سيارة جديدة لم تُستَعمل من قبل. وفي هذه الحالة يتخوّف الزبون من العلامة الآسيوية غير المعروفة في سوق السيارات الجزائرية، إلّا أنه رغم ذلك يُصِرُّ أغلبية الجزائريين على اقتناء مركبات جديدة.

الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي: المواطن الجزائري لا يزال يترقب سوق السيارات، خاصة وأن أسعارها لا تزال مرتفعة رغم العروض المقدمة من قبل الوكلاء السيارات

كما أن العوامل الاقتصادية المختلفة مع تدني المستوى المعيشي وتراجع القدرة الشرائية، أثرت، حسب الخبير، على اختيارات المواطن الجزائري خاصة وأن المحرك الرئيسي الذي على أساسه يختار المواطن أي نوع  سيارة يريد شراءها، فهل يتجه نحو السيارة الأوربية مهما كان وضعها مستعملة أو جديدة؟ أو يختار السيارة الآسيوية.

وشدّد في ختام إفادته على أنّ أحسن حل أمام الجزائري اليوم هو اكتساب سيارة بطريقة قانونية عبر الاقتناء من وكيل معتمد والاستفادة من خدمات ما بعد البيع والضمان وقطع غيار والصيانة.

وينتظر الجزائريون أن تنتعش سوق السيارات المستعملة، بعد فتح الباب أمام استيراد السيارات الجديدة منذ آذار/مارس 2023 وإطلاق مصانع لتركيبها في الجزائر، وهو ما سيجعل أسعار السيارات تتراجع لتكون في تناول الزبون.