13-مارس-2024
المطبخ الجزائري

(الصورة: فيسبوك)

تلقى برامج الطبخ متابعة متزايدة في الجزائر في السنوات الأخيرة، وبالخصوص مع ظهور قنوات تلفزيونية محلية متخصصة في هذا المجال، وبروز صناع محتوى يهتمون بتقديم مختلف الوصفات والأطباق على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ساهم في التعريف بالمطبخ الجزائري الذي كان مغيبا إعلاميا، إلا أنها في الوقت ذاته خلقت  تخوفا لدى البعض بسبب إلغائها هوية ولمسة سيدة البيت في الأطباق التي تقدمها، وهو ما قد يؤثر على التنوع والاختلاف في الأطباق المقدمة.

رغم ثراء المطبخ الجزائري الذي يتسيد حسب دراسات متخصصة الترتيب أفريقيا وعربيا، إلا أنه يمكن ملاحظة التشابه الذي أصبح موجودا اليوم في الأطباق المقدمة في عديد العائلات

ورغم ثراء المطبخ الجزائري الذي يتسيد حسب دراسات متخصصة الترتيب أفريقيا وعربيا، إلا أنه يمكن ملاحظة التشابه الذي أصبح موجودا اليوم في الأطباق المقدمة في عديد العائلات، حيث لم يعد طبخ الأم يختلف عن الخالة أو الجدة أو البنت مثلما كان سابقا، لمّا كان يمكن التعرف على صانعة أي طبق عند تذوقه.

اهتمام واسع

لا تنكر السيدة رابحة  التي أصبحت أمًا منذ 5 سنوات أن برامج الطبخ سواء على التلفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي شكلت أهم الدعائم لها في تعلم كثير من فنون الطهي التي كانت تجهلها، بالنظر إلى أنه لم يكن لها وقت كثير لتعلمها قبل زواجها بسبب التزاماتها الدراسية والعملية، مثلما تقول لـ" الترا جزائر".

ولا تختلف حالة رابحة عن  حال عديد الجزائريات، وحتى الجزائريين الذين أصبح يستهويهم الدخول للمطبخ عكس ما كان سابقا، فالمواضيع المتعلقة بالطبخ من المجالات الأكثر بحثا على الانترنت ومشاهدة في التلفزيون والواب، حيث تظل على سبيل المثال الطاهية أم وليد من المواضيع الأكثر بحثا في يوتيوب، الأمر الذي جعل قناتها بالموقع ذاتها تحوز على أكثر من 12.6 مليون متابع.

ويزداد هذا الاهتمام خاصة في شهر رمضان، إذ تعد قنوات الطبخ على اليوتيوب من الأكثر مشاهدة وتفاعلا في الجزائر هذه الأيام، متنافسة بذلك مع المسلسلات الدرامية والفكاهية ومختلف البرامج الترفيهية المعروضة خلال الشهر الفضيل.

وينعكس هذا الاهتمام أيضا في ظهور قنوات تلفزيونية متخصصة متمثلة في قناتي زهرة وسميرة، إضافة إلى أن برامج الطبخ عنصر أساسي في الشبكة البرامجية لمختلف القنوات التلفزيونية الجزائرية حتى الإخبارية منها، مثل ما هو الأمر بالنسبة لتلفزيون النهار، بالنظر إلى أن المشاهدة العالية لهذا النوع من البرامج يحظى بإعلانات كثيرة تساهم في مداخيل أساسية للمؤسسات الإعلامية الخاصة.

ويرجع هذا الاهتمام أيضا إلى المدخول المادي الذي يحققه الطهاة سواء في ظهورهم التلفزي أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أوضح "الشاف صلاح الباتني" الذي يتابعه سبعة ملايين شخص على مواقع التواصل الاجتماعي لـ"الترا جزائر" بأن المحتوى الذي يقدمه على اليوتيوب يضمن له مستوى معيشيا محترما جعله يرفض تقديم برامج تلفزية مباشرة، بالنظر إلى أنها لم تتناسب مع ظروف حياته، وهو ما يفسر ظهور الكثير من صناع المحتوى في هذا المجال

ترويج

ساهم هذا الاهتمام بالمطبخ الجزائري في التعريف به أكثر، وهو الذي ظل لسنوات مجهولا لكثيرين، ما تسبب في السطو على وصفاته وأطباقه ونسبه لبلدان أخرى، مثلما أشار الشاف صلاح الذي أضاف أن صناع المحتوى المتعلق بالأطباق الجزائرية تمكنوا من الترويج للمطبخ الجزائري وتفاصيله سواء في الداخل بالنظر لتنوعه واختلاف وصفاته من منطقة لأخرى أو الخارج، حيث أصبحت الأكلات الجزائرية تلقى اهتماما عربيا وأجنبيا أكثر مما كان في السابق.

ويتطابق هذا الرأي مع ما لاحظته الدكتورة إلهام بوثلجي الأستاذة المحاضرة بقسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة البليدة 2 المتخصصة في دراسة جمهور وسائل الإعلام، حيث قالت لـ"الترا جزائر" إنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن برامج الطبخ المختلفة ساهمت بالفعل في "التعريف بالأطباق الجزائرية عن طريق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فشبكة الانترنت التي جعلت العالم قرية واحدة، وسهلت التواصل بين الناس، والانفتاح على الآخر الذي ساهمت فيه التكنولوجيا الحديثة، جعلت المطبخ الجزائري يسافر من دولة إلى أخرى دون تنقل".

وتزامن هذا الاهتمام والترويج للمطبخ الجزائري، مع بروز تصنيفات عالمية متخصصة أكدت جودة الأطباق الجزائرية وتنوعها وتسيدها الترتيب على المستوى الإقليمي وحتى العالمي أحيانا، الأمر الذي جعل هذه الاطباق محل اهتمام داخلي وخارجي لاكتشاف تفاصيل إعدادها.

تأثير سلبي؟

غير أن البعض يرون أنه يجب ألا يخفي هذا الجانب الإيجابي للبرامج الطبخ، الطرف السلبي فيها، والتي جعلت الأطباق المقدمة في كل بيت بمثابة نسخة طبق الأصلي لبعضها، حيث يقول الثلاثيني مختار لـ"الترا جزائر" أنه لاحظ أنه " أصبح من الصعب اليوم التفريق بين من يقف وراء طهي طبق معين، فأم وليد أو غيرها من الطهاة المشهورين أصبحوا موجودون في كل بيت، لقد غابت هوية سيدة البيت، سابقا كان من السهل معرفة معدة أي طبق فور تناوله، فنقول هذا من إعدام الأم أو العمة أو الأخت أو الجدة، ففي كل طبق كانت توجد هوية معدته وإن كان هو نفسه ومكوناته نفسه".

وأضاف " هذه اللمسة والهوية هي من كانت تصنع تنوعا في المطبخ الجزائري واختلافا جعله غنيا وثريا مقارنة بباقي المطابخ الأخرى، وهو ما أصبحنا نفتقده اليوم".

ولا ينكر "الشاف صلاح الباتني" هذه الملاحظة، وأقر بها في حديثه مع "الترا جزائر"، مرجعا ذلك لأن بعض الأطباق أدخلت عليها توابل جديدة أثرت على الوصفة التقليدية للمطبخ الجزائري، إضافة إلى أن الوصفات المقدمة اليوم تعطى بتفاصيل دقيقة حول "الكيلات" المستعملة، وهو ما يقلل من الاختلاف في الأطباق المطهوة  من شخص لآخر.

ويرى الشاف صلاح أن هذا الوضع يظل محل جدل بشأن الحفاظ على الأطباق الجزائرية وفق الطريقة التقليدية المتوارثة منذ عشرات ومئات السنين، أم إدخال إضافات عليها لتوائم تطورات العصر، وهنا يكمن الاجتهاد في مدى قدرة الطاهي على التجديد دون المساس بروح المطبخ الجزائري.

وتابع قائلا "لو لم يكن لنا تأثير على الجمهور سواء إيجابا أو سلبا لما أطلقت علينا صفة مؤثرين".

وتوضح الدكتورة إلهام بوثلجي أنه " لا يخفى على أي واحد منا بأن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كاليوتيوب وفيسبوك وإنستغرام وحتى تيك توك ومختلف المنصات أثر بشكل كبير على الجمهور، ولا سيما مستخدمي هذه التكنولوجيا ومن جميع النواحي سواء من ناحية التقليد ومحاكاة ما يقدم عبر هذه المنصات أو التأثر بالفاعلين فيها، وهو حال الطبخ إذ برزت صفحات ومواقع خاصة به، واستغلت عديد النسوة معرفتهن لفنه للتعريف به عبر هذه المواقع  على غرار أم وليد التي ذاع صيتها وسهلت حياة الكثير من النساء اللاتي لم يكن يعلمن عن المطبخ شيئا".

الشاف صلاح الباتني لـ "الترا جزائر": اللمسة الخاصة والهوية هي من كانت تصنع تنوعا في المطبخ الجزائري واختلافا جعله غنيا وثريا مقارنة بباقي المطابخ الأخرى، وهو ما أصبحنا نفتقده اليوم

 وبينت بوثلجي أنه "  لا يمكن الجزم بأنه سيلغي تنوع المطبخ الجزائري، حتى مع الإقرار بحقيقة تأثير المحتوى المقدم وطريقة استخدام الوصفات في الجمهور، والذي يجعل المتابع ينساق تلقائيا وراء ما يقدم له ويحاول تقليده بنفس الشكل".

وتربط الأستاذة المتخصصة في دراسة جمهور وسائل الإعلام هذا التأثر الموجود لدى  متلقي هذه البرامج إلى "خلل في تعامل الجمهور والمجتمع الجزائري كمستخدمين للتكنولوجيا ولهذه المواقع، فالمشكل يكمن بالأساس في الوعي وكيفية استغلال التكنولوجيا بالشكل الجيد".

وأضافت بوثلجي أنه "في الغالب ينبهر الجمهور بما هو جديد عليه، فرأينا ما أحدثه فيسبوك في العالم  في سنواته الأولى وتيك توك أيضا، لكن الأمر اختلف اليوم ولم يعد بتلك الحدة،  ففي الغالب الآن بعدما أصبحت مواقع الانترنت واقعا وليست شيئا جديدا على مستخدميها أضحى استخدامها واستغلالها أكثر عقلانية".

وترى الدكتورة إلهام بوثلجي أن التأثير الذي يتركه صناع محتوى الطبخ في الجمهور الجزائر، يتطابق مع نظرية الحتمية التكنولوجية لوسائل الإعلام للكندي مارشال ماكلوهان (1911 – 1981) الذي يقول إن التكنولوجيا تؤثر في بدايتها في الجمهور، لأن كل ما هو جديد مبهر، بالنظر إلى أن استخدامه يكون بكثرة وأفراط وبلا عقلانية، وهو ما يحدث اليوم مع محتوى برامج الطبخ الجزائرية، لكن هذا التأثير سيقل لاحقا،ولعل ما حدث سابقا بشأن بعض الألعاب الالكترونية كالحوت الأزرق يفسر ذلك إذ قل تأثيرها اليوم.

وتابعت بوثلجي " بعد الانبهار، يمر الجمهور المتلقي لحالة الاستخدام الهادف والعقلاني، وهو ما سيحدث مع تفاعل الجمهور الجزائري مع المحتوى المتعلق بالطبخ الذي كان سابقا منحصرا في عدد محدود من الطهاة، إلا أنه أصبح اليوم يقدم من قبل الكثيرين، وهو ما سيسمح للجمهور بالفرز والعقلانية في التعامل مع هذا النوع من البرامج".

إلهام بوثلجي: لا يخفى على أي واحد منا بأن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كاليوتيوب وفيسبوك وإنستغرام وحتى تيك توك ومختلف المنصات أثر بشكل كبير على الجمهور، ولا سيما مستخدمي هذه التكنولوجيا ومن جميع النواحي سواء من ناحية التقليد ومحاكاة ما يقدم عبر هذه المنصات

وبسبب هذا التأثير "السلبي" لبعض برامج الطبخ وتأثيرها في بعض الأطباق التقليدية، أصبح البعض ينفرون من الوصفات المقدمة منهم، مثلما هو الحال عند أم مريم التي قالت لـ"الترا جزائر" إنها لا تستعين في الغالب بالنسخة الجديدة للأطباق الجزائرية التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى أن زوجها من المتمسكين بالوصفات الأساسية للمطبخ الجزائري، ويرفض الإضافات المقدمة من قبل عديد الطهاة المشهورين.

من المؤكد أن لا أحد ينكر مساهمة الطهاة المشهورين في الترويج للمطبخ الجزائري والتعريف بثرائه بعدما كان مجهولا لكثيرين، إلا أنه في الوقت ذاته يجب التعامل بعقلانية مع المضامين المقدمة من قبل بعضهم بالنظر إلى أنها قد تؤثر سلبا في سلوكيات المتلقين.