16-مايو-2020

الطبيبة الراحلة وفاء بوديسة (فيسبوك/الترا جزائر)

التصقت تسمية "الجيش الأبيض" بعمّال قطاع الصّحّة في الجزائر، بسبب وقفتهم التّي وصفتها رئاسة الجمهوريّة بالتّاريخيّة، منذ دخول وباء كورونا إلى البلاد. وكان فيهم ضحايا من أطبّاء وممرّضين ومسعفين. بما ربط نظرة الجزائريّ لعامل الصّحّة العموميّة بالامتنان، بعد أن كانت مربوطة بالسّخط، في ظلّ ما ميّز القطاع من تهاون وتسيّب وتعسّفات.

في إحدى المحادثات المتداولة، تحدّثت الطبيبة الراحلة وفاء، عن تشخيصها لحالتين مصابتين بفيروس كورونا

وتجلّت هذه النّظرة أكثر، الجمعة، بمناسبة رحيل طبيبة حامل في شهرها الثّامن، تداوم في مستشفى رأس الوادي بولاية برج بوعريريج، 250 إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، بسبب عدم قدرتها على مقاومة الفيروس، بالنّظر إلى ضعف المناعة الذّي تتميّز به الحوامل.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا.. قلقٌ من ارتفاع الإصابات مجددًا بالبليدة وعداد الوفيات يصل 459 وفاةً

الطبيبة الراحلة، واسمها وفاء بوديسة (28 سنة)، حُرمت من إجازة تقدّمت به إلى مسؤوليها، حيث نشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، محادثاتها مع مقرّبيها، تخبرهم فيها بأنّها تعرّضت إلى بيروقراطية الإدارة رغم حالتها الصحيّة، وخطر إصابتها بالفيروس.

في إحدى المحادثات المتداولة، تحدّثت الطبيبة الراحلة وفاء، عن تشخيصها لحالتين مصابتين بفيروس كورونا، ورغم أن التعليمات في هذه الحالة، تفرض على الأطباء الدخول في الحجر الصحي، إلا أنّها حُرمت من هذا الإجراء أيضًا، ورفض رئيسها في العمل منحها إجازة عمل أو عطلة أمومة مسبقة.

قنوات التلفزيون التي تحدّثت إلى زوجها وبعض أقاربها، أكّدوا أنّ الطبيبة الراحلة حاولت مرارًا الحصول على إجازة، غير أن طلبها قوبل بالرفض، مؤكّدين أنّ والدها أيضًا تنقّل إلى إدارة المستشفى لإقناع مسؤوليها، لكن محاولاته باءت بالفشل.

ما أن تلقّى روّاد مواقع التّواصل الاجتماعيّ الخبر، حتّى تهاطلت تعازيهم وتعابير الحزن والمواساة لأسرة الفقيدة ولزملائها في "الجيش الأبيض"، الذّي قال بعضهم إنّهم ما كانوا ليستطيعوا تطويق الوباء لولاه.

ولم يقتصر تفاعل الجزائريّين على المشاعر المذكورة فقط، بل تعدّاه أيضًا إلى التّعبير عن اندهاشهم من السّماح لطبيبة حامل توشك على الولادة بالمداومة، في فضاءات يكاد الدّخول إليها يكون مقتصرًا على المصابين بالفيروس سريع العدوى.

هنا، تقول الإعلاميّة آسيا شلابي إنّها تتفهّم إلزام عمّال قطاع الصّحّة بالمداومة الجزئيّة أو الكلّيّة، في ظلّ حاجة الوضع الاستثنائيّ إلى ذلك، "لكن أليس من الصّحّة إعفاء الحالات الخاصّة منهم؟ أليست المرأة الحامل في طليعة هذه الحالات الخاصّة الجديرة بالإعفاء، لأنّ المناعة لديهنّ تكون في أدنى درجاتها؟".

وتضيف محدّثة "الترا جزائر": "يبدو أنّ قطاعًا واسعًا من العمّال البسطاء  في حقل الصّحّة قد غيّروا سلوكهم إلى ما يُرضي الجزائريّيين، غير أنّ المسؤولين فيهم ما يزالون على نفس الإدارة المتعسّفة والغافلة عن الإجراءات الضّروريّة التّي ينبغي أن تُسيِّر القطاع".

في السّياق نفسِه، قال النّاشط الثّقافي عبد الرحيم لوصيف: " لنفرض أنّ الطّبيبة تطوّعت من تلقاء نفسها بالاستغناء عن الإعفاء من المداومة، حرصًا منها على تدعيم الطّاقم الطّبّي في هذا الوضع الخاصّ، فهل كان على إدارة المستشفى، ومن خلالها وزارة الصّحة، أن تقبل بذلك؟".

من هنا، دعا عبد الرّحيم لوصيف الوزارة الوصيّة إلى اتّخاذ العبرة من الحادثة المؤسفة، وإطلاق تعليمة صارمة تمنع مداومة الحوامل من موظّفيها في المؤسّسات الصّحّيّة. يقول: "كنّا نؤاخذ بالأمس بعض عمّال الصّحّة على تهاونهم في حقّ المواطنين، فلا ينبغي أن يسكت المواطنون اليوم على ما يمكن أن يُهدِّد حياة وصحّة هؤلاء، لأنّهم بشر ومواطنون مثلنا".

وسارع النّاشط محمّد حنّاشي إلى جعل رحيل الطّبيبة الحامل فرصةً لإطلاق مبادرة وطنيّة لتكريم "الجيش الأبيض". يقول: "صحيح أنّ تضحيات عمّال الصّحّة سابقًا كانت كبيرة ومهمّة ومؤثّرة، لكنّ موت طبيبة حامل مع جنينها تُعدّ أكثر الحالات تأثيرًا وتعبيرًا عن روح التّضحية والإيثار والبطولة".

عبد الرّحيم لوصيف دعا الوزارة الوصيّة إلى إطلاق تعليمة صارمة تمنع مداومة الحوامل من موظّفيها في المؤسّسات الصّحّيّة

 فشلت  كلّ الإصلاحات التّي عرفها قطاع الصّحّة بسبب انعدام الثقة بين القائمين على القطاع والمواطنين. وقد أعاد الوضع المترتّب عن وباء كورونا هذه الثقة، فهل ستستغلّ الحكومة هذا المعطى الذّي يعدّ مكسبًا لإطلاق إصلاح حقيقيّ جديد يستفيد من ثغرات الإصلاحات السّابقة، منها إعادة النّظر في حقوق الطّبيب؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

حاملًا لفيروس كورونا.. الجزائر تُخفي إيطاليًا وتُعلن حالة الطوارئ

منحة تبون تُحدث فتنة في المستشفيات الجامعية