10-أبريل-2024
(الصورة: فيسبوك) الصينية النحاسية

(الصورة: فيسبوك) الصينية النحاسية

في العيد، تحرص عائلات جزائرية على تهيئة مائدة فطور الصباح بنكهة تقليدية، قوامها الصينية النحاسية والأواني المصاحبة لها، ورغم اختلاف الأزمان والمناطق إلا أنّ هذه القطعة المصنوعة من النحاس تبقى "السيدة الأولى" التي تتربع على عرش الاحتفالات بعيد الفطر المبارك في كثير من المناطق، والمنافسة الأقوى للأواني الأخرى بشكلٍ بارز.

تعتبر صينية النحاس، جزءًا لا يتجزأ من طقوس الاحتفال بعيد الفطر فهي تمثل تاريخًا وتراثًا عريقًا لدى الجزائريين، وتحمل الكثير من الذكريات، كما أنها تملأ العين قبل أن تملأ البطن بكل أنواع الحلويات المعروضة

صينية النحاس لدى الجزائرين لها وقعٌ عميق في نفوس الأضياف، وأثر جميل ودافئ في جلسات السمر، فعندما يلج الضيوف البيوت ويُستقبلون بصينيات النحاس المطلية بلون فضي لامع، منضودة بالحرير المطرّز، فاعلم أن من المعزة لدى صاحب الدار وفرحته بوجودك ليس بالمقدار القليل، وأنك ضيف يحظى بالتقدير والتبجيل والترحيب مكانًا قد لا ينزله غيرك من العابرين.

خصوصية الزينة

لا تتوانى الأسر على تقديم حلويات العيد في أبهى حلة، وبأجمل مظهرٍ ينسجمٌ مع هذه المناسبة لاستقبال الضيوف والمهنئين بحلول العيد بعد إتمام صيام شهر رمضان.

حلويات عيد الفطر

ونظرًا لخصوصية المناسبة، فإن كثيرًا من العائلات في عدة مناطق جزائرية مثل البليدة وقسنطينة وتلمسان وعنابة وميلة وسكيكدة، وغيرها من المدن، ما زالت تُحافظ على عادة تحضير "صينية العيد" في ليلة العيد، وتنظيم صحون الحلويات، تزامنا مع تحضيرات ملابس الأطفال وتهيئة صالون الضيوف.

تقديم الحلويات التي تصنعها أنامل النسوة الجزائريات احتفالًا بالعيد لا يكون مكتملاً إلا في مائدة وصينية نحاسية، كما تقول سمية معافة من منطقة سيدي مران شرق الجزائر، موضحة في حديث لـ "الترا جزائر" إلى أن "الصينية النحاسية هي أهم قطعة من جملة الأواني الموجودة في البيت، خاصّة وأنها تفي بالغرض أُثناء استقبال الضيوف في المناسبات خاصّة الأعياد ".

وتضيف محدثتنا أن الصينية النحاسية هي أحد القطع المهمة التي تأخذها العروس معها ضمن مختلف أدوات الزينة والأفرشة ما يسمى بـ"جهاز العروس".

وفي هذا الصدد،وجب الإشارة إلى أن عديد المدن الجزائرية مازالت تحافظ على عادة شراء "الأواني والأدوات النحاسية" الخاصة بالعروس، ففي ميلة شرق الجزائر تعد الصينية النحاسية أحد أهم الأغراض التي تأخذها لبيت زوجها، وطبعًا ليست الصينية لوحدها بل مختلف القطع المرافقة لها والتي تزينها أيضًا، وتكون مصنوعة من النحاس، مثل "المرش الذي يوضع فيه ماء الورد المقطر، أو ماء الزهر" فضلًا عن " السكرية التي يوضع فيها السكر" كقطع سافرت من زمن إلى زمن، وظلّت أهم شيء يميز أغراض البيت خلال المناسبات.

ومهما كانت الأواني المعروضة في المحلّات والأسواق وثمنها المنخفض بالمقارنة مع الأواني النحاسية، إلا أن الأخيرة تبقى أحد ركائز الأواني في الكثير من البيوت الجزائرية، وغالبًا ما تكون دائرية الشكل  أو مستطيلة، إذ تستقطب الأعين وتجذب النساء، هنا، تقول السيدة كريمة بوكلوز، وهي ممرضة بعيادة طبية بمنطقة عين السمارة بقسنطينة، إنها "تبقى مشدوهة أمام محلات النحاس، عندما تقع عينها على تلك الأواني المصنوعة بالأيدي وبأشكال مختلفة وبنقوش جميلة"، مشيرة إلى أنها تحفٌ خاصّة تزين بها غرفة الصالون وتستعملها عند الحاجة وخاصّة في المناسبات وأثناء استقبال الضيوف في عيد الفطر والأضحى.

حلويات عيد الفطر

مرتان في السنة

 في عيد الفطر وعيد الأضحى، تعتبر صينية النحاس، جزءًا لا يتجزأ من طقوس الاحتفال، فهي تمثل تاريخًا وتراثًا عريقًا لدى الجزائريين، وتحمل الكثير من الذكريات، كما أنها تملأ العين قبل أن تملأ البطن بكل أنواع الحلويات المعروضة.  

بعيدًا عن روتين الحياة اليومية، وحول مائدة صبيحة عيد الفطر، لم يذكر التاريخ علاقة النحاس بالعيد، غير أنها تفسح المجال للتأمل في طقس تتمسك به العائلات، ويفيد المهتمون بهذا المجال بأن صناعة الأواني هي جزء من الحياة المتحركة، فكل النقوش في تلك الصينية، دليل على أن الحاجة إلى المجلس الطيب والاستمتاع برشفة قهوة وقطعة حلوى له ما يميزه في استقبال ضيوف العيد من الأهل والأقارب والجيران والأحبة.

"قبل أن يشبع البطن، تشبع العين أولًا"، يقول صانع النحاس فريد بلمكي في الحي العتيق بمدينة ميلة لـ"الترا جزائر"، معتبرًا لذة الحلويات المنضودة على الصينية النحاسية، لها نكهة خاصّة وطابع مميّز، وبالأخص في وجود الحلويات التقليدية مثل "المقرود المصنوع في الفرن والبقلاوة" وغيرها من الحلويات.

تنافس حصري

تهتمّ العائلات بتزيين قاعة الضيوف يوم العيد، لكن الديكور والمفارش التقليدية المصنوعة بالأيدي، رجعت بقوة للبيوت، بعدما غزت المفارش المصنوعة في المصانع، وهذا ما يجعل من الأواني التقليدية النحاسية تحتل المكانة الرفيعة في احتفالية عيد الفطر.

وإن كان يشيع اليوم استعمال الأواني المصنوعة بطرقٍ حديثةٍ سواء من حيث المادة المستخدمة أو الآلة التي أنتجتها، إلا أن صينية النحاس كأغلب الأواني، تشبه البشر كثيرًا فهي يمكن أن تتكيف مع العصرنة، وتسافر إلى أي مكان من قسنطينة إلى كندا، ويمكن أيضًا إهداؤها للزائرين أو كعربون محبة لصديق عزيز، وسرعان ما تصبح أحد الأدوات المستعملة في العيد.

ما يميز الصينية النحاسية عن غيرها من الأواني، تلك النقوش المختلفة والزخرفات التي تخطها الأنامل بإتقان، إذ لازالت تقاوم تقلبات الزمن لسنوات طويلة، بل يمكن توريثها في العائلة الواحدة من الجد إلى الأب إلى الحفيد، وفي ذلك تقول صورية بوالصوف القاطنة اليوم في بئر توتة وسط الجزائر، إنها تُحافظ لحد اليوم على صينية نحاسية ورثتها عن جدّتها لأمها، حيث جلبتها ضمن أغراض البيت بعد زواجها وهي في عمر الـ 25 سنة.

فهذه الصينية -حسب قولها لـ"الترا جزائر"، لا تعكس فقط الجمال والقيمة، من حيث الزخار ف التي تزينها، ثم إن سعرها اليوم مرتفع جدا، قد يصل ما بين 50 دولار ًا إلى 200 دولار، غير أن قيمتها تتمثل في كونها إرثٌ يمكن استخدامه تارة وجعله قطعة من قطع الزينة في المنزل تارة أخرى.

حلويات عيد الفطر

عبق الفرح

على غرار خصوصيات بعض المدن الجزائرية، عُرِفت مدينة الصخر العتيق، قسنطينة، بصناعة النحاسيات: (الصقل والنقش والحز ّوالطرق)، رباعية حركات يدوية كافية لإخراج تلك الصينية التي تزين وسط قاعة الضيوف في مختلف البيوت الجزائرية، قد يستغرق من صناعها أياما معدودات، لأن" الشِّي المْلِيحْ يْطَوَلْ" أي أن التحفة الجميلة تحتاج لوقت لتجهزيها بأبهى حلة".

ففي شارع رحماني عاشور بولاية قسنطينة شرق الجزائر، المكان الذي حمل اسم حي "بارْدو" منذ الفترة الاستعمارية، يحتفظ بشرف حرفة  النّحاسين ويمنح لعاصمة الشرق الجزائري لقب "عاصمة النحاس"، وهي التسمية التي تحملها هذه المدينة بعد التسمية الشهيرة "مدينة الجسور المعلقة" كما هو متداول ولا يختلف حولها أحد.

في هذه المدينة التي تعد من الحواضر العريقة في الجزائر، يتحدّث الكثيرون عن عراقة الحرفة التي أصبحت إرثًا عائليًا، فالأب يورثه للأبناء بعد أن حملوا لقب "صْنَايْعِي"، كما أن هذه الصنعة تُدرًّس في مراكز التكوين المهني والحرفي في الجزائر، سعيًا من القائمين على التراث والثقافة في البلاد، إلى الحفاظ على مثل هذه الحرفة التي ترمز لهوية الأمكنة وتصنع الأفراح.

على اختلاف حرص النساء في تبجيل الصينية النحاسية على غيرها من الأواني التي تجود بها المصانع وتعرض في المحلات، إلا أنهن جميعا يلتقون في تزيينها بشتى الحلويات وأصناف المذاقات

لكن، على اختلاف حرص النساء في تبجيل الصينية النحاسية على غيرها من الأواني التي تجود بها المصانع وتعرض في المحلات، إلا أنهن جميعا يلتقون في تزيينها بشتى الحلويات وأصناف المذاقات التي تعبر عن عبق الفرح ولغة الابتهاج في مختلف المناسبات.