تحوّلت بورصة الجزائر خلال الفترة الأخيرة، من مجرّد بناءٍ مهجور ومؤسّسة جامدة لا تشهد أيّة نشاطات، إلى هيئة تعرف حركيات عديدة بعد قرار فتح رأسمال عدد من البنوك العمومية، وعرض أسهمها للبيع أمام الجمهور بمختلف أطيافه سواءً كانوا مواطنين أو مؤسسات أو بنوك أخرى وشركات تأمين.
الخبير المالي علي حادو لـ "الترا جزائر": الإقبال الكبير للمتعاملين الاقتصاديين والمواطنين على البورصة سيساهم في رفع مؤشّراتها الاقتصادية
وباشر القرض الشعبي الجزائري كبداية لتنفيذ المشروع عملية الاكتتاب لدى البورصة بداية من الثلاثاء 30 جانفي/ كانون الثاني 2024، ويستعرض أسهمه للبيع بقيمة 2300 دينار جزائري / 13 دولارًا للسهم الواحد، مع عرض ما مجموعه 60 مليون سهم، 30 %منها موجهة للأشخاص الطبيعيين أو للمواطنين، و40 % للزبائن المؤسساتيين وهي البنوك وشركات التأمين و30 % أخرى للأشخاص المعنويين.
وبالموازاة مع ذلك، استكمل بنك التنمية المحلية عملية تقييم أصوله ويرتقب أن يشرع في اكتتاب أسهمه هو الآخر وعرضها للبيع أمام الجمهور العريض هذه السنة، إضافة إلى بنك ثالث يرجح أن يكون بنك الفلاحة والتنمية الريفية "بدر".
وبالإضافة إلى ذلك تستعد شركات خاصّة لولوج البورصة منها مؤسّسات صغيرة ومتوسطة، وأخرى ناشئة، كما باشرت البورصة حملات توعية وتحسيس لإرشاد المواطنين على أهميّة هذه السوق المالية البديلة لتمويل المشاريع وتخفيف العبء على المتعاملين الاقتصاديين، خاصّة أولئك الذين يصطدمون بعائق التمويل، ومن جهة أخرى تمكين المواطن من ممارسة "بزنس" مريح وجنيه لأرباح مع أكبر المتعاملين الإقتصاديين العارضين لأسهمهم، فهل ستزدهر بورصة الجزائر خلال سنة 2024؟ أم أن فتح رأسمال البنوك لن يُغيّر من واقع السوق المالية في الجزائر شيئًا؟
حملة إقناع
في هذا السياق، باشرت بورصة الجزائر عبر مختلف أجهزتها، حملة لإقناع المواطنين بأهميّة تملك الأسهم وجني الأرباح، ومدى مردودية العملية، حيث يؤكّد الخبير المالي علي حادو، أن الإقبال الكبير للمتعاملين الاقتصاديين والمواطنين على البورصة سيساهم في رفع مؤشّراتها الاقتصادية وبالتالي إعطاء صورة جيدة عن صحة الاقتصاد الوطني والعكس في حال تراجع مؤشراتها.
ويوضح حادو في حديث إلى "الترا جزائر"، أن البورصة عمومًا تعد من أساليب التمويل المميزة حيث يصل مدى التمويل فيها إلى ما يقارب 10 سنوات كما أن المستفيد من التمويل يكون على دراية بمن هو الممول أي قبل شراء سهم يختار المؤسسة التي يقتني منها.
كما أن دخول البورصة يحمل فوائد مشتركة لجميع الفاعلين في العملية بما في ذلك المجتمع، حيث سيتلقى المانح عائدًا ماليًا، ونفس الشيء بالنسبة للمواطن الذي يشتري أسهمًا ويتحصل مستقبلًا أو على المدى القريب على أرباح مالية نتيجة استثمار أمواله في البورصة من خلال الحصول على هامش معقول من التمويل الذي يقدمه.
وفي نفس السياق، يرى محدثنا أن الأدوات المعتمدة في البورصة من تصنع الفارق في إقبال المواطن على هذا الاستثمار من عدمه، قائلًا: "يجب علينا مراعاة الجانب الشرعي في مجتمع مسلم لأن السند ليس مثل السهم، وأن نبتعد عن الربا".
كما أن التشريعات الموجودة حاليًا حسب محدثنا، لا تلبي طموحات وسلوكيات المتعامل الاقتصادي، لذلك نجد أغلب الناشطين في البورصة من فئة البنوك فقط.
وأضاف المتحدث أن البورصة في حال اعتمدت أساليب جديدة تلبي رغبة المتعامل والمواطن ستحقق ربح وفائدة مالية، لكن هذا الأمر يأتي حسب حادو بالتدرج من خلال إعداد دراسات عملية يبحث من خلالها هؤلاء عن أسباب العزوف ويعملون على معالجة الخلل.
وفي رد على سؤال: "لماذا يعزف الجزائريون عن البورصة؟"، يرى الخبير المالي أن السبب الرئيسي في العزوف عن البورصة هو غياب الثقة لدى المواطن في هذه المؤسسة، حيث يخشى الخسارة وأيضًا العقوبة الضريبية وطرح السؤال من أين لك هذا؟ وأيضا غياب الطموحات، حيث يتساءل كثيرون: "لماذا أنا ملزم أن أضع أموالي في البورصة وهل أتحصل على عوائد مالية مستقبلًا، إضافة إلى الحساسية الدينية ووجود خلط ما بين مفاهيم السند الذي يحمل فوائد والسهم يربح ويخسر حسب السوق".
شروط إنعاش البورصة
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي، أن إنعاش البورصة في الجزائر، وجعلها ذات جودة اقتصادية مرتبطة بالقضاء على السوق الموازية وخلق سوق مالية نظامية، تضبطها القوانين والتشريعات، على حدّ تعبيره.
ويشدد تيغرسي على ضرورة إصلاح المنظومة المصرفية في الجزائر وتحسين مناخ الاستثمار، قبل الحديث عن بعث البورصة فكثيرون، يقول تيغرسي، يفضّلون السوق الموازية على البورصة لتحقيق أرباح وفائدة، لذلك وجب الإسراع في القضاء على السوق الموازية من أجل إصلاح الاقتصاد الوطني وبعث بورصة حقيقية على غرار تلك الموجودة في كافة دول العالم.
كما يجب على القائمين على بورصة الجزائر يقول محدثنا انتهاج خطة تسويقية والتعريف بخدماتهم خاصة وأن عددًا كبيرًا من الجزائريين يجهلون سوق البورصة وتعاملتها المالية وكيفية تحقيق أرباح سواء عبر شراء أسهم أو سندات.
ومن بين الأمور التي تجذب الجزائريين للبورصة، هي الشركات التي تبيع أسهمها أو سنداتها للجمهور العريض، فعلى سبيل المثال في حال ولوج شركة مثل سوناطراك البورصة، وقيامها بعرض أسهمها للجمهور، ستكون الأرباح مضمونة مستقبلا لكل من يفكر في الاقتناء.
البورصة تروج لأرقام إيجابية
وغير بعيد عن ذلك، كانت بورصة الجزائر قد شرعت في الترويج لأرقام ومعطيات إيجابية، بشأن تحسن مستوى نشاطها بداية من سنة 2022.وخلال شهر ديسمبر / كانون الأول 2023، أعلنت لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها، عبر بيان رسمي عن نمو القيمة السوقية للبورصة بـ48 بالمائة، وكذا زيادة القيمة الإجمالية للمعاملات ببنسبة ثمانية بالمائة، في الساحة المالية بالجزائر.
وفي التقرير السنوي لسنة 2022، للجنة تنظيم عمليات البورصة حول أنشطة سوق القيم المنقولة، الذي تم إعداده وفقا لأحكام المرسوم التشريعي رقم 93-10 المؤرخ في 10 أيار/ماي 1993 المعدل والمتمم، المتعلّق ببورصة القيم المنقولة، والمنشور بموقعها الإلكتروني، فإن عام 2022 شهد استئناف النشاط بشكل معتبر في سوق القيم المنقولة، مع تطورات ملحوظة في المؤشرات الرئيسية مقارنة بالسنة السابقة، حيث شهدت القيمة السوقية نموًا واعدًا، مسجلة زيادة بنسبة 48 بالمائة.
الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي لـ "الترا جزائر": إنعاش البورصة في الجزائر مرتبطة بالقضاء على السوق الموازية وخلق سوق مالية نظامية
كما عرفت القيمة الإجمالية للمعاملات زيادة بنسبة ثمانية بالمائة، يضيف البيان، وأشار إلى أن عدد الطلبات المقدمة في السوق ارتفع بشكل بارز، مسجلًا نموًا بنسبة 35 بالمائة، حيث تتوقع بورصة الجزائر نتائج أحسن في حصيلة سنة 2023، ويروج مسؤولوها لأرقام قياسية ستتحقق خلال سنة 2024، فهل سيتجسد ذلك ميدانيًا؟