22-أكتوبر-2019

أن تنتظر من يدعم الثقافة على طريقة دعم الرياضة، كأنّك تنتظر "غودو" (Getty)

فريق "اتحاد العاصمة" لكرة القدم دخل أزمة كبيرة كادت تعصف به، بعد غياب مالكه رجل الأعمال علي حداد الذي يقضي عقوبته في سجن الحراش، تراكمت الديون ولم يتلّق اللاعبون أجورهم لأشهر عديدة، فشرعوا في إضراب مفتوح بعد أن قاطعوا مباراة الداربي العاصمي ضدّ المولودية وعوقبوا بخصم ثلاث نقاط.

يمكن أن نقرأ عن مثقف كبير مات في صمت، ولم تنتبه إليه السلطات إلا بعد فوات الأوان

وسط تلك العاصفة الكبيرة، جاء "فاعل خير" هو "مناصر وفي للفريق"، ليقدّم جرعة أوكسجين في شكل هدية قيمتها 1.1 مليار سنتيم جزائري، كان نصيب كل لاعب منها 50 مليون سنتيم، وعاد الجميع إلى التدريب وتأجّلت الأزمة إلى حين.

اقرأ/ي أيضًا: ملامح المثقف الجزائري في زمن مضى

قبل أشهر قليلة كادت أزمة أخرى تعصف بفريق كبير آخر في الجزائر وهو وفاق سطيف، الذي تراكمت عليه الديون وكان يواجه مستقبلًا مظلمًا، لولا تدخّل "مناصر وفي" صرف من جيبه مبلغ 4 مليار سنتيم، وأصبح هذا المناصر بعد ذلك رئيسًا للنادي وساهم رفقة آخرين في تخليص النادي من ديونه المتراكمة، وانتهت الأزمة أو تكاد.

وغير بعيد عن الجزائر، كان فريق "النادي الأفريقي" يواجه خطر السقوط إلى القسم الأسفل، إثر خسارته لنزاعات مع لاعبين سابقين، فهّبت الجماهير لتنظيم حملة تبّرع شارك فيها لاعبون حاليون وسابقون منهم الجزائري عبد المومن جابو، فعاد الانتعاش إلى الخزينة من جديد وعاد الأمل.

إنها "الساحرة المستديرة" التي فعلت وتفعل الأفاعيل في عاشقيها، فيقدّم الشاب الذي لا يكاد يضمن قوت يومه على دفع مصروف جيبه من أجل دعم فريقه المفضّل، في شكل تذكرة الذهاب إلى الملعب أو شراء اللباس من المتجر الرسمي بمبلغ مرتفع. ورغم أنه يرى اللاعبين يتقاضون أجورًا خيالية إلا أنه لا يحسدهم، بل يغضب لو أقدمت إدارة الفريق على خصمٍ من أجر لاعبه المفضّل.

يمكن أن نقرأ كل هذا وأكثر في صفحة الرياضة، ولكن ماذا لو قلبنا الصفحات وقرأنا شيئا عن الشأن الثقافي؟ من المؤكّد أننا سنخرج من عالم إلى عالم آخر مختلف تمامًا، بل نخرج من عالم الملايير إلى عالم البؤس و"الميزيرية" كما تقول العبارة الدارجة في الجزائر.

في صفحة الثقافة، يمكن أن نقرأ مثلًا عن شاب أنهى كتابة روايته الأولى، ومن شدّة تحمّسه لطبعها حتى تكون حاضرة في صالون الكتاب الدولي، وجد نفسه مضطرًا لبيع هاتفه الذكي ويضطر للعودة إلى "هاتفه الغبي" القديم.

ويمكن أن نقرأ عن مثقف كبير مات في صمت، ولم تنتبه إليه السلطات إلا بعد فوات الأوان، فقد كان في حالة إلى عملية جراحية في الخارج، لكنه بقي مرميًا في قاعة انتظار المستشفى، ينتظر الحصول على سرير يموت عليه.

ويمكن أن نقرأ قصصًا مؤلمة عن مدّعين في الأدب والموسيقى وسائر الفنون، وجدوا أنفسهم في "قوارب الموت" بحثًا عن جنّة شمال المتوسط، هربًا من جحيم جنوبه، حتى كادت تتحوّل تلك الصفحات (إن وجدت طبعا) إلى صفحات لأخبار الفقر والموت والبؤس.

ووسط تلك المآسي، لا يمكن أن تنتظر "مناصرًا" على طريقة مناصري الفرق الرياضية، ليدعم هذه الجماعة الأدبية أو ذلك الكاتب البائس ولو بحفنة من الدنانير، وكأن المجتمع بأثريائه، ينتقم بطريقته الخاصّة من الكاتب حتى يبتعد عن ذلك الطريق.

أن تنتظر من يدعم الثقافة على طريقة دعم الرياضة، كأنّك تنتظر "غودو" مثلما حدث في مسرحية صموئيل بكيت

أن تنتظر من يدعم الثقافة على طريقة دعم الرياضة، كأنّك تنتظر "غودو" مثلما حدث في مسرحية الكاتب العبثي صموئيل بكيت الشهيرة، وهل تلك المسرحية أكثر عبثًا من هذا الواقع؟.   

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في نقد المثقف الجزائري

نخب جزائريّة متعالية.. من يفكّر للواقع؟