02-نوفمبر-2019

من معرض الجزائر الدولي للكتاب (فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

قبيل انطلاق "صالون الجزائر الدولي للكتّاب"، علّق أحدهم يقول إنه يتمنّى أن تحظى بعض الكتب بالاهتمام وهي تعرض على هامش "صالون الجزائر الدولي للشاوارما"، ففي زمن انقلاب المفاهيم والموازين، أصبح الفرع أصلًا والأصل تدحرج إلى الهامش.

في ظلّ شبه انعدام للمكتبات في مختلف المدن الجزائرية، أصبح الصالون هو الفرصة الوحيدة لكثير من الناس 

الزائر لصالون الكتاب الذي يتواصل حاليًا، سيقف حتمًا أمام هذه المفارقة المؤسفة؛ وهي أنّ كثيرًا من أجنحة العرض التي يكتريها أصحابها بمبالغ ضخمة، لا يحصّلون في النهاية إلا ثمن وجبة شوارما مع زجاجة مشروبات غازية إن تمكّنوا من الحصول عليها، أمام الطوابير الكبيرة أمام محلّات الأكل على كثرتها في محيط المعرض.

اقرأ/ي أيضًا: معرض الكتاب في الجزائر.. الحج إلى المعرفة

وفي ظلّ شبه انعدام للمكتبات في مختلف المدن الجزائرية، أصبح الصالون هو الفرصة الوحيدة لكثير من الناس من أجل الاطلاع على جديد النشر، رغم أن كثيرًا من الناشرين الأجانب يحملون معهم القديم الذي يقّدم في كلّ مرّة على أنه جديد، في شكل كتب دينية وأخرى من التراث العربي، وبعض الكتب المترجمة التي سقطت حقوق مؤلّفيها بعد رحيلهم عن عالمنا منذ خمسين سنة أو يزيد.

ويتزامن المعرض في كلّ سنة مع عطلة الخريف المدرسية، حيث دأبت كثير من العائلات على التنقّل إليه من مختلف أنحاء البلاد إلى درجة تزدحم الطرقات ولا يكاد الزائر يصل إلى قاعات العرض إلا بشقّ الأنفس.

يستغلّ المنظمون هذا الوضع في كل مرّة، ليؤكّدوا أن المعرض يحقّق أرقامًا قياسية للحضور يقال إنها تقترب من رقم المليونين، لكنه رقم في النهاية لا يعكس إقبالًا حقيقيًا على الكتاب، مثلما يعكس واقعًا يتسّم بثقافة استهلاكية عنوانها "شطائر الشوارما" وما شابهها من مأكولات سريعة.

يجد بعض العارضين للكتب في زمن الذروة أنفسهم مختنقين مع جموع الزائرين الذين يتنقّلون بين أروقة المعرض دون أن ينتبهوا إلا لبعض كتب الأطفال أو اللعب غير المتوفّرة بين رفوف "كتب الكبار" التي تلقى كسادًا رغم الدعوات المتكرّرة لحفلات التوقيع الموجهة بإلحاح من الكتّاب أنفسهم.

ومع انهيار القدرة الشرائية يجد كثير من "القرّاء الحقيقيين" أنفسهم عاجزين عن شراء مجموعة من الكتب التي يبحثون عنها، وبعضهم يضطر إلى التظاهر بتصفّح الكتاب، ويقوم بتصوير غلافه ليبحث عن نسخة مقرصنة منه على شبكة الانترنيت، وبعضهم يجد أن أهم الكتب التي تثير فضوله قد قرأها قبل ذلك مقرصنة، وهو وضع لا يُرضي القارئ ولا الناشر على حدّ سواء.

ولأنّ قوانين المنطق تقول إنّ الأسباب نفسها تؤدّي إلى النتائج نفسها، فإن المأساة تتكرّر في كل مرّة، حيث يراهن كثير من الكتّاب على "دخول أدبي" انطلاقًا من المعرض، لكنّه في النهاية يكون دخولًا حقيقيًا لباعة الوجبات السريعة، ودخولًا لبعض الناشرين الطفيليين الذين لا ينشرون الكتاب إلا إذا موّله المؤلّف بنفسه وفق نظرية "صفر مخاطر"، وبعضهم يلجأ إلى قرصنة بعض الكتب التجارية بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي يفكّر بها باعة الشوارما.

مع انهيار القدرة الشرائية يجد كثير من القرّاء  أنفسهم عاجزين عن شراء الكتب 

المفارقة أن ناشري الكتب والعارضين وكلّ الزوّار، يجدون أنفسهم مضطرين للوقوف في طوابير للحصول على أكلات سريعة بينما أصحاب تلك الدكاكين لا يجدون الوقت ولا الرغبة للدخول بين أروقة الكتب، ومعظمهم لا يستهويه من الأوراق إلا الأوراق النقدية، وهذا ما يضاعف من المأساة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قصص "أخبار الرازي".. هل يحكم الجنون العالم؟!

رواية "الحي السفلي".. سجل سياسي لانتحار بطل كافكاوي