"من الصعب أن أسترجع شريط ذكرياتي وأستحضر مواقف لوالدي، المواقف الطريفة، المضحكة جدًا والجادة والقبيحة"، هذا ما يردده وهيب زياني، 21 سنة، لـ"الترا صوت". يقول إنه يستحضر صورة والده من خلال حكايات يلتقطها من هنا وهناك، يقصها عليه أخوه الذي يكبره سنًا أو عمته أو عمه أو حتى الجيران. ويضيف: "كان والدي محبًا للسفر وكرة القدم، لم يحمل الدنيا في قلبه بل كان حليمًا رغم شدته في الكثير من المواقف، الطريف أن والدي كان يفضل البنات، وكان يتوق إلى أن تحقق له إحداهن أمنيته في أن تصبح طبيبة يومًا ما".
يغيب عن ذهن يتيم الأب، صورة الرجل الكبير، الذي ينهى ويراقب وهي رقابة ضرورية في مختلف مراحل الحياة وخاصة في مرحلة المراهقة
علقت في ذاكرة وهيب صورة الأب، حيث توفي والده وسنه لم يتجاوز العامين، لا يتذكر شيئًا من ملامح الأب، وصار المدلل في البيت، إلى هنا الأمر عادي بالنسبة لوهيب لكنه يضيف بمرارة: "للدلال حدود"، فلقد صار الطفل ـ الشاب لا يتوقف عن إيذاء الأقل منه سنًا بل وصار دائم الانزواء في غرفته بعيدًا عن الأعين ولا يكلم أهله وأصدقاءه لفترة طويلة وانحسر في التدخين وتعاطي المهدئات أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: ذوو الاحتياجات الخاصة.. الأكثر اضطهادًا في الجزائر
حالة وهيب ليست الوحيدة، فيتيم الأب يعني أن فردًا مهمًا في العائلة غائب. تقول سعيدة لمهاني، الأخصائية في علم النفس التربوي، لـ"الترا صوت": "لا يوجد من يحكم وهيب بل من يتحكم فيه، خاصة أمام عطف الأم وحنانها الزائد، من الصعب أن يعطي المجتمع تفسيرًا لبعض تصرفات الأيتام، خصوصًا إن كانوا يعيشون في أسرة كبيرة، فهم يخطئون التعامل معهم إما بـ"العطف الزائد" وأحيانا بـ"القسوة المفرطة"، وهي تصرفات تضره أكثر مما تنفعه". وتضيف الأخصائية في علم النفس التربوي: "يتمرد الشاب ويقوم بكل ما هو غير مرغوب فيه من إيذاء الأطفال الصغار لأنه يمقت امتلاكهم للأب الذي افتقده حينما كان صغيرًا، كما أنه يعيش حالات نفسية مضطربة قد تؤدي إلى الانخراط في المخدرات مثلًأ".
في حالة كريم، 22 سنة، وهو الذي افتقد الأب منذ أن كان عمره 7 سنوات، وتأرجح بين العيش في عائلة أبيه وعائلة أمه، "كلا الجانبين يقسوان بشكل من الأشكال"، يقول كريم لـ"الترا صوت"، لقد عاش طفولة ومراهقة مضطربة، ففي غياب الوالد، فرضت عليه عقلية العائلة الجزائرية الامتثال للأوامر من عدة أطراف (الأخوال والأعمام وغيرهم)، وهو ما دفعه إلى الهروب إلى الشارع والدخول في دوامة الجرائم بمختلف أنواعها ومنها المخدرات والاغتصاب أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: تعطيلات إدارية وعلمية تعيق أحلام طلبة الجزائر
يغيب عن ذهن يتيم الأب، صورة الرجل الكبير، الذي ينهى ويراقب، في هذا الإطار، يقول المختص الاجتماعي فريد سعدون لـ"الترا صوت": "رقابة الأب هامة وضرورية في مختلف مراحل الحياة وخاصة في مرحلة المراهقة، والطبيعي أن هناك حالات لا تجد هذا الوازع الناهي أو الواقي في السن الحرجة لذا تجدهم يتمردون على كل الأوامر من أطراف وجهات أخرى وهناك من أوصلتهم حالتهم إلى الجريمة بشتى أنواعها".
الفتاة أيضًا، تجد صعوبة في مواجهة الحياة حسب هندة، 18 سنة، فهي يتيمة الأب ووجدت نفسها بين أسرتين، عاشت مع عمتها لفترة ست سنوات لتعود إلى بيت الأخوال فيما بعد رفقة والدتها وتعيش ظروفًا وواقعًا جديدًا، وفشلت في الحصول على شهادة الباكالوريا/الثانوية العامة فما كان من خالها إلا أن أجبرها على قبول العريس الأول الذي تقدم لخطبتها. عن هذا الوضع، تقول الإعلامية آمال لعبيري: "هذا الوضع تعاني منه الآلاف من اللواتي فقدن الأب في سن صغيرة، تلجأن إلى التكفل النفساني عبر جمعيات ومنظمات اجتماعية و كثيرًا ما يدفع الضغط الأسري بهن إلى الشارع والضياع".
اقرأ/ي أيضًا: