11-أبريل-2024

الانتخابات في الجزئر (صورة: فيسبوك)

بعد نجاحها في استقطاب اهتمامٍ داخليٍ وخارجيٍ، بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى السابع أيلول/سبتمبر المقبل، تواجه السلطات الجزائرية تحديًا كبيرًا وهو ذهاب الجزائريين إلى التصويت بكثافة وتحسين نسب المشاركة في هذه الانتخابات وتعزيز الشرعية السياسية، على خلاف ما حدث في مواعيد انتخابية سابقة.

الصحافي محمد كبسي لـ "الترا جزائر":  الاعتماد على المجتمع المدني لتعويض غياب الطبقة السياسية من شأنه إحداث تأثير عكسي ويتسبّب في إحجام المواطنين عن المشاركة في الانتخاب

تحسين معدّلات المشاركة وتحويل الاستحقاق الرئاسي إلى موعد للمصالحة مع الانتخابات لا يعدً أمرًا يسيرًا نظرًا لقناعة قطاع واسع من الجزائريين بأن هوية من سيجلس على كرسي الرئاسة في قصر المرادية معلومة مسبقًا.

لطالما كان الخوف من مقاطعة الانتخابات، وما يترتب عنه من احتجاجات تسبق هذه الفترة، أو حتى مظاهر الاحتجاجات التي أدت في بعض الولايات إلى اقتحام مراكز الاقتراع وتحطيم الصناديق الانتخابية، هاجسًا قوي لدى السلطات التي تسخّر كلّ إمكانياتها لتفادي تسويق هذه الفكرة، حيث تعتمد عل عدة أساليب ترغيبية ورقابية لمنع المقاطعة.

على الورق، تملك السلطة إمكانية تحسين معدّلات المشاركة والحصول على تفويض شعبي "فعلي" يعزز موقف مرشّحها وموقعها في مواجهة الضغوط الإقليمية،خصوصًا في هذه المرحلة التي تحوز فيها البلاد على عضوية مجلس الأمن.

ولكن طموح تحسين معدّلات المشاركة وتحويل الاستحقاق الرئاسي إلى موعد للمصالحة مع الانتخابات وليس مجرد محطة تقنية بحته دونه عقبات لا يعدً أمرًا يسيرًا؛ نظرًا لقناعة قطاع من الجزائريين بأن هوّية من سيجلس على كرسي الرئاسة في قصر المرادية معلومة مسبقًا، بالإضافة إلى رسوخ ظاهرة رفض المسارات السياسية للسلطة، والاغتراب السياسي لدى شريحة معتبرة من المواطنين وخصوصًا في معاقل المعارضة التقليدية كمنطقة القبائل والعاصمة التي تشهد معدّلات تصويت متدنية منذ عقود. 

اغتراب سياسي

إلى هنا، توقّع الكاتب الصحفي محمد كبسي أن تُحافظ مناطق المقاطعة التقليدية على نفس النسق  التفاعلي مع الرزنامة الانتخابية السلطة، وأوضح قائلًا: "مع أنه مازالت تفصلنا خمسة أشهر عن موعد الانتخابات الرئاسية يمكن القول أن نسبة الاقتراع في منطقة القبائل ستكون كالعادة في مستواها الأدنى مقارنة بباقي مناطق البلاد".

وتابع في تصريح لـ "الترا جزائر": إن خيبة الأمل التي سكنت النفوس بعد الحراك الشعبي والغياب المحتمل للتجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية الراسخين في منطقة القبائل ستجعل مهمّة الذين يعولون على تصحيح الوضع في المنطقة معقدة"،منبهًا إلى أن الاعتماد على المجتمع المدني لتعويض غياب الطبقة السياسية "من شأنه إحداث تأثير عكسي" أي زيادة إحجام المواطنين عن المشاركة في الانتخاب.

وتشترط أحزاب سياسية تجاوب السلطة أولًا مع الحد الأدنى من مطالبها بدءًا بالانفتاح عليها، وإقامة حوار وطني، ورفع القيود عن العمل السياسي والحريات الإعلامية،وإطلاق سجناء الرأي والناشطين السياسيين وإعادة الاعتبار لهم، قبل بحث الانخراط  في العملية السياسية والمسار الانتخابي.

إلى هنا، تتوجه الأنظار إلى قائمة المشمولين بالعفو الرئاسي التي تصدر بمناسبة الأعياد الدينية والوطنية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما لا يستبعد  إمكانية العفو أو تخفيف العقوبات عن محكوم عليهم في قضايا تجمهر أو بثّ منشورات، وبعض صغار التجار ضحايا قانون مكافحة المضاربة المثير للجدل، فيما يستثنى المتورطون في قضايا الإرهاب والاتجار بالمخدرات والفساد وجرائم الدم.

ولم يمثل تدنّي نسبة المشاركة في السابق أي عقدة للسلطة، فهي في الواقع كانت هي المستفيد الفعلي من ظاهرة الغياب والمقاطعة مادامت الطوابير الطويلة أمام مكاتب الاقتراع في الولايات الداخلية توفر لها الحد الأدنى المطلوب لتسويق هذه الانتخابات خارجيا. ولقد كان هاجسها منذ الاستقلال باستثناء محطات صعبة الإبقاء على دوام صيرورة المسار الانتخابي وانعقاده في موعده مع توفير أكبر قدرٍ من الضمانات القانونية الشكلية وهو ما تعزز في الأعوام الأخيرة بسحب تنظيم الانتخابات من الإدارة وإنشاء سلطة مستقلة للإشراف وتنظيم الانتخابات ودعوة مراقبين من الجامعة العربي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 لكن مع ترسخ ظاهرة المقاطعة وتوظفيها كورقة من قوى المعارضة والخصوم في الخارج  للطعن في مصداقيتها والترويج لافتقاد النظام السياسي للتفويض الشعبي أصبح في منظور السلطة ضروريًا تحسين الفعل الانتخابي والبحث عن توسيع الحاضنة الشعبية للنظام السياسي في مرحلة  تشد فيها المنطقة تغييرات عنيفة.

لم تستقطب الانتخابات الرئاسية التي أجريت  بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر2019  سوى 39.88 بالمائة من الناخبين، بحسب تقديرات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، و هي أدنى نسبة على الإطلاق تسجّل في انتخابات رئاسية تعدّدية في تاريخ البلاد، مقابل 50,7% في 2014 و75,68% في سنة 1995.

تقاسم الأرباح

إلى هنا يرى رئيس حزب الجزائر الجديدة أحمد بن عبد السلام، أن لنسبة المشاركة في الانتخابات أهمية سياسية وأخلاقية ونفسية أكثر من أهميتها القانونية،وقال في رد على سؤال لـ"الترا جزائر"، أن نسبة مشاركة عالية تعطي للرئيس القادم أريحية معنوية ونفسية عالية لممارسة صلاحياته وتجسيد برنامجه ومواجهة التحديات والعوائق التي قد تعترضه". 

 وأردف:''كلما ارتفعت هذه النسبة كلّما زاد زخم هذه الانتخابات وعززت شرعية ومشروعية النظام السياسي وفي الوقت ذاته تمكن من إغلاق المنافذ أمام  الأطراف الأجنبية في حالة طعنت في مصداقية العملية الانتخابية".

وتابع: أن "أهم تحد يواجه الطبقة السياسية والسلطات معا هو العمل على إعادة دمج المواطن الجزائري في العملية الانتخابية وإشراكه وتحميله مسؤولياته لأن إعادته إلى الاهتمام بالانتخابات والمشاركة فيها يعتبر خطوة عملاقة بين المواطن والسلطة من جهة والمواطن والطبقة السياسية من جهة أخرى ويعطي لأي مرشح أو قوة سياسية تنبثق من الانتخابات قاعدة ارتكاز شعبية محترمة من جانب آخر".

مستطردًا "للوصول إلى رفع معدل المشاركة وجب وضع آليات لبناء هذه الثقة والعمل على إقناع هذا الناخب أنه يمكنه أن يكون شريكا في العملية السياسية واتخاد القرار".

وتحوز السلطة على شبكات دعم والمساندة التقليدية وقى زبونية وكتلة ناخبة استفادت من السياسات الاجتماعية للدولة كالعاطلين عن العمل الذين يتلقون منحة بطالبة، المقدر عددهم  يتجاوز مليوني مستفيد وآلاف من حاملي الشهادات الجامعية الذين حصلوا على وظائف وحملة شهادات الدكتوراه والأرامل والمتقاعدين إلى جانب المستفيدين من السمات الاجتماعية.

وتملك السلطة ورقة المجتمع المدني زيادة عن شبكات الدعم الحزبي في قيادة حملة الدعاية لأهمية التصويت في الانتخابات وفتح صفحة جديدة وقلب صفحة انتخابات 2019.

سلطة انتخابية غائبة

ويقع على عاتق الأحزاب السياسية عبء الترويج للتصويت، وخصوصًا القوى الإسلامية، إذ ورغم إدراكها بأن فرص مرشحها مستحيلة، تشكّل الانتخابات المقبلة فرصة لها للحفاظ على كتلتها الناخبة واختبار مدى شعبيتها.

من جهته، يرى عبد القادر بريش عضو قيادة حركة البناء الوطني ورئيس مجموعتها البرلمانية بالمجلس الشعبي الوطني لـ "الترا جزائر" أن الحركة تعمل على المساعدة في تسليط الضوء على أهمية هذه الاستحقاق.وقال:'' نبذل جهدا ونقود تحركات لتفعيل الاهتمام بالانتخابات الرئاسية وانشأنا لجنة انتخابية وطنية ونحن حاضرون في الساحة بقوة".

وأشار في هذا الخصوص إلى الحاجة لتحرّك مؤسّسات أخرى منوط بها مرافقة جهود السلطات العمومية لدفع المواطنين للمشاركة في الانتخابات.

تتوجه الأنظار إلى قائمة المشمولين بالعفو الرئاسي التي تصدر بمناسبة الأعياد الدينية والوطنية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة

وصرّح: "يحوز المجلس الأعلى للشباب على صلاحيات وإمكانات بشرية توجب عليه المشاركة في هذه الجهود ودفع الشباب للمشاركة في العملية السياسية، كما يقع عبء كبيرٌ بحكم صلاحياتها على السلطة المستقلة للانتخابات التي يتوجب حضورها على مدى أيام السنة وليس المناسبات الانتخابية و تجديد اللوائح الانتخابية".