01-أغسطس-2022
موظفون في شركة ناشئة للتوصيل حققت انتشارًا واسعًا في الجزائر (الصورة: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

موظفون في شركة ناشئة للتوصيل حققت انتشارًا واسعًا في الجزائر (الصورة: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

استحسن موظفون في عدة قطاعات حكومية إقرار نظام العطلة الاستثنائية التي ستسمح لهم بأن يتفرغون لإطلاق مشاريعهم الخاصة، بعيدًا عن الالتزام الوظيفي بما يعرف قانونًا بـــ"التفرّغ المهني" لتلك المشاريع لمدة سنة، غير أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام عديد المطالبات من مختلف الفئات الشغّيلة بأن تستفيد هي الأخرى من تسهيلات في آداء عملها أو التفرغ للدراسة وتحسين المستوى العلمي والأكاديمي بعيدًا عن الضغوطات المهنية.

يتساءل متابعون عن كيفية تعويض الموظّف الذي أخذ عطلة لمدّة سنة لإنشاء مؤسسته الخاصة؟

توجّه قرار مجلس الوزراء الأخير القاضي بإقرار وترسيم العطلة الاستثنائية للعمال الذين يودّون الخوض في إنشاء مؤسّسات ناشئة أو مقاولة ناشئة، إذ يستهدف فتح الباب أمام المبادرات في سوق العمل وإنعاشه بمؤسسات جديدة، من شأنها أن خلق مناصب شغل وبدورها تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدّخل والثّروة.

فتح نوافذ للمبادرات

القرار يقضي بتعديلات مسّت الوظيفة العمومية إذ تتعلّق بعطلة لتأسيس مؤسّسة ناشئة، إذ يتوجّه بالأساس إلى الشّباب من العمال الأجراء للنّشاط في المجالات الاقتصادية، نحو إنشاء مؤسّساتهم، إذ ستسمح لهم القوانين بــ"تقاضي أجر يتوافق مع عدد ساعات العمل المؤداة وعند انقضاء آجال العمل بالتّوقيت الجزئي، ويعاد إدماجهم في مناصب عملهم بالتّوقيت الكامل"، بينما يشترط على العامل أن يكون قد مرّت على فترة عمله في المؤسّسة الحكومية، "ثلاث سنوات من الخدمة الفعلية في المؤسسة وكذا تقديم طلب الاستفادة من هذا الحق ثلاثة أشهر على الأقل قبل التاريخ المحدد لبداية الانتفاع به".

في هذا المضمار، تمسّ هذه التّعديلات التي تضمنها قانون العمل بحسب ما أوردته الجريدة الرسمية، شريحة واسعة من الموظفين الذين يملكون مبادرات ترمي إلى تشجعهم لإنشاء مؤسساتهم الخاصة، بحسب ما أشار إليه وزير العمل والضّمان الاجتماعي يوسف شرفة في تصريحات صحفية سابقة، في وقت يحتفظ به العامل في المؤسسة الحكومية بكلّ حقوقه المهنية خلال فترة العطلة المعنية من أجر وتغطية الحماية الاجتماعية.

كما تضع الوزارة تسهيلات أخرى أمام الموظف، في حالة ما إذا أخفق في عدم تأسيس مؤسسته الخاصة بإعادة إدماجه مجددًا في وظيفته الأصلية أو في منصب آخر بالأجر نفسه. 

الحرية الوظيفة

ورغم أن هذا القرار الذي سيُرضي كثيرين خاصة وأنه سيضمن حقّ العامل الموظف في مؤسسته الحكومية، إلا أنه "سيضع بعض المسؤولين في حرج دائم" على حدّ تعبير أحد الموظفين في مؤسسة بريد الجزائر الذي تحفّظ عن ذكر اسمه، قائلًا: "كيف سيتمّ تعويض الموظّف الذي أخذ عطلة لمدّة سنة؟ هل عن طريق توظيف عامل مؤقّت أم ستحال مهمته في العمل إلى موظّف آخر؟ كما تساءل محدِّث "الترا جزائر" كيف يتمّ تقييم الموظّف الذي سيعوّض عمل من تمّ تسريحه لمدّة سنة لإنشاء مؤسّسة خاصة؟

هي أسئلة تدور في فلك الإجراءات العادلة التي يتوق لها معظم الموظفين، خصوصا وأن المشكلة التي يواجهها الوظيف العمومي في الجزائر تتعلّق بالأساس بتوظيف عمال عقود ما قبل التشغيل فضلا عن طرح البعض تساؤلات أخرى رصدتها " الترا جزائر" تتصل أساسا بجدوى عودة العامل إلى المؤسسة دون إنجازه لمؤسّسته الخاصة مع الاحتفاظ بحقوقه كاملة، ما يُشكِّل في نظر البعض "إجحافا في حقّ الكثيرين".

واقترحت السيدة سكينة بوراوي الموظفة في مديرية الضّمان الاجتماعي التابعة لولاية ميلة شرق الجزائر، تقديم تسهيلات إدارية ومتابعة الموظفين الذي يطمحون لإنشاء مؤسسات خاصة حتى تكون هناك نجاعة ونجاح للمشروع، فسنة واحدة –حسب رأيها-لا تكفِي لوضع مشروع مؤسّسة ناشئة خاصة أو مقاولاتية في سكة الإنجاز والاستغلال والمتابعة والتقييم أيضا.

وأضافت بوراوي في حديثها لـ" الترا جزائر" أن فكرة القرار من النّاحية النّظرية خطوة إيجابية من شأنها أن تضع الكثيرين أمام فرصة وضع أفكارهم على أرض الواقع وتحقيق أحلامهم ورفع مداخيلهم ولم لا خلق مناصب شغل إضافية والإسهام في الاقتصاد الوطني، لكن من الناحية الميدانية -الإجرائية هناك تعقيدات إدارية تتطلّب وقتا طويلا خاصة ما تعلّق بالملفّات والشّروط لإنشاء مؤسسة ناشئة ما يستدعي حسبها إلى ضرورة وضع آليات لتسهيل العملية أمام الطّامحين لتنفيذ هذه المشاريع.

عقبات القرار: بين الدّراسة والعمل

وجب الالتفات إلى أنّ هناك العشرات من الموظّفين في المؤسسات الحكومية يزاولون الدراسات العليا سواء في إتمام شهادة الماجستير (ماستر) أو دكتوراه، غير أنّ بعضهم واجه صعوبات في التوفيق بين الدراسة والعمل في الوقت نفسه، بل هم عينة من مجمل العينات الموجودة في سوق المؤسّسات العمومية، بل وأصبحت تتابعهم إكراهات الوظيفة وشروط التكوين العلمي والأكاديمي.

وعلى ذكر هذا المِثال، أكّد الباحث في سلك الدكتوراه وليد لعناني أن العديد من زملائه بجامعة العلوم والتكنولوجيا  بباب الزوار بالعاصمة الجزائرية، تخلّوا عن إتمام الدراسات العليا بسبب ضغط الوظيفة، فيما القليل منهم تنازل على الوظيفة لأجل مواصلة تحصيل العلم والمعرفة.

وذكر لعناني في حديث لـ" الترا جزائر" أن هذه الشريحة من الباحثين ممن فازوا في مسابقات الالتحاق بسلك الدكتوراه في الجامعات، وجدوا عقبات كثيرة سواءً في الجامعة التي ينتسبون إليها أو في الإدارات الحكومية التي يشتغلون فيها، لافتًا إلى أن نظام الدكتوراه الحالي يفرِض على الطالب الباحث الحضور لتجميع نقاط أساسية تؤهّله لأن ينجز أطروحة نهاية الدراسات العليا بأريحية، وهو ما يسبب لمه مشاكل على مستوى العمل، متسائلًا من يمكنه أن يقبل أن تشتغل في وقت الدّراسة والعكس كذلك، من هو الأستاذ الذي يقبل أن يتغيّب الطالب الباحث بحجّة العمل؟

وفي السياق ذاته أشار إلى أن عديد المؤسسات تضع الطالب بين خيارين إما الوظيفة أو الدراسة، فيما يلجأ البعض إلى " التّحايل الوظيفي أو متابعة الدراسة بأخفّ الأضرار أو بالأحرى بأقلّ ساعات حضوريًا".

إلى هنا، يشتكي كثيرون من تعطيلات مواصلة الدراسة دون التخلي عن الوظيفة أو إعطاء تبريرات دائمة للتخلف عن العمل عندما يتعلق الأمر بإنجاز أطروحات أو سفر عِلمي أو المشاركة في مؤتمرات أكاديمية.

الاستفادة من التّجارب

لقد أعاد هذا القرار التّذكير بعدد من القرارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة خلال العشريتين الأخيرتين، إذ دعا المتابعون للشّأن العام في الجزائر إلى ضرورة تقنين جِدِّي لمسألة انشاء المؤسّسات الخاصّة في الجزائر، إذ عرفت خلال الأعوام الأخيرة مشكلة مشاريع تشغيل الشباب (أنساج) التي كلّفت الخزينة العمومية الملايير من الدينارات، إذ تمحورت حول تقديم قروض للمساهمة في فتح مشاريع خاصة بالشباب و ترمي بدورها إلى تقليص البطالة، لكنها انتهت إلى إقرار عدّة تنازلات من أجل مسح ديون الآلاف من الشباب بعدما استفادوا من قروض.

لكن في المقابل من ذلك عرفت مشاريعهم نهاية صعبة ومنها ما فشل في ردّ رأس المال المقترض من البنوك العمومية، وهي خطوة في نظر البعض  لها تداعيات كبيرة خصوصًا بالنسبة لمن وجّهوا القروض العمومية نحو صرفها في أغراض أخرى بعيدة عن تأسيس شركات كما هو منصوص عليه القانون.

طالب جامعي: مثل هذه القرارات تحتاج إلى توليفة قانونية تضع المبادرين بمشاريع خاصة أمام مسؤولية أخلاقية

ومن خلال ما سبق، يرى الطالب المتخرج من كلية العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر  أيمن سلاحي أن هذا الموضوع يطرح العديد من التساؤلات والمحاذير أيضًا، إذ يقترح أن تكون تدابير إنشاء مؤسسات خاصة بالنسبة للموظفين محكومة بمدى جدواها في سوق العمل، وتفسح المجال لامتصاص البطالة، موضحًا لـ"الترا جزائر" أنه من الأفضل أيضًا ، مع وضع آليات رقابية تحدّ من استغلال المال العام، وعدم الإبحار في حلقة مفرغة، خاصة وأن تجارب سابقة أثبتت أنّ مثل هذه القرارات تحتاج إلى توليفة قانونية تضع المبادرين بمشاريع خاصة أمام مسؤولية أخلاقية.