23-يوليو-2022

يرتبط قانون المالية التكميلي برفع القدرة الشرائية للمواطنين (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تحول قانون المالية التكميلي خلال السنوات الأخيرة إلى عادة لا تفارق وزراء المالية الذين تداولوا على مبنى الأبيار بأعالي العاصمة، فهؤلاء يرسمون خطة ميزانياتية ومالية عامة تؤطر النفقات والمداخيل طيلة 12 شهرًا في السنة، ثم يأتون بتفاصيل جديدة وإجراءات تنظيمية مستحدثة وفي بعض الأحيان رسوم لم تكن مقننة من قبل عبر  المشروع التكميلي منتصف كل سنة، فهل العودة إلى مثل هذه الإجراءات تفرضه الأزمات الاقتصادية؟

يعتبر رافضون لقانون المالية التكميلي أن مثل هذه الإجراءات مرتبطة بالحروب والأزمات والأحداث المافجئة في البلاد

في هذا السياق، تتباين المواقف حول من يؤيد هذا الطرح ويعتبره ظاهرة صحية، من شأنها أن تلعب دورًا رئيسيًا في رسم خطة مالية دقيقة تتطرق إلى كل صغيرة وكبيرة في مجال التجهيز والنفقات والمداخيل والرسوم والضرائب والتنمية، وبين من ينتفض ضد كثرة القوانين التكميلية ويصفونها بـ "البدعة" التي أتى بها إلى الحكومة الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى المسجون حاليًا في قضايا فساد بالجملة.

إلى هنا، يذهب رافضون لقانون المالية التكميلي إلى القول بأن هذا المشروع يفترض ألا يكون إلا في حالات خاصة، مرتبطة بأحداث مفاجئة أو حروب وأزمات أو اختلال كبير في أسعار النفط، في حين يبقى القانون السنوي قادرا بشكل كاف للغاية على تسيير الملفات المالية والميزانياتية، دون أدنى حاجة للتكميلي.

وفي ظلّ هذه الفرضيات والأطروحات المتناقضة، لم تتضح الصورة لحد الآن بشكل جلي حول مصير قانون المالية التكميلي لسنة 2022، الذي يفترض أنه على طاولة الحكومة للتنقيح والتدعيم بشكل أكبر، بأمر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بعد عرضه قبل أسابيع في مجلس الوزراء. 
ويرتقب تمرير هذا القانون في حال موافقة الرئيس عليه، بأمرية رئاسية نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل كأقصى حد، دون عرضه على البرلمان الذي أغلق أبوابه استثناء هذه السنة منتصف تموز/جويلية، بعد تمديد الدورة بأسبوعين للتمكن من تمرير قانون الاستثمار الجديد، في وقت لم يجهز بعد قانون المالية التكميلي.

قصة التكميلي

ويعد قانون المالية وثيقة تحضرها الحكومة وتعرضها على مجلس النواب للمناقشة والتصويت، تحتوي إيرادات ونفقات الدولة حسب كل قطاع، خلال فترة زمنية تقدر بسنة وتعكس توجهات الاقتصاد، كما تتضمن جملة من الإجراءات لجمع الضريبة وتحصيل الرسوم  وملفات مالية أخرى، وفق تصريح الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي.

ويقول الحيدوسي لـ"الترا جزائر": "أما قانون المالية التكميلي، فهو حالة استثنائية يتم إقراره في حال تسجيل أي خلل في إيرادات أو نفقات الدولة أو عند رغبة الحكومة في تجسيد رؤية معينة، سواءً تعلق الأمر برفع نسب الضرائب أو تخفيضها، وحتى لزيادة نسبة الدعم".

والمعروف أن قانون المالية يمتد من الفاتح جانفي/ كانون الثاني إلى نهاية السنة، أي 31 ديسمبر/ كانون الأول، حيث يفترض أن هذا التخطيط الميزانياتي يفي بالغرض، وفي بعض الفترات يتم إصدار قانون المالية التكميلي، للفصل في بعض التفاصيل أو منح إضافة جديدة، لكن اليوم تحولت هذه الوثيقة إلى عادة لدى الحكومات المتعاقبة على ترؤس الجهاز التنفيذي في الجزائر منذ 20 سنة.

ويعتقد الحيدوسي أن قانون المالية التكميلي الأكثر جدلًا في الأعوام الأخيرة، هو الصادر سنة 2009، في حقبة الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى الذي عاصر كافة الحكومات طيلة أكثر من 30 سنة وتولى الجهاز التنفيذي في حقبة النظام السابق، مشددا على أن القانون التكميلي لسنة 2009 أثار ضجة كبرى بفعل الإجراءات التي تضمنها لاسيما ما تعلق برفع الضرائب وتلك المؤطرة للاستثمار الأجنبي عبر فرض القاعدة 41/59، والتي جاءت في ظرف دولي استثنائي.

هل يمكن الاستغناء عن قانون المالية التكميلي؟

ويتساءل كثيرون حول إمكانية التخلي عن قانون المالية التكميلي، ومسايرة السنة المالية دون اعتماد تشريعات جديدة منتصف العام، لتسيير الملفات المالية فيما تبقى من أشهر، أي دون أي خلل في الميزانية أو ثغرات في التسيير المالي.

ويعلق الحيدوسي حول الملف قائلًا إن قانون المالية التكميلي يكون إلزاميًا إلا في حالات خاصة، وهي الحروب و الأزمات والكوارث الطبيعية، أو عندما يتم تسجيل خلل في الميزانية أو رصد خطأ في تقدير الإيرادات والنفقات.

وذهب المتحدث أبعد من ذلك مصرحًا "لو أجرت الحكومة ضبطًا دقيقًا لميزانية السنة تطرقت إلى كل صغيرة وكبيرة في الأمور المالية، لما كانت ستحتاج إلى وثيقة قانون تكميلي يؤطر الإدارة المالية للأشهر المتبقية من السنة".

من جهته يؤكد الخبير الدستوري رشيد لوراري في تصريح لـ"الترا جزائر" أن قانون المالية التكميلي من الناحية الدستورية غير ضروري ولا إلزامي، مشددًا على أن هذا الأخير تحول في السنوات الأخيرة إلى بدعة، توارثها القائمون على الجهاز التنفيذي، حيث يلجأون منتصف كل سنة إلى وثيقة مالية تقر إجراءات جديدة كان بإمكان وزارة المالية تأجيلها إلى قانون المالية للسنة المقبلة، أو إدراجها مسبقا في قانون المالية مطلع السنة الجارية، فهذه القرارات لا تتضمن أية طواري تفرض إقرار قانون تكميلي لتمريرها.

ويعتبر المتحدث أن أحسن الخيارات هي الاكتفاء بقانون مالية سنوي، والتخلي عن القانون التكميلي الذي بات مجرد إضافة لا تحمل أي جدوى مالية أو اقتصادية، داعيا الحكومة إلى مراجعة عادة إقراره بشكل سنوي، وأن تكون أكثر دقة في القوانين الصادرة مطلع السنة حتى لا تضيع المجهود والوقت في إعداد قانون ثان يجب أن يكون جاهزا قبل شهر حزيران/جوان من كل عام.

جدل حول تمرير وثيقة 2022

وبخصوص سنة 2022، تم الشروع في التحضير لقانون مالية تكميلي عرض بتاريخ 19 حزيران/جوان على رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بمجلس الوزراء والذي أمر بدوره بمراجعة مضمون هذا القانون، حيث يفترض أن لا يتضمن هذا الأخير أي ضرائب من شأنها المساس بالقدرة الشرائية للمواطن الجزائري، ولكن بالرغم من ذلك لم يصدر القانون إلى اليوم ولم يتم إعادة عرضه على مجلس الوزراء، الأمر الذي يطرح الكثير من الاشكاليات حول مصير هذا القانون ويثير جدلًا وتساؤلات إذا ما استغنت  الحكومة عنه أم سيتم تمريره قريبا بأمرية رئاسية؟

وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي في تصريح لـ"الترا جزائر"  إن قانون المالية التكميلي حتمي هذه السنة بالنظر إلى الإجراءات التي يفترض أن يتضمنها هذا الأخير، وهي ترجمة للقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في مجالس الوزراء طيلة الأشهر الماضية من السنة المتعلقة بالتكفل بالبطالين وتحسين منح المتقاعدين، ورفع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وتجميد الرسوم على أجهزة الاعلام الآلي والتكنولوجيا المستوردة من الخارج، ومنح تسهيلات للمؤسسات المتضررة من جائحة كورونا، واستفادتها من إعفاءات جبائية.

ويتعلق الأمر أيضًا حسب خرشي بإعادة النظر في النقطة الاستدلالية للموظفين، بهدف رفع أجورهم والتي كلفت الخزينة الجزائرية 220 مليار دينار، وأيضًا مراجعة الضريبة على الدخل والتي التهمت 180 مليار دينار، وتحسين منح التقاعد التي استهلكت 90 مليار دينار، ناهيك عن ارتفاع أسعار برميل النفط بفارق كبير بين السعر المرجعي الذي حدد في قانون المالية للسنة الجارية بـ 45 دولار للبرميل، والسعر الحقيقي للسوق اليوم الذي يلامس 115 دولارًا، بدليل تصريحات الرئيس المدير العام للمجمع النفطي سوناطراك الذي توقع مداخيل إضافية، فكل هذه المتغيرات وفق الخبير خرشي تفرض الذهاب نحو قانون مالية تكميلي قريبًا.

وتحدث الخبير أيضًا عن انخفاض قيمة الدينار، مقارنة مع تلك المحددة في المؤشرات المالية لقانون المالية مطلع السنة، وكذا ارتفاع سعر الحبوب والمواد المستوردة من الخارج، وهو ما يكشف خلل في المداخيل والنفقات ويستدعي وثيقة مالية تكميلية لتسيير السنة الجارية.

يتساءل متابعون للشأن الاقتصادي في الجزائر حول كيفية تمرير قانون المالية التكميلي لسنة 2022 

وفي النهاية يبقى إقرار قانون مالية تكميلي لسنة 2022 من عدمه من صلاحيات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المخول الوحيد بالفصل في الملف، وفق ما يراه مناسبًا، إلا أن السؤال المطروح اليوم هو: "كيف سيتم تمرير هذا القانون؟ وهل سيخضع للأمرية الرئاسية"؟، خاصة بعد أن أغلق البرلمان أبوابه وضرب موعدا للنواب مطلع شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.