حمل قادة أحزاب سياسية ملف تمويل الحملة الانتخابية إلى اللقاء، الذي جمع الثلاثاء، الرئيس عبد المجيد تبون برؤساء 27 حزبًا ممثلة في البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة في 21 أيار/ماي الجاري، بحثا عن أجوبة وحلول.
مصادر لـ"الترا جزائر": أحزاب اشتكت للرئيس تبون في اللقاء الأخير من تخلّف وزارة المالية عن سِداد منح الدعم العمومي
وناب بلقاسم ساحلي، رئيس التحالف الوطني الجمهوري، الذي أعلن خوض السباق الرئاسي المقرر في السابع من أيلول/سبتمبر المقبل، عن الأحزاب السياسية التي تُسمى صغيرة في طرح القضية، مشتكيًا من تخلّف وزارة المالية عن سِداد متأخر منح الدعم العمومي، الذي أقرته الحكومة في قانوني المالية والأحزاب السياسية للتشكيلات الحزبية التي تحوز على مقاعد في البرلمان للأعوام 2019 و2020، وفق ما علمه "الترا جزائر" من مشاركين في اللقاء.
وخاطب ساحلي الرئيس تبون، قائلًا: "بتنا مضطرين لاقتطاع أموال لأجل أحزابنا بدل إنفاقها على عائلاتنا". واقترح رئيس التحالف الجمهورية هنا تسهيلات للأحزاب السياسية لتخفيف الأعباء المالية عليها "تضم السماح لها باستغلال قاعات الاجتماعات مجانا أو مقابل مبلغ مالي زهيد".
وبدوره طالب الطاهر بن بعيبش، رئيس حزب الفجر الجديد، في ذات اللقاء بتدخل الدولة لحل إشكالية المقرات، مشتكيًا من "تخلي الدولة عن الأحزاب الجديدة بعكس أحزاب أخرى وخصوصًا التي ظهرت في بدايات التعددية الحزبية حيث وضعت الدولة تحت تصرفها مقرات في قلب العاصمة"، وفقه.
ولم يعلّق الرئيس تبون على هذين المطلبين، غير أنّه وعد بإشراك الأحزاب السياسية في صياغة قانوني الأحزاب السياسية والانتخابات.
مشكل قديم
ليست المرة الأولى التي يطرح فيها ملف تمويل الأحزاب السياسية، إذ كان واحدًا من القضايا التي رفعها قادة أحزاب سياسية إلى السلطات العليا في البلاد منذ إحلال التعددية السياسية في البلاد، وإذ كان في اللقاء الذي جمع رؤساء أحزاب حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية بالرئيس تبون.
وهنا صرح لخضر بن خلاف، الرئيس السابق لمجلس شورى 'العدالة والتنمية" لـ "الترا جزائر" إثر استقباله من الرئيس تبون في 15 حزيران/جوان 2022 أن "قضية شح التمويل العمومي للأحزاب السياسية، نوقشت، ضمن الأفكار التي طرحت في سبيل إعادة الاعتبار للعمل السياسي في الجزائر والتي تتطلب فسح المجال للأحزاب وتمكينها من وساءل العمل". وقال بن خلاف أن "رئيس الجمهورية أبدى استعداده لمعالجة الوضع".
ملف تمويل الأحزاب السياسية طُرح في مرات عديدة سابقة أمام السلطة لكنه لم يجد طريقه للتسوية
وطُرِح الملف أيضًا خلال مناقشات مخطط عمل الحكومة في 2021 وبيان السياسة العامة للحكومة. ثم تكرّر خلال مناقشة قوانين المالية، حيث قام رؤساء المجموعات البرلمانية بإطلاع الوزير الأول السابق، أيمن بن عبد الرحمن، على الإشكال وتوجيه مذكرات إلى وزراء المالية الذين يحوزون على صفة آمر بالصرف لأجل تحويل المساعدات المالية للأحزاب الممثلة في البرلمان.
انفراج جزئي
لم يحدث انفراج جزئي في أزمة تمويل الأحزاب إلّا في أواخر العام 2022، بعد نقل إدارة الملف إلى وزارة العلاقات مع البرلمان من وزارة المالية.
وبالفعل قامت الوزارة التي تتولى التنسيق بين الحكومة وغرفتي البرلمان باستلام ومعالجة طلبات التمويل للأحزاب الرئيسية (التي تحوز على مجموعات برلمانية) ثم انتقلت خلال العام الجاري 2024 إلى تسوية مستحقات الأحزاب التي تحوز عددًا محدودًا من المقاعد منها جبهة القوى الاشتراكية.
وأكد رئيس جبهة الجزائر الجديدة، جمال بن عبد السلام، لـ"الترا جزائر" أنّه باشر إجراءات الحصول على حصة الحزب من التمويل العمومي عن المقعد الذي يحوزه في المجلس الشعبي الوطني.
وكشف بن عبد السلام، الذي انتقل لسبع مقرات له منذ تأسيس الحزب قبل حوالي 15 عامًا أنّ "مبلغ 40 مليون سنتيم يفيدنا في التكفل بمصاريف الحزب؛ ولو كانت بسيطة."
وتشعر الأحزاب السياسية وخصوصًا المنخرطة في سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة بضغط شديد في ظل محدودية الخيارات لتمويل الحملة الانتخابية، إذ من شأن شح الأموال الضرورية الحد من قدراتها في التنقل بين مناطق البلاد لجمع استمارات المواطنين لتزكية المرشحين وطبع البرامج الانتخابية وصور المرشح وتعليقها.
إصلاح
ينص التشريع الجزائري على حصول الأحزاب السياسية على تمويل من ميزانية الدولة شرط حيازتها على مقاعد في البرلمان. إذ نصت المادة 65 من الأمر 08/02 المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2008 على حق الأحزاب السياسية في الحصول على مساعدة من الدولة تقدر بـ400.000 دج عن كل نائب في البرلمان (في حالة توفر الحزب على نساء منتخبات يحصلون على 10 ملايين سنتيم إضافية عن كل معقد).
وتبقى سیاسة تمویل الأحزاب محل نقد، ففي دراسة متخصصة للباحث محمد أقيس، جاءت في مقال له بعنوان "تمویل الأحزاب السیاسیة في النظام الجزائري"، صدرت في العدد 5/2019 من مجلة دراسات إنسانية، فإنّ "التشريع الجزائري يفرض قيودًا غير مناسبة لعمل الأحزاب. مما يوجب إدخال إصلاحات عميقة عليها."
وقالت الدراسة بأنّ "قانون الأحزاب السياسية يحصر استثمار الحزب لأمواله في الأنشطة غیر التجاریة مما یترتب عنه عدم الاستفادة منھا مالیًا الأمر الذي یحول والتمویل الحقیقي للحزب". وتابع: "إن توفرت فهي محصورة في مجال ضیّق للغایة وتتجسد في مجال الطبع والنشر للأعمال الحزبیة".
وبرأي الباحث أقيس فإنّ "هذه الأنشطة لا تعد تجاریة بالمفھوم الذي یحقق الأرباح بل مجرد أنشطة خدماتیة لا توفر موردًا ھامًا من المال، وھذا ما یدفع ببعض الأحزاب إلى الاستنجاد بأموال أرباب العمل في الحملات الانتخابیة، وهو الأمر الذي یؤثر على العمل السیاسي ویحقق مصالح رجال المال على حساب مصلحة الشعب".
وذكر الباحث أن اشتراط حصول الأحزاب السیاسیة على التمویل العام المباشر مقابل الفوز بمقاعد برلمانیة، یؤدي لا محالة إلى صب أموال التمویل العام في خزائن الأحزاب السیاسیة الكبرى وحرمان الأحزاب السیاسیة الصغیرة وحدیثة النشأة منھا، وھذا یخرق مبدأ المساواة بین الأحزاب. وبالتالي یدفع بھا للحصول على تمویل مشبوه.
دراسة: اشتراط حصول الأحزاب السیاسیة على التمویل العام المباشر مقابل الفوز بمقاعد برلمانیة، یؤدي لا محالة إلى صب أموال التمویل العام في خزائن الأحزاب الكبرى وحرمان الصغیرة وحدیثة النشأة منھا
واقترح في خلاصة بحثه الترخيص للأحزاب السیاسیة باستثمار أموالھا في بعض الأنشطة التجاریة حتى تستطیع الاستفادة منھا مالیا وتدعم أنشطتھا السیاسیة، مما یصد ظاھرة التمویل الخفي للأحزاب. ودعا لإسقاط شرط الفوز بمقاعد برلمانیة كأساس للحصول على التمویل العام المباشر وجعل جمیع الأحزاب السیاسیة متساویة في الحصول علیه، وتمكین الأحزاب السیاسیة الصغیرة من حصة الأسد حتى تستطیع تكوین كیانھا وتفرض نفسھا في الساحة السیاسیة والمشاركة في الاستحقاقات السیاسیة وكذلك مجابھة الأحزاب السیاسیة الكبرى.
كما حثّ صاحب الدراسة على "إنشاء هيئة مستقلة عن مؤسسات الدولة مھمتھا الرقابة على مالیة الأحزاب السیاسیة، وتمكینھا من ممارسة مھامھا بكل حیادیة وشفافیة ودون أي ضغط یمكن أن یمارس علیھا."
للعلم، تتولى وزارة الداخلية التدقيق في إنفاق الأحزاب السياسية، بينما تُشرِف السلطة المستقلة للانتخابات على عملية التحقيق المالي في تمويل الحملات الانتخابية وصرف الأموال للمرشحين وفق شروط قاسية.